منذ مطلع السنة الجارية، دخل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في حالة فراغ. فبعد وفاة رئيسه الشيخ عبد الأمير قبلان قبل أربعة أشهر، انتهت في 31 كانون الأول الماضي ولاية نائب الرئيس وأعضاء هيئتَيه التنفيذية والشرعية. مع ذلك، لا تبدو طريق المطار، حيث مقرّ المجلس، سالكة نحو انتخابات قريبة بسبب انشغال «أولي الأمر» في الطائفة بالانتخابات النيابية
في شباط 2017، عُيّن الشيخ عبد الأمير قبلان رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بعدما سيّر شؤونه كنائب للرئيس منذ وفاة سلفه الشيخ محمد مهدي شمس الدين عام 2001. ترقية جاءت ضمن سلة تعيينات واسعة داخل المجلس، ملأت الشغور في منصب نائب الرئيس والهيئتين التنفيذية والشرعية. وقبل انتهاء ولاية الهيئتين البالغة ثلاث سنوات، أصدر مجلس النواب قانوناً مدّدها حتى نهاية 2021. قبل الموعد بأربعة أشهر، توفي قبلان، وبحسب المادة 17 من قانون إنشاء المجلس، فإن نائب الرئيس الشيخ علي الخطيب يقوم مقام منصب الرئاسة الشاغر على أن «يُنتخب رئيس جديد خلال شهرين. ويُستغنى عن هذا الانتخاب اذا كانت المدة الباقية من ولاية المجلس لا تزيد على ستة أشهر». هذه المادة كانت مبرراً لتأجيل الانتخاب في الأشهر الماضية، فما الذي يؤجّلها بعد انتهاء ولاية المجلس؟
يدور المجلس الشيعي، أساساً، في فلك حركة أمل، وحزب الله بدرجة أقل، رغم أن مقدمة تأسيسه التي وضعها الإمام موسى الصدر عام 1969 نصّت على «إشراك الشيعة في منتدى يضم كل مكوّناتهم».
ثنائي أمل وحزب الله، اليوم، أمام خيارين: اللجوء إلى مجلس النواب مجدداً لإقرار تمديد ثانٍ للهيئتين مع تثبيت الخطيب رئيساً كما ثُبّت قبلان خلفاً لشمس الدين، أو الدعوة إلى انتخابات عامة للهيئتين التنفيذية والشرعية اللتين تنتخبان بدورهما رئيساً له ونائباً للرئيس. علماً أن الهيئة التنفيذية تتألف من النواب الشيعة (عددهم الحالي 28) و12 عضواً مدنياً تنتخبهم الهيئة العامة المؤلّفة من شيعة منتمين إلى قطاعات نخبوية. فيما تتألّف الهيئة الشرعية من 12 عالم دين.
الضبابية التي تحيط بانتخابات المجلس فتحت باباً للتأويلات حول سبب التأخر، بين من يشير إلى تمسّك حزب الله بتثبيت الخطيب رئيساً للمجلس، في مقابل رواية تفيد بأن أمل ترغب في ترشيح مسؤولها الثقافي الشيخ حسن عبدالله للمنصب.
غير أن مصدراً مطّلعاً يؤكد أن إجراء الانتخابات «غير ممكن الآن لأسباب لا تتعلق فقط باستحقاق الانتخابات النيابية»، بل لكون الحوار الجدي والحقيقي بين الحزب والحركة لم ينطلق حول الأمر، إضافة إلى سبب ثالث يتعلق بـ«نقاش قديم حول ضرورة إدخال تعديلات على قانون المجلس الشيعي ولا سيما في ما يتعلق بطريقة تشكيل الهيئة الناخبة، وسط تضارب حول من ينبغي أن يكون عضواً فيها، خصوصاً أنه باتت للمجلس مؤسسات جديدة يفترض أن تتمثل داخل الهيئة الناخبة، إضافة إلى تشكّل أطر نقابية وطنية توجب فتح باب عضوية المجلس أمام أعضائها الشيعة.
الخطيب رفض، في اتصال مع «الأخبار»، التعليق على الشغور في المجلس وعلى «الشائعات»، و«سواء تكلمتُ أم صمتُّ، ستبقى الشائعات». أما عبدالله فجزم بأن الانتخابات «ستُجرى قريباً وأسباب تأجيلها تقنية فقط»، واصفاً سيناريوهات التأجيل بـ«الخيالية»، ومؤكداً أن أسماء المرشحين المتداولة غير صحيحة.
حزب الله اقترح انتخاب الخطيب رئيساً للمجلس وبرّي يرغب في مرشّح آخر
حتى عام 2017، لم يكن لحزب الله أي نفوذ استثنائي داخل المجلس الشيعي. تصرّف الجميع على أن الغلبة للحركة ورجالها الحاضرين في كل تفصيل، من تثبيت الراحل قبلان على رأس المجلس لعقود، إلى إشغال مناصرين للحركة غالبية ساحقة من الوظائف الإدارية والمؤسسات التابعة للمجلس بما فيها مستشفى الزهراء والجامعة الإسلامية. فيما اقتصر «حضور» الحزب على عضوين محسوبين عليه في الهيئة التنفيذية واثنين آخرين في الهيئة الشرعية. تعيين الأربعة الذين «لم يضربوا ولا ضربة»، كما يؤكد أحدهم، أعقب جلسات حوار عدة بين قبلان ورئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين. الحوار أنتج توافقاً بين الثنائي على ملف المجلس بدأ بتقديم نائب أمل علي بزي ونائب الحزب حسن فضل الله اقتراح قانون إلى المجلس النيابي عام 2017 للتمديد لرئاسة المجلس الشيعي ثلاث سنوات وانتخاب الخطيب نائباً للرئيس، بعدما حاز رضا أمل ومباركة الحزب، رغم أن الحركة روّجت حينها لاسم رئيس المحاكم الشرعية الشيخ محمد كنعان. التوافق لم يجعل الحزب شريكاً في إدارة شؤون المجلس، وانسجم الخطيب مع الحركة في مقاربة عدد من الملفات، آخرها موافقته على إقالة رئيسة الجامعة الإسلامية السابقة دينا المولى بعد فضيحة الشهادات المزوّرة وتعيين الحركي حسن اللقيس بدلاً منها «في إطار توجيهات الرئيس نبيه بري» بحسب المصادر.
عضو في الهيئة التنفيذية يؤكد أن الرئيس بري «الذي يقرر كل صغيرة وكبيرة في المجلس لا يريد تثبيت الخطيب رئيساً»، علماً أن حزب الله اقترح التجديد له لأنه «شخصية موزونة والوقت غير كافٍ للبحث عن بديل له».
«لا يختلف اثنان على أن كلمة بري رح تمشي». ويجزم العضو بأن الأمور ستبقى على ما هي عليه، وسيستمر الخطيب في تسيير شؤون المجلس، مشيراً إلى أن انتخابات الهيئتين التنفيذية والشرعية تستدعي حكماً انتخاباً لرئيس جديد. لكنّ «الانتخابات تحتاج إلى شغل والجميع منشغل بالانتخابات النيابية».
الشغور ليس مستجداً على المجلس بل كان حاضراً في معظم المراحل منذ تأسيسه. من تبقّى من المؤسّسين الأوائل يتغنّون بالانتخابات الأخيرة للهيئة التنفيذية عام 1975 برعاية رئيس المجلس حينها الإمام موسى الصدر، إذ كانت انتخابات فعلية تنافست فيها خمس لوائح وفاز فيها ثلاثة من مرشحي الصدر فقط. عوامل عدة فرضت التعيين والتمديد منذ تغييب الصدر عام 1978 وصولاً إلى ترفيع قبلان من نائب للرئيس إلى رئيس بعد 16 عاماً من تسييره لشؤون المجلس عقب وفاة سلفه شمس الدين عام 2001.
عدد من المشايخ «المستقلّين» عن الثنائي تنبّهوا باكراً إلى ضرر التمديد أو الشغور الذي يحكم المجلس منذ عقود، فبادروا إلى وضع دراسة قانونية لتصغير الهيئة الناخبة التي تختار هيئات المجلس إلى ألف شخص، وتوضع معايير لهذه الهيئات المخوّلة اختيار رئيس المجلس. أحد واضعي الدراسة هو رئيس المحكمة الشرعية في المجلس السيد علي مكي الذي يجتمع أسبوعياً مع عدد من المشايخ لمناقشة أحوال المجلس الشيعي. لا يحمّل مكي الثنائي الشيعي مسؤولية التأخير في انتخاب خلف لقبلان، بل «النظام الداخلي وآلية الانتخاب». ويأمل، في اتصال مع «الأخبار»، «أن يكون الخلف حائزاً على ثلاثة أمور: الفقه وحسن الإدارة والقبول لدى العلماء». ويضيف: «أبلغنا بعض المعنيين بموقفنا ونفضّل بألا يكون الرئيس المقبل للمجلس حزبياً».