Site icon IMLebanon

ظلال الماضي تخيّم على تطورات الحاضر وأحلام المستقبل

 

 

ظلال الماضي تخيّم على تطورات الحاضر وأحلام المستقبل

لبنان مقبل على تحالفات غامضة ومعقّدة

ومصير الانتخابات والمرافق العامة معلّقة أياما!!

كان الرئيس الشهيد رشيد كرامي، يقول لزواره قبل رحيله، ان الصبر مفتاح الفرج، وان الحرية هي الطريق الى السياسة الحكيمة.

ويستطرد: ان كثرة الكلام لا تعبّر أحيانا عن نضارة الأفكار. كما ان سرعة البديهة، لا تفقد المعنى حكمته والآراء.

بادره أحد زواره: انكم – يا دولة الرئيس – تعلّمون الناس الكلام، مع انكم تقولون أحيانا الكثير، ليفهم الناس القليل، وانكم أحيانا تختصرون وتفيدون بمآثر لا يفهمها عامة الناس، مما تجودون به عليهم.

ضحك الرئيس الشهيد، وكأنه أدرك ما يعنيه القابع في محضره الكثيف بالروّاد، وقال له ان الأديب الكبير مارون عبود كان يقول ان الاختصار مفيد، لأنه الطريق الى الفصاحة… وخير الكلام ما قلّ ودلّ. ان أكثر الناس يعرفون هذا، ومع ذلك يضعونهم في وادٍ سحيق من التكهنات.

ويعود الشهيد رشيد كرامي الى مارون عبود فيقول انه درج على القول ان بعضهم، يمعنون في الأحاديث، ولا يأبهون لما يحيط بهم من ازدحام، وعجقة وأصوات تعلو وتهبط وكأن الناس بحاجة الى صراخ لتفهم ما يُروى لها من أخبار.

ويردف رشيد كرامي – رحمه الله – بأن الناس تهوى اللتّ والعجن فلا تسعى الى الاختصار، وهذا ما عبّر عنه مارون عبود في مقال عنوانه مختصر مفيد، فيقول ان أحد الناس يسأل صاحبه عن الصحة، ثم يعيد السؤال مرة ومرتين، ثم يرجع الى الموضوع ليطمئن الى شؤون البيت وشجونه، ولا يدرك انه أتعب نفسه بأسئلة ممجوجة، لا تهمّ أحدا كما تهمّه، وبعد ذلك تسألون لماذا أطيل أحيانا في تصريحاتي؟

كان شيشرون أمير المنابر، ورائد الاختصار الذي يحسبه خير الكلام، سواء بين الناس العاديين أو خطيبا في المحافل. أما أنا، يتابع مارون عبود، فانني أقول ان الاختصار هو المخرج اللائق لتفادي اللتّ والعجن، حتى ان الكلمات مثل أوراق الأشجار. كان مارتن لوثر المصلح الديني يرى ان الصلاة الأكثر اختصارا، هي الأشدّ وقعا لديه تعالى.

 

وكان أحد المشاهير يقول لزائريه: اختصروا لأن الوقت ثمين، ولأن المحافظة على المواقيت، هي كلمة السرّ في هذه الحياة. وهذا ما جعله يضع ورقة على مكتبه ليشاهدها الناس: على من يطيل الاقامة عندي، ان يساعدني، على اتمام عملي، لان مراكز الأعمال ليست ناديا للتسلية، والايجاز موهبة نادرة.

كان الكاتب الكبير مارون عبود القادم الى المدينة من بلدة عين كفاع بين بلاد جبيل، وقضاء البترون يحافظ على تقاليد الاختصار، أقام له رئيس بلدية جبيل السابق تمثالا في شارع المدينة الرئيسي، لأن التاريخ ليس وحده مَن يحتضن الحرف والأبجدية، بل انه يحتضن ملك الكلام والأدب الساخر.

ولو كان الأديب الخالد، على قيد الحياة، لكان يكتب أجمل ملحمة ساخرة عن القانون الانتخابي الجديد، الذي يوصف بأنه الأول في العالم، الذي يعتمد الصوت التفضيلي الواحد والحاصل الانتخابي الذي يحدّد نسبة الأصوات التي ينبغي للمرشح ان يحصل عليها، ليعبّد طريق الفوز بالمقعد النيابي.

أمضى اللبنانيون قرابة نصف قرن وهم يلعنون النظام الانتخابي الأكثري، الذي أجمعوا على التنصّل منه، وفي مقدمتهم الرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي أراد، بعد انتخابه رئيسا، في العام ١٩٥٨ على اقامة حكم عصري، فغرقت البلاد في الوصاية وغرقت معه معظم الأحلام السياسية.

