ثلاثة أحداث متتالية طبعت الساعات الماضية تجمعت لتعطي زخما تصاعديا للاحتجاج الشعبي في الشارع.
شكلت هستيريا ارتفاع سعر صرف الدولار السبب الرئيسي من دون شك للنزول الى الشارع في ظل تحميل عام لمجمل الطبقة السياسية مسؤولية ذلك، بينما ركزت مجموعات كبيرة ومتنوعة أيضا على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
لم يساور الحراك منذ أشهر وتحديدا منذ تشكيل الحكومة، الوهم حيال تحقيق خرق ما في المراوحة الكارثية للوضع الاقتصادي المزري. هذا كان شأن الغالبية العظمى من الحراك والتي لم تشأ اتهامها بالرفضية، وهي اختارت التهدئة مستثمرة فرصة هبوب وباء «كورونا» على البلاد لالتقاط الأنفاس من ناحية، ورمي الكرة في ملعب الحكومة من ناحية ثانية.
مع التدهور الدراماتيكي لسعر صرف الليرة اللبنانية إزاء الدولار والذي انعكس ارتفاعا جنونيا في الأسعار، شكل ذلك كرة الثلج الحراكية للعودة الى شعار لإسقاط الحكومة.
العامل الثاني الذي طرأ، والذي كان معلوما أيضا للحراكيين، تمثل في أداء الحكومة التي دخلت في محاصصة سافرة «على عينك يا تاجر»، شملت أركان في الطبقة السياسية تناتشوا المناصب على أسس طائفية ومذهبية وسياسية، وكأن ما بعد 17 تشرين الأول هو نفسه ما قبله!
أما العامل الثالث والذي قد يكون طارئاً ومؤقتاً، فتمثل في شمول الاحتجاجات مناطق اللاعب الأهم في المعادلة الداخلية أي «حزب الله» ومعه حركة «أمل»، وذلك في شكل بالغ الرمزية كما على طريق المطار ومفترقات في الضاحية الجنوبية وفي الجنوب حيث انضم هؤلاء الى الحراك المدني.
تقاطع «حزب الله» و«المستقبل»
لم يشكل العامل الأخير حماسا كبيراً لدى الشرائح الأصيلة في الحراك التي ترتاب من تحرك أحزاب السلطة، رغم ترحيبها بانضمام شرائح شعبية جديدة لها وتوحيد شعارات الجوع والحرمان في الانتفاضة. بالنسبة الى هؤلاء الحراكيين، فإن أجمل ما في الانتفاضة عفويتها التي بدأت فيها، وهي العفوية التي يريد الحراك استمرارها لأنها تمثل الثورة الحقيقية.
لكن هذا الأمر مستبعد، فقد تداخل في طول الانتفاضة وعرضها أفرقاء كثر، ولا يخرج تحرك أنصار «حزب الله» أو «الثنائي الشيعي» مع حركة «أمل» عن نظرة الحراك الى ولوج الاحزاب في التحركات وهو تدخل غير بريء بنظرهم، حتى أنه رصدت تحركات لأنصار «تيار المستقبل» ترفع شعارات الثورة لإعادة زعيمها الرئيس سعد الحريري الى الحكم بالاتفاق مع أركان الطبقة السياسية، تلاقت مع مسيرات «الثنائي».
وبالنسبة الى المجموعات الأصيلة في الانتفاضة، فإن انضمام جمهور الاحزاب إليها يبدو مُرحباً به، وفي حالة «الثنائي» أو أنصارهما، فإن له غايات سياسية تهدف أولا الى محاصرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد إجراء صفقة تعيينات نواب الحاكم التي حاصرته وبات في الإمكان اليوم ترويضه وتوجيه رسالة الى الاميركيين مفادها أنه خرج عن كونه خطاً أحمر. وثمة في الحراك من يشتبه في أن هذا الضغط على سلامة هدفه تأمين وصول العملة الصعبة الى سوريا المحاصرة اليوم بـ«قانون قيصر».
أيا كان الأمر، فإن مطلب إسقاط الحكومة واستعادة الاموال المنهوبة من جيوب سارقين من سلطات متعاقبة وحماية السلطة القضائية التي لا إصلاح من دونها، تبدو أولوية بالنسبة الى المجموعات الأصيلة في الحراك. ولسان حالها أنه كان في إمكان دياب الحلول بطلا وهو القادم من خارج الطبقة السياسية والطارئ على التناتش الطائفي والتحاصصي، لكنه أهدر الفرصة وهو يقترب من مرحلته النهائية في الحكم متماهيا مع طبقة سياسية كرهها اللبنانيون.
لا استعادة لمشهد 6 حزيران اليوم، ثمة تزخيم لنشاط الانتفاضة.
في أجواء المنتفضين تشاؤم حيال المقبل من الايام، نتيجة ظروف تتعلق بالبلد كما بسبب ظروف إقليمية ودولية تدفع الى ظروف كارثية. لكن المجموعات تتحرك من دون يأس. وتنطلق مسيرة شعبية ونقابية اليوم من أمام وزارة المالية في بشارة الخوري الى ساحة رياض الصلح لرفع الشعارات الوطنية والطبقية دفاعاً عن سعر صرف الليرة ولمواجهة منظومة التجويع والفساد والمفسدين، تُحضر للقاء جامع غداً يستعيد مشهد الأيام الاولى.
وكما في الايام الماضية، يتحدّ الحراكيون خلف همّهم المعيشي ولرفع شعارات تتمحور حول رفض أداء الحكومة المنتهية بنظرهم عبر إدارة فضائحية للمحاصصات وتقاسم التعيينات والمغانم، ما يثبت يوما بعد الآخر أن لا فرصة لحكومة جاءت لتغطي الطبقة السياسية، وأن أطراف السلطة في الحكم وخارجه لا يعنيهم سوى كيفية إعادة التموضع في السلطة واستمراريتهم في الحكم، وهم المانعين والمواجهين لأية محاولة حتى للمحاسبة والمعاقبة والإصلاح الذي لا خلاص من دونه.
لا ضمانات عند الحراكيين أن لا تُخترق التظاهرة ببعض مشبوهي السبت الماضي. ولا قدرة أصلاً لمنع من يريد من التظاهر ورفع شعاراته. لكن المجموعات المؤسسة في الانتفاضة الشعبية ستحاول التأكيد على حيثيتها في المشهد والنأي بالنفس عن أية شعارات تحاكي «السبت الأسود» وتدفع بالمشهد نحو صدامات طائفية.