أقصر طريق الى الاستقرار بعد التريث في تقديم استقالة الرئيس الحريري، هو عدم التريث في ايجاد الحلول وفي أسرع وقت ممكن! والأسابيع أفضل من الشهور، والأيام أفضل من الأسابيع، والساعات – اذا أمكن – أفضل من الأيام! والمقصود هنا ب الحلول هو معالجة أزمة الاستقالة وعواقبها في الشكل والمضمون بروح الواقعية السياسية التي تمليها على الجميع المصلحة الوطنية العليا، وتلاحم الموقف الوطني اللبناني. والخطوة الأولى في الشكل، هي وقف الحرب الاعلامية المتبادلة بين الأطراف اللبنانية دفاعا عن الحليف الاقليمي. ومن شأن ذلك وقف حالة الاستفزاز المتبادل للمشاعر على الصعيد الشعبي، مما يسهّل على القيادات التحاور وايجاد الحلول الموقتة لتجاوز هذه الأزمة. وهذه الخطوة تعني اعادة تصدير لغة الاستفزاز والتحدّي الى خارج الحدود، مما يتيح اختصار زمن التريث وحصره في أضيق مساحة ممكنة من الوقت.
***
في المضمون، الحلول أكثر تعقيدا. وأول ما ينبغي تجنّبه هو وضع السقوف العالية، لا من هذا الطرف أو ذاك. ومن أول الطريق، لا بد من أن تدرك الأطراف اللبنانية كافة، ان الأزمة بوجهيها الداخلي والاقليمي هي أكبر وأشدّ تعقيدا من قدرتهم جميعا – مجتمعين ومنفردين – على وضع حلول جذرية لها، لا مع حلفائهم الخارجيين، ولا بدونهم. والأزمة بوجهيها المحلّي والاقليمي بنيوية… وتعود في لبنان الى بضع مئات من السنين، بينما هي اقليميا أعظم وضاربة في القدم، ولعلها تعود الى ألف وبضع مئات من السنين! وإذن فما تحتاجه الأزمة الطارئة الناتجة عن استقالة الحريري وارتداداتها، حلول طارئة أيضا، ولا تغالي لا في التصعيد ولا في التنازلات من طرفي النزاع. ومع تعذر اعتماد معادلة رابح – خاسر، لا يبقى سوى اعتماد احدى معادلتين: اما رابح – رابح، واما معادلة: لا رابح ولا خاسر لدى هذا الطرف أو ذاك!
***
كل ما يحتاج اليه لبنان اليوم بصورة ماسّة، عبور مرحلة التريث بأسرع ما يمكن. واستئناف العمل الرسمي على المستويات كافة بصورة طبيعية، وبحافز اضافي لتعويض ما فات، والتحصّن لما هو آتٍ! وقطعنا حتى الآن المسافة الأطول في رحلة الذهاب الى موعد اجراء الانتخابات النيابية المقبلة في شهر أيار / مايو من العام الجديد، ولم يتبق سوى شهور قليلة تفصلنا عن محطة الوصول. ومن الواجب العمل الجماعي للوصول اليها في ظروف من التعافي، إذ سيكون من المفارقات الصادمة أن يتوجه لبنان الى الصدام، بينما المنطقة برمتها أو في غالبيتها تتجه للخروج من الحروب والمصالحة واعادة الاعمار! وصحيح ان ظروف العثر في المنطقة أكبر بكثير، ولكن حلّ يصعب على اللبنانيين ترويض مصاعبهم الذاتية، واستئناف المسيرة بيسر ولين الى ان يقضي الله أمرا كان مفعولا؟!