عند إقرار نظام الطائف بحضور ٦٢ نائبا، وبمعارضة بعض النواب الذين يقلّ عددهم عن عدد أصابع اليد الواحدة، قال النائب المرحوم عبدو عويدات، انه نظام سهل، لكنه ليس النظام الذي تحلم به الأجيال الجديدة.

عارضت الوصاية الاتفاق، ليس لأنه عاطل، بل لأنه يأخذ منها الوصاية السياسية على لبنان، لكن دخول الجيش العراقي الى الكويت، أعطى معظم العرب والعالم، لسوريا حق الوصاية على لبنان، فجعلت لبنان كوكتيلا من الأنظمة الانتخابية، مع ان اتفاق الطائف نصّ على جعل الانتخابات على أساس المحافظة، بعد اجراء تعديل في حدودها القائمة.

ومنذ الخمسينات صار تفقيص النواب، مثل تفقيص الدجاج على الماكينات!!

وبعد اجراء الانتخابات الأولى، بعد الطائف في محافظة الشمال، جمعت الوصاية ٢٨ نائبا يدورون في فلكها، وعملوا نوابا في انتخابات شارك فيها ١٣ في المائة من المواطنين.

وهكذا درجت الوصاية على تفقيص مجالس نيابية، الى ان جاء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأراد التجديد في الحياة السياسية، لكنها وقفت في طريقه. وفي ١٣ تشرين الأول الشهير عمدت الوصاية الى قصف القصر الجمهوري بالطائرات، وبموافقة أميركية واسرائيلية، واحتجاز رئيس الوزراء الشرعي العماد ميشال عون في السفارة الفرنسية، بعد حيلة سياسية مع الوزيرين عصام أبو جمرة وادغار المعلوف وبعض العسكريين منهم العميد عادل ساسين القائد السابق للشرطة العسكرية في الجيش.

نقل الجنرال ميشال عون الى مارسيليا، ومن ثم الى لا هوت ميزون وكان أول اتفاق بين الأميركيين والاسرائيليين والسوريين على التخلّص منه.

ومضت المؤامرة في وجهها الثاني، على اعتقال الدكتور سمير جعجع في وزارة الدفاع اللبنانية مدة ١١ عاما، الى ان نضج الحلّ السياسي ظروفا وأسبابا.

والآن، وبعد حوالى نصف قرن خرج السوريون من لبنان، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في قلب بيروت، وفي العاصمة المدمّرة بفعل جولات الحرب المتعاقبة، وبعد انتقال رئاسة الحكومة الى الرئيس فؤاد السنيورة، المساعد الأساسي له في الحكومة، ومن ثم بعد اختيار نجله سعد الحريري، والمؤامرة لاستقالته وهو على أبواب البيت الأبيض الأميركي.

وجاء من ثم الرئيس نجيب ميقاتي الى السلطة، متحالفا مع وزير طرابلسي آخر هو محمد الصفدي في منصب وزير المال، اضافة الى وزراء طرابلسيين آخرين أبرزهم الوزير فيصل عمر كرامي من جهة والنائب أحمد كرامي من جهة ثانية.

اعتقد الناس ان الرئيس نجيب ميقاتي أصبح زعيم طرابلس، ومعه عدة وزراء من الفيحاء، لكنه وقع في رتابة السلطة، مع انه دخل الى السرايا الحكومية من بابها الواسع. واعتقد كثيرون ان الرئيس نجيب ميقاتي الذي نجح كوزير سابق للأشغال العامة، لم يحظ بزعامة مطلقة في مدينة رشيد كرامي، الذي أغتيل في الأجواء بين طرابلس والبترون بعدما كاد ان يصل الى اتفاق مصالحة لبنانية مع الرئيس كميل شمعون بمجرد عودته الى ميدان سباق الخيل حيث كانت تعقد اجتماعات المصالحة اللبنانية.

إلاّ أن نجيب ميقاتي في رئاسة الحكومة، لم يكن نجيب ميقاتي الذي عرفه اللبنانيون في وزارة الأشغال العامة. يوم كان يعقد اجتماعات دورية مع رجالات معنيين بشؤون السلطة وشجونها.

وعندما عوتب من قبل أصدقاء له على ذلك التبدّل، قال ان لرئاسة الوزارة لغة سياسية غير لغة وزارة الأشغال والنقل.

اختار الرئيس نجيب ميقاتي التعاون مع النائب محمد الصفدي، واختاره وزيرا للمالية بعد نجاحه في معظم المواقع التي أسندت اليه، خصوصا انه كان يتّكئ على الحلف الثلاثي الطرابلسي الذي ضمّ أيضا النائب الأرثوذكسي موريس حبيب فاضل والنائب والوزير الحالي محمد كبارة.

وفي الانتخابات النيابية الأخيرة في عصر رشيد كرامي، اختار الزعيم الكبير في المدينة المرشح موريس فاضل المعارض القوي ضدّه ليخوض الانتخابات معه، ومع النائبين هاشم الحسيني والدكتور أمين الحافظ، وعندما سئل عن أسباب ذلك التحوّل في التحالفات، خصوصا انه حافظ على تحالفه مع جبّار الميناء فؤاد البرط سنوات عديدة، أجاب بأنه بات مقتنعا بأن باب التغيير يطرق أبواب العاصمة الثانية، وانه لا يريد ان يفوز الدكتور عبدالمجيد الرافعي وان يسقط الحسيني أو الحافظ، فاختار مرشحا من ميناء طرابلس وهذا ما حدث.

الانقلاب والتغيير

بعد ذلك مرّت العاصمة الثانية في ظروف سياسية مغايرة تمثلت بعودة الرئيس سعد الحريري الى الخارج فترة طويلة من الزمن استطاع خلالها تيار المستقبل استعادة زمام المبادرة السياسية، وبرز وجهان بارزان، فيه هما وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل أشرف ريفي في حكومة الرئيس تمام سلام الذي أيّده بقوة الرئيس سعد الحريري.

وفي أثناء وجود سعد الحريري في الخارج، استطاع أشرف ريفي المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي الامساك ببعض قواعد تيار المستقبل وتعرّض منزله للقصف الأمني، فازدادت الحماسة الشعبية له، إلاّ انه بعد عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، تقلّصت أسباب التفاهم بين الرئيس الجديد للحكومة والوزير السابق أشرف ريفي، واستعاد رئيس مجلس الوزراء قوته الشارعية بتعيين النائب محمد كبارة وزيرا للعمل، إلاّ أن الانقلاب الحقيقي تمثل في عزوف الوزير السابق النائب محمد الصفدي الأسبوع الفائت عن خوض الانتخابات المقبلة، واعلان وقوفه الى جانب تيار المستقبل.

في الحقبة الأخيرة، وجهت المملكة العربية السعودية دعوة رسمية الى الرئيس سعد الحريري لزيارة المملكة، فلبّى دعوتها والتقى العاهل السعودي، ثم عقد لقاء مطوّلا له مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ويقال ان ما أشيع عن سوء تفاهم بين المملكة السعودية وبينه قد تبدّد، وقد عاد مساء امس الاحد الى بيروت، ليعكف على اعلان لوائحه الانتخابية في معظم المناطق اللبنانية، مع تقوية علاقاته مع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، واجراء تعديلات في عداد نواب المستقبل القدامى، وتسمية وجوه جديدة، على حساب الوجوه السابقة.

ووفق المعلومات فان المملكة أعطت الضوء الأخضر لرئيس مجلس الوزراء، لتعزيز تحالفه السياسي مع العماد عون، بوصفه رئيس البلاد وقائد الجمهورية، وان المملكة بقيادتها الحالية تتعاطف مع قيادة لبنانية قوية برئاسة العماد عون، ومتينة في خطها السياسي القائم على التنوّع السياسي الذي يضم أيضا رئيس مجلس النواب نبيه بري، لتجنيب لبنان الأخطار المحدقة بالبلاد، من جراء أزماته الاقتصادية والسياسية، والتي ستقرر لاحقا أو قريبا مصير الانتخابات النيابية في الربيع المقبل سلبا أو ايجابا.

ويقال، ان الرئيس سعد الحريري يحمل من السعودية دعما مطلقا له ولمؤسساته العامة والخاصة، ولتجنيبها المآزق التي تعانيها، وانها تريد من رئيس الحكومة ان يحكم مع الرئيس عون وان يتعاون والرئيس بري بحكمة وقوة ورجاحة عقل وتفكير.

هل تمرّ الأمور في سلام، أم ان الضغوط الأميركية في عهد الرئيس ترامب ستزداد قوّة ضد حزب الله، أم ان الصراعات الإقليمية ستحصد الخلاف بين السعودية ودول الخليج من جهة، والجمهورية الإسلامية – الايرانية من جهة ثانية.

ويقال في المحافل السياسية، ان المملكة العربية السعودية كانت لا تمانع في الحوار القائم منذ مدة، بين تيار المستقبل وحزب الله عبر الرئيس نبيه بري الذي درج على دعوة الفريقين الى العشاء او الى الاجتماع في عين التينة.

ويبدو ان رئيس المجلس النيابي الذي زار ايران قبل مدة وجيزة، ويتمتع بقوة التواصل بين المستقبل وحزب الله مؤهل لحل القضايا بين التنظيمين الأساسيين على الساحة اللبنانية، خلال ثلاث دقائق مع الأمين العام ل حزب الله السيد حسن نصرالله.

ويبدو ان لقاءات الأحزاب على اختلاف مشاربها السياسية قد تترك مصير الإنتخابات النيابية معلقاً على نتائج تلك اللقاءات.

والواقع يشير الى ان ردم الفجوات في التحالفات قائم بقوة، على الرغم من التحالفات السابقة بين الأفرقاء.

وثمة من يتوقع تقارباً أكثر بين تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري والتيار الوطني الحر برئاسة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وتحالفات تعتريها مشاحنات باردة بين تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية بزعامة الدكتور سمير جعجع والوحدة الواهية بين التيار الوطني الحر وحزب القوات، إلا أن معظم الأمور تخيّم عليها تباينات ومخالفات حتى بين التيار الوطني الحر وحزب الله. ويقف بين هؤلاء التحرّك الواسع الذي يقوم حزب الكتائب اللبنانية برئاسة النائب سامي الجميل، بمعالجته.

والسؤال الآن: هل تسلم الإنتخابات في ظل الحوار الذي يقوده حزب الطاشناق برئاسة النائب آغوب بقرادونيان بين التيار الوطني الحر والوزير السابق والنائب ميشال المر، لتجنيب جبل لبنان معركة طاحنة، أم يعود حزب الكتائب الى معركة مقبلة تضمه والوزير المرّ ضد التيار الوطني الحر.

الحوار صعب لكنه يقوم على رغبة مشتركة بين الفريقين في التقارب والتباعد في آن.

إلا أن العقبة الأساسية تكمن في دور الوزير السابق ومستشار رئيس الجمهورية الحالي ووزير التربية السابق من جهة والنائب غسان مخيبر من جهة ثانية.

إلا ان عقبة جديدة نشأت من خلال إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق، الإشادة بالفنان زياد عيتاني البيروتي والعروبي، واتهام المقدّم السيدة سوزان الحاج بأنها مارست مهمتها الوظيفية للإساءة إليه مما جعل رئيس الجمهورية العماد عون يتدخل مع الأجهزة الرسمية لعدم التدخل في القضايا التي يحقق فيها القضاء.

وهذا ما جعل الكبار في العالم يتذكرون السياسي البريطاني الشهير وانستون تشرشل ويدعون الى الإمتثال به. صحيح ان السياسي العجوز سقط في الإنتخابات خلال الحرب العالمية الثانية، لكنه ما لبث ان عاد الى رئاسة الحكومة واستعادها من السياسي المعارض السيد اتلي، وكرّس سقوط ادولف هتلر الذي كاد ان يجتاح العالم بالجيش الألماني لكنه اخفق، وسقط جدار برلين بين المانيا الشرقية والمانيا الغربية بعد عقود من الزمان.

وهكذا نصّب تشرشل نفسه زعيماً مثل الرؤساء الكبار شارل ديغول وجورج واشنطن وابراهام لنكولن.

هل تجري الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، ام تدفع التطورات المفاجئة الى تأجيلها مجددا؟

وهل ينجح الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الالمانية السيدة ميركل في اجرائها وتصبح حقيقة واقعة بين التمديد والتأجيل.

وهل لبنان الغارق في بحار من الازمات داخل الحكومة، وبين الحكومة والمعارضة ينجح حيث فشل الآخرون.

وهل بعد عودة سعد الحريري من السعودية، وذهاب ولي العهد السعودي الى اوروبا والى الولايات المتحدة الاميركية، يشرع باب الانفراج امامه، ام ان اسرائيل ستجازف هي الاخرى في لعبة الموت بين تل ابيب والقدس.

كان الرئيس فرنسوا ميتران ضد سياسة الجنرال ديغول في فرنسا لكنه كان يقول ايضا ان فرنسا واحدة سواء كانت برئاسة ديغول او ميتران!؟