IMLebanon

الإنقلابات تهدّد التحالفات فهل تمسّ «الثنائي»؟

 

يعترف بعض المراقبين انّه توصل الى تصور عالي الدقة، يوحي انّ ما يجري ليس من اجل تشكيل «حكومة مهمّة» بل من اجل إنقاذ بعض الوجوه وتلميع بعض الأسماء. فاللعبة بالنسبة الى البعض «مصيرية»، وان اعتقد السذج انّ الهمّ معيشي ونقدي فهو مخطئ، لأنّه ليس في حسابات من نظّموا الانقلابات الاخيرة. والأخطر، إن انتهت الى نسف بعض التحالفات القائمة، فهل تمسّ الثنائي الشيعي؟

بمعزل عن نتائج اللقاء الثامن عشر بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري وما أفضى اليه، ليس في الأفق ما يوحي بحسم المواقف لمصلحة هذا القطب او ذاك بـ «الضربة القاضية» بعدما سقطوا جميعاً. فالمواجهة القائمة بما بلغته، باتت مجرد جولة من جولات النزاع القائمة منذ فترة، جنّد لها اطراف النزاع مختلف صداقاتهم الخارجية والداخلية ومعها القدرات السياسية وغير السياسية. وليس مستبعداً إن لجأ البعض الى قوة السلاح في مكان ما وفي لحظة ما، للإيحاء للداخل ومعه الخارج على حدٍ سواء، أنّ «السيل قد بلغ الذبى». وعملاً بمعادلة «أنّ الضرورات تبيح المحظورات»، يدرك ان ليس هناك من يردع او يحول دون ذلك، فبعض «الشرعية» جاهز للتبرير والتغطية إن ادّى ذلك الى تحقيق مآربه الآنية القصيرة المدى.

 

ليس في ما سبق ما يدعو الى الغرابة، لأنّ في المواقف اليومية وسلوكيات اركان السلطة في لبنان ما يؤدي الى هذه المعادلة. فالامور تشابكت الى درجة متقدّمة، وبات المستحيل والمستغرب متوقعاً، وكأنّه من يوميات حياة اللبنانيين. فقد اعتادوا على تجاوز المفاجآت ومسلسل المآسي التاريخية، وكأنّها من الأقدار، بدلاً من ان تؤدي الى قلب الطاولة على مسببيها. فما تركه انفجار المرفأ من تردّدات حلّت ببيروت واهلها لم يؤت بمفاعيله الطبيعية، كما لو كانت النكبة في بلد آخر. وهو ما يشكّل خير دليل على عجز اللبنانيين عن اعطاء مثل هذه المحطات ما تستحقه.

 

وإن توغل المراقبون في قراءة الأسباب التي دفعت الى قيام هذا الستاتيكو، فهم يدركون انّ مسلسل المواقف الأخيرة التي تدحرجت في ايام قليلة، وانقلب البعض على نفسه، يوحي انّ هناك نزاعاً متشعباً يسهّل القيام بالانقلابات المفاجئة. وهو مشهد ليس من السهل إحصاء ابطاله، عندما يكون من بينهم من يتقن الانتقال من محور الى آخر بلحظات، تهدّد كثيراً من التحالفات التي اعتقد البعض انّها استراتيجية لها مقومات الديمومة.

 

ومن هذه الخلفيات بالذات، توقف المراقبون امام ما شهدته الساعات الفاصلة بين اللقاء السابع عشر بين عون والحريري يوم الخميس الماضي والموعد الثامن عشر امس، ليتبين انّ من راهنوا على تغيير المشهد السياسي لم يحصلوا على مبتغاهم. فموازين القوى ما زالت هي هي، وان فاز البعض بالنقاط، فهي لا تسمح بإنقلاب الصورة، ما لم تكتمل فصولها التي يعتقد كثر انّها على قاب قوسين او أدنى.

 

وعليه، إن كانت المعركة على إسقاط مفاعيل التكليف الذي يتمسّك به الحريري نتيجة الاستشارات النيابية الملزمة، ما لم يقدّم التشكيلة التي ترضي رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر»، فإنّ ولوج المراحل اللاحقة ليس مشواراً سهلاً. وسيكون على معارضيه ان يواجهوا تمسّك الحريري برؤيته لشكل التشكيلة الحكومية ومضمونها ومواصفات وزرائها وعددهم، باللجوء الى إجراءات دستورية صعبة ومعقّدة. فمصير كتاب رئيس الجمهورية الى مجلس النواب لإعادة النظر في نتائج تلك الاستشارات، قد لا يصل الى خواتيمه، هذا إذا لم ينفجر الشارع قبل الدعوة الى عقد تلك الجلسة، وهو امر يحتسبه الداخل والخارج حتى اللحظة، على انّه من المحظورات وإن أباحته الضرورات.

 

ومن دون الدخول في كثير من التفاصيل الأخرى، فإنّ توجيه الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بضرورة إحياء حكومة تصريف الاعمال، دونه عقبات بارزة لا تقلّ أهمية. فرئيسها حسان دياب لا يمكنه مجاراة من اراد هذه الخطوة بكل بساطة، ومن دون ثمن يعوّض عليه ما لحق به من استخفاف وإهانة، جراء دفعه الى الإستقالة في 10 آب، وتحميله وزر انفجار «عنبر الفساد» في مرفأ بيروت. فهو قطع، عند تمسّكه بصلاحيات رئيس الحكومة وعند ادّعاء قاضي التحقيق العدلي عليه، مسافة متقدّمة لدخول نادي رؤساء الحكومات السابقين، ولم يعد امامه سوى الباب الأخير المؤدي اليه.

 

ومن هنا، جاء تمسّك دياب بالتزامه مقتضيات تصريف الاعمال في حدودها الضيّقة، ولم ولن يجاري الداعين الى تجاوزها. ويكفيه ان يصرّ على الطلب الى مجلس النواب تفسير الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور، لجهة مفهوم «المعنى الضيّق لتصريف الأعمال» في حكومة مستقيلة، ليحقق مبتغاه. فإنّ وجّه رئيس الجمهورية رسالة الى المجلس سنداً للفقرة العاشرة من المادة 53 من الدستور، كما أوحى السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير، تداركاً للنتائج المترتبة على عدم تشكيل حكومة جديدة، ستكون النتائج اكثر تعقيداً.

 

فإلى تجاهل اصحاب هذه السيناريوهات ما سيكون عليه موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي ما زال على موقفه المؤيّد للحريري وحكومته في شكلها ومضمونها ودورها، فهو لم يُظهر بعد انّه أكمل دورة «حزب الله» من باب «الثنائية الشيعية»، رغماً انّهما لم يفترقا يوماً في اي مواجهة. ولذلك، إن نجح دياب في استدراج رئيس الجمهورية ومن معه الى مثل هذه الخطوة الدستورية، يكون قد وفّر لرؤساء الحكومات إنجازاً لم يسبقه اليه احد. ففي التفسير المرغوب به ما يعزز صلاحيات رئيس الحكومة في مرحلة تصريف الاعمال، وهو ما لم يحتسبه الطرف الآخر بدقة، إلّا إذا كان يخفي قلقه من هذه النتيجة المحتملة.

 

على كل حال، وتأسيساً على ما تقدّم، يبدو واضحاً انّ الامور بدأت تتجّه الى مكان تزيد فيه التعقيدات لتهدّد التحالفات القائمة. فإن انفجرت المسألة نتيجة احتفاظ الجميع بمواقفهم قبل الوصول الى قواسم مشتركة، فإنّ عملية احصاء للتحالفات المنهارة وتلك المحتملة، يمكن ان تبدأ على قاعدة «الأوعية المتصلة». وهو ما يطرح سؤالاً لا بدّ منه، فهل سيكون لـ «الثنائي الشيعي» حصّة من حال التفكّك هذه؟ ثمة من يعتقد انّ ما بلغته الأزمة الاجتماعية والصحية من تدهور، هزّت القواعد الشعبية للطرفين، وربما انتقلت الى مرحلة متقدّمة. والى ان تُظهر الايام المقبلة المدى الذي ستبلغه المواجهة الصعبة، لن يكون هناك جواب عن اي سؤال؟