لا يمكن للبنانيين أن ينسوا أنّه في يومٍ من أيّام العام 2008، أطل عليهم الأمين العام لـ»حزب الله» واصفاً ما جرى في السابع من أيّار بـ»اليوم المجيد». ولا يمكن لهم أن ينسوا أحداث تلك الأيّام المشؤومة التي إشتعلت خلالها إحتمالات الانزلاق مجدداً نحو الحرب الأهليّة، بفعل قيام حزب الممانعة بغزو العاصمة والجبل.
ولا يمكن للبنانيين أن يتغاضوا عن فكرة أن ما حدث في الخامس من أيّار من إتخاذٍ لقراراتٍ حكوميّة لم يكن يخرج عن الإطار الحقيقي لما يمكن لأي دولة تحترم نفسها أن تقوم به. وإذا أدّى الاختلال الكبير في موازين القوى، من جهة، والرغبة الجديّة لدى قوى أخرى بعدم دفع البلاد نحو الحرب الأهليّة، من جهة أخرى إلى التراجع عنها يومذاك؛ فهذا لا يعني أن القرارات كانت خاطئة وأن قيام حزب الله بـ»تصحيحها» بقوّة السلاح كان صائباً.
من المؤكد أن الصيغة اللبنانيّة برمتها قد تعرّضت لإهتزازاتٍ هيكليّة عميقة نتيجة أحداث السابع من أيّار، ولقد كُرّست تلك الاختلالات البنيويّة في إتفاق الدوحة الذي إستباحته قوى الممانعة، ومعها حزب رئيس الجمهوريّة الحالي، لتعطيل المؤسسات وشلها عند كل منعطف وفي كل محطة، ما جعل الديمقراطيّة اللبنانيّة مشوّهة ومكبلة ومتعثرة.
ولكن لقد أدّت تلك الأحداث، على فداحتها، إلى إسقاط الهالة التي كان يتمتّع بها ذاك الحزب والتي بنى أجزاء غير قليلة منها على تضحيات أحزاب وفصائل أخرى سبق لها أن اطلقت حركة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لتحرير الجنوب، دون إنكار جهوده في مواصلة المسيرة وتحرير الأرض (بعد إحتكار المقاومة بقرار إقليمي بعد أحداث إقليم التفاح).
الخطورة تكمن في أن المشروع لا يزال مستمراً. مشروع السيطرة على الدولة بكل مكوناتها ومفاصلها إنفاذاً للأجندات الإقليميّة التي لا علاقة لها بالمصلحة الوطنيّة اللبنانيّة العليا. ولكن، إذا كانت ثمّة إرتباطات سياسيّة وعقائديّة معيّنة لدى حزب الممانعة تجعل سياساته مفهومة، ولو غير مبررة؛ ولكن هل يجوز لحزب رئيس الجمهوريّة الذي يدّعي الدفاع عن الإستقلال والسيادة أن يلتحق بهذا المحور فقط تحقيقاً لمصالحه الفئويّة الخاصة المبنية على شهوة دنيئة للسلطة ومناصبها ومراكزها ومنافعها؟
يحق لأي طرف سياسي أن يعقد التحالفات التي يراها مناسبة له، ويحق له أن يعتمد الأدبيّات السياسيّة التي تتلاءم مع أهدافه. ولكن ألهذه الدرجة يسترخص حزب رئيس الجمهوريّة، ورئيس الجمهوريّة نفسه، بالمصلحة الوطنيّة التي أقسم على حمايتها والسهر عليها؟ ألهذه الدرجة تستحق الكراسي والمناصب سلوك دروب المحاباة السياسيّة بأي ثمن؟
الأمانة السياسيّة والتاريخيّة تستوجب إعادة تعريف الأيّام المجيدة في سيرة الأوطان. الأيّام المجيدة تكون بالتحرر من الاحتلالات والسطوة الخارجيّة، بإستعادة القرار الوطني المستقل، ببسط سلطة الدولة على أراضيها ومرافقها ومعابرها وحدودها، بحصريّة السلاح بيد الدولة دون سواها، بخطة دفاعيّة وطنيّة تستفيد من كل الطاقات الداخليّة المتوفرة، وتؤطرها في هيكليّة منظمة تأتمر فقط بالقيادة العسكريّة والسياسيّة الرسميّة.
الأيّام الوطنيّة المجيدة تكون بإعلاء ثقافة إحترام الدستور، وحسن سير المؤسسات المنبثقة عنه، وبالابتعاد عن الإستقواء بالخارج والتلويح به، وبالركون إلى الدولة كمرجعيّة وحيدة في السياسة والأمن والإقتصاد، وبالإمتناع عن تفريخ مؤسسّات موازية في كل المجالات والاتجاهات بما يخالف القوانين والأصول المرعيّة الإجراء. هكذا تكون الأيّام المجيدة.
بإستطاعة الناخبين اللبنانيين جعل الخامس عشر من أيّار يوماً مجيداً يمحون من خلاله ذاك اليوم المشؤوم (السابع من أيّار) المسمّى زوراً يوماً مجيداً. إذا لم تكن الرسالة ضد هذا المنطق واضحة وحاسمة، فمن غير المستبعد أن نشهد أيّاماً مجيدةً جديدة على شاكلة السابع من أيّار إيّاه. أبشروا!