IMLebanon

المجلس الشيعي»: المحاكم الجعفرية تحتاج إلى إصلاح

 

اتّهام عشرات الأمهات بـ«المبالغة» و«التصويب العبثي» على «قدسيّة» المحاكم الجعفرية لم يعد ممكناً، بعد اعتراف المحكمة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، نفسها، بـ«الخلل» المستفحل في آليّة عمل هذه المحاكم، وبحاجتها إلى الإصلاح. «هدف أول» سجّلته الأمّهات اللواتي يناضلن من أجل الحصول على حقوقهنّ

 

في إدانة واضحة لعشرات القرارات القضائية التي يصدرها عدد كبير من قضاة المحاكم الجعفرية في لبنان، أكّد رئيس المحكمة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى السيد علي مكي أن «حق الرؤية» الذي يُمنح لـ«الأم المنزوعة الحضانة»، ويحدد بـ 24 ساعة، «عرف خاطئ». ونفى وجود أي سند شرعي يحدّد مدة للوالدين المتنازعين لرؤية أطفالهما.

 

كلام مكي يأتي بعد أكثر من سنة ونصف سنة على «إقرار» رئيس المحاكم الجعفرية، الشيخ محمد كنعان، بوجود خلل في آلية عمل هذه المحاكم، وتقديمه ما سُمّي آنذاك «ورقة إصلاحية». وهي مبادرة لم تر النور حتى الآن بحجة انتشار وباء كورونا، تقوم على اعتماد «دفتر شروط» يطّلع عليه الزوجان عند تسجيل زواجهما، ويتضمن خيار توكيل الزوجة نفسها بالطلاق في حال امتناع الزوج عن الإنفاق عليها، كما أن لها أن تشترط الحضانة لأولادها.

 

مكي، في لقاء بثته «صفحة النبطية» على موقع فايسبوك الاثنين الماضي، دعا المحاكم الى «فهم النصوص والروايات (…) وفهم معنى الولاية (الحضانة) على أنها ليست حكماً استبدادياً بالولد»، مشدداً على ضرورة إيجاد حلّ لهذا «اللغط الناشئ عن عدم قراءة منهج أهل البيت وفهمه»، واستفاض في الحديث عن أهمية الحضانة المشتركة من دون أن يعتمد تسميتها، مشيراً إلى أنه «لا يحقّ للأب أن يستخدم الولاية بشكل تعسفي في حفظ حقه، وينسى حق الطفل الذي يجب أن ينشأ على الحنان وليس شعور اليتم، ولا سيما في حال الطلاق (…) الولاية لا تعني أبداً ما تعمل به بعض المحاكم». وسأل: «كيف يمكن أن تعطى الأم يوماً واحداً فقط (للرؤية)؟ الولاية حق للوالد من جهة وللطفولة من جهة أخرى (…) والطفل الذي يُبعد عن أمه ستة أيام يصبح عرضة لعقد نفسية قد تجعل منه مجرماً». من هنا، «يجب، وليس مستحباً، ومن باب حق الأم، أن نطلب من محاكمنا أن يكون هناك اتفاق مساواة بين الأم والأب لنشأة الطفل سوياً. وإذا لم يحصل الاتفاق، على القاضي عند إصدار الحكم أن يسمي فقيهاً واحداً يقول أن تعطى الأم ساعات وتحرم منه بقية الأيام.

 

على القاضي عند إصدار حكم بالحضانة أن يسمّي فقيهاً واحداً يقول بتحديد «حق الرؤية» للأم

 

الولد يجب أن يبقى بين الأبوين بالسوية ما أمكن».

كلام مكي يتطابق مع مطالب الأمهات اللواتي لم تنصفهن المحاكم الشرعية، ومع أهداف «الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية»، ما يحمّله مسؤولية ترجمة موقفه عملياً وفق الصلاحيات التي يخوّله إياها منصبه. وهو أشار الى أنه تقدم بورقة إصلاحية، بالتوافق مع رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، «ومع السياسين القادة في هذا البلد» لـ«إصلاح النظام العام للمحاكم الجعفرية» التي تعاني من نقص شديد في القضاة (18 متوفين أو متقاعدين من أصل 33)، ما يؤدي الى إرجاء بت بعض القضايا لسنوات طويلة.

مكي تحدث عن «ثغرات» في عمل المحاكم، «في الشكل والمضمون منذ الستينيات»، وعن الحاجة إلى «قانون إصلاحي» يقرّه مجلس النواب، مؤكداً أن سلطة المجلس الإسلامي الشيعي «معنوية فقط». ولفت الى أن منصب رئيس المحاكم العليا في المحكمة الجعفرية شاغر، «وهناك اقتراح لدى السياسيين وقادة الطائفة لتعيين رئيس أصيل للمحاكم لنتمكن من إعادة تنظيم البنية القضائية التي فيها شيء من الظلم على الأمهات». وقد «وُعدنا، مع تشكيل الحكومة، بتعيين رئيس المحاكم لنبدأ رحلة الإصلاحات».

رئيسة لجنة الأم والطفل النيابية النائبة عناية عز الدين، من جهتها، قالت لـ«الأخبار» إنه لا علم لها بأي مبادرة تتعلق بالحضانة المشتركة وبتعديل حق الرؤية للأمهات، و«اللجنة ترحب بأي خطوات إصلاحية». وأشارت إلى أن العوائق تكمن أحياناً في تلكؤ بعض القضاة في تطبيق المبادرات التي يُتفق عليها، «كمبادرة شروط الزواج، مثلاً، التي لم يلجأ عشرات المشايخ إلى تعميمها وإرسائها».

 

يجب، من باب حق الأم، أن نطلب من محاكمنا أن يكون هناك اتفاق مساواة بين الأم والأب لنشأة الطفل

 

 

وفيما يحاول مكي «تبرئة» المجلس من خطوات الإصلاح، محيلاً المسؤولية إلى المحاكم، نقلت مصادر مطلعة عن القاضي كنعان قوله إن المحاكم «سلطة تنفيذية… والفتاوى التشريعية من مهام المجلس». وأكد أن المسؤولية «تقع على عاتق مجلس الوزراء الذي يمتنع في كثير من الأحيان عن تنفيذ قرارات صادرة بحق قضاة مخالفين».

وبعيداً من تقاذف المسؤوليات ومن «الحساسية» بين المجلس ورئاسة المحاكم بسبب «نزاع الصلاحيات»، فإنّ هذا النقاش ليس إلا نتاجاً لرفع صوت الأمهات عالياً، وهنّ «سيتابعن الضغط للوصول إلى حقوقهن»، على ما تقول رئيسة «الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية» زينة إبراهيم. واعتبرت كلام مكي بمثابة «وعد من المجلس بأن يقوم بدوره في تعديل القوانين ونتتبع خطوات تنفيذه بعد تشكيل الحكومة». وإلى ذلك الحين، «ستقوم الحملة بالضغط على رئيس المحاكم لتعميم مبادرة الأمهات المتعلقة بتطبيق فتوى المرجع السيد السيستاني القاضية بمنح الحضانة للأم حتى عمر السابعة للذكر والأنثى على حد سواء، وبتعميم عشرات قرارات الحضانة المشتركة التي صدرت عن قضاة».