يتسارع الوقت دون أن تتوصّل القوى السياسية حتى الآن الى التوافق على قانون جديد للإنتخاب، رغم التقارب الأخير الملحوظ بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. غير أنّ أوساطاً سياسية أكّدت لـ«الديار» أنّ المساعي جارية لوضع هذا القانون قريباً، ليُصار بعد ذلك الى إقرار تأجيل تقني للإنتخابات لمدّة ثلاثة أشهر، لا سيما وأنّه من غير الممكن أن تجري الإنتخابات في موعدها وعلى أساس قانون الستين، وإلا عندها فإنّ الفراغ يكون أفضل من التمديد الثالث لمجلس النوّاب.
وإذا كان الفراغ من غير الجائز أن يسود في ظلّ وجود رئيس للجمهورية وحكومة وحدة وطنية تقوم بمهامها، إلا أنّ الفراغ التشريعي سيحلّ مكان مجلس النوّاب الحالي، لا سيما إذا ما انتهت مدّة التمديد الثاني للمجلس. ولن تقبل أي جهة عندها أن يقوم المجلس بتمديد ثالث لنفسه مع انطلاق عمل المؤسسات الدستورية مجدّداً. وتجنّباً للوصول أمام الحائط المسدود، تقوم القوى السياسية على الإستفادة من الأسابيع المتبقية لاستلحاق نفسها وإقرار قانون إنتخابي جديد.
فالرئيس عون الذي هو ضامن للدستور، لا يريد إلا أن تجري الإنتخابات في موعدها ووفق قانون جديد، على ما وعد في خطاب القسم، وكلّ ما حصل بعد انتخابه من خطوات إيجابية بين القوى السياسية أدّت اليها التسويات والتفاهمات، لا بدّ وأن يُترجم في الإتفاق على أي قانون كان، شرط أن يتمثّل فيه الجميع. وانطلاقاً من أنّ عون لا يودّ أن يتحدّى أي مكوّن سياسي، ولا أن يُحجّم دوره، على العكس تماماً، على ما أفادت الاوساط، يريد أن تؤدّي الإنتخابات الى وصول الممثلين الفعليين عن الشعب الى الندوة البرلمانية. وبعد ذلك ينطلق عهده الفعلي الذي لا يزال حتى الآن، لا يُرضي بعض الأطراف لناحية تأخّر انطلاقته بعد ثلاثة أشهر على انتخابه.
وتقول الاوساط بأنّه أمام القوى والكتل النيابية أقلّ من عشرين يوماً لإقرار قانون الإنتخاب الجديد، وإلاّ فليُعتمد التصويت على أحد القوانين المطروحة اليوم، مثل القانون الأرثوذكسي الذي يُعطي كلّ طائفة حقّها في انتخاب نوّابها، أو مشروع رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي وسواهما، في ظلّ بقاء رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط على موقفه الرافض للمختلط أو للقانون النسبي على أساس لبنان دائرة واحدة، أو دوائر موسّعة. والقانون الذي يحوز على الأكثرية يتبنّاه مجلس النوّاب، ويقرّ التمديد التقني اللازم للعملية الإنتخابية، على ألا يتعدّى شهر آب المقبل.
وفيما يتعلّق بما يُحكى عنه عن مقايضة مع الرئيس الحريري في حال وافق على اعتماد