IMLebanon

الشاه المُستعاد!

 

ما إن أطلق الرئيس حسن روحاني تحذيره الصادم من مغبّة مواجهة مصير الشاه إذا لم يَسمع قادة إيران (أو بالأحرى القائد الوحيد والأول) «نصائح وأصوات الإصلاحيين والمستشارين والأكاديميين والنخب والمثقفين.. ومطالب الناس وتمنياتهم»، حتى تلقّفه «المرشد» صاحب الشأن من خلال أحد مستشاريه علي أكبر ولايتي بردّ عمومي يُفهم من خلاصته، أن البحر واسع ويحتاج إلى تبليط!

 

ولايتي قال إن نفوذ إيران في المنطقة «حتمي»، وإنها ستواصل دعمها لـِ«حزب الله» والفصائل الفلسطينية الدائرة في الفلك نفسه. أي إعادة التأكيد والتشديد على الاستمرار في الاستراتيجية ذاتها التي كانت أحد أبرز عوامل وصول الوضع الداخلي إلى لحظة الانفجار. وانكشاف المأزق على وسعه أمام عموم الإيرانيين الذين خرج منهم من خرج إلى الشارع لإسماع صوته بالطريقة (الوحيدة!) التي يمكن من خلالها أن يصل إلى حيث يجب أن يصل!

 

كانت تلت التظاهرات في الشهر الماضي، حالة سكون إزاء الوضع الخارجي. وغابت عن السمع مُطوّلات تعداد «الإنجازات» الإقليمية، و«الفتوحات التنويرية» المسجّلة على مساحة تمتد من أفغانستان شرقاً إلى ضفاف المتوسط غرباً! وكأنّ أصحابها أصيبوا بشيء من الخفر والوجل أمام حقيقة هدرهم الثروات الوطنية على طموحات خارجية نكبوية مستحيلة فيما تدلّ الأرقام الصادمة، الى أنّ عدد الإيرانيين الذين يعيشون تحت خطّ الفقر يتصاعد ويتقدم. وأنّ سكان «مدن الصفيح» صاروا 16 مليوناً! وأن مقوّمات العيش الكريم المعقول والمتواضع، تتكسر تباعاً ولأسباب سياسية أولاً!

 

لكن اللافت أن الفريق الآخر، الموصوف إصلاحياً والذي يقوده الرئيس روحاني، هو الذي أبقى ويُبقي البعد الخارجي حاضراً في الداخل! وهو الذي تلقّف صرخات المتظاهرين وترجمها في مواقفه. وهو الذي قارب الأزمة من زاوية النهج الصدامي الشمولي المتّبع من قمّة الهرم، والذي سبب هدراً على «الصادرات الثورية». وعزلة فعلية على مدى أعوام. وعقوبات دولية قارصة ومؤلمة.. وأنتج في الخلاصة مأزقاً وجودياً وصل إلى حدّ استذكار مصير الشاه والدعوة إلى الاعتبار منه!

 

في أساس ذلك النهج، كان الصرف المادّي السخي على الأذرع الخارجية التي تبني النفوذ المدّعى لإيران في المنطقة ومحيطها.. والذي تبيّن، أنّه نفوذ مزدوج ينطلق من الداخل ويعود إليه! وإنه بمقدار تقدمه خارجياً، يتقدم أصحابه محلياً في السلطة والنفوذ والتفرّد! وكل شبر إقليمي يوازيه شبر محلي! حتى صارت الازدواجية سلعة للتصدير والاستهلاك على حدّ سواء: مثلما تُفرَّخ الميليشيات المسلّحة في العراق ولبنان وسوريا واليمن في موازاة الجيوش النظامية، وتنجح، ويكون نجاحها مشروطاً بتثبيت ركاكة الدولة المعنيّة وكياناتها ومؤسّساتها، فإن تكريس نجاح الثنائية الإيرانية لمصلحة «الحرس الثوري» ومؤسّساته يحتاج (على ما يبدو!) إلى إبقاء التأزيم مع الخارج عنواناً دائماً، وتثبيت هامشية المؤسسات الدستورية في صنع القرار الإيراني، وبدءاً من رئاسة الجمهورية ذاتها!

 

الترابط بين الأزمة والثورة الدائمة، حتمي وتلقائي في حالة إيران الراهنة. لكن اللافت في كلام الشيخ روحاني الجديد، هو أنّه ربْط مُحكم، بين «مطالب الناس» و«نصائح الإصلاحيين.. والنخب والمثقفين»، وكأنه في ذلك يتقدم خطوة إضافية باتجاه التماثل مع سيرة ميخائيل غورباتشوف الأثيرة: الصدور عن النظام، والخروج لإصلاحه من داخله.. وإلاّ «مصير الشاه» هو البديل!

 

..«مصير الشاه» دفعة واحدة! والكلام موجّه إلى «القائد» الثاني (الراهن) للثورة على ذلك الشاه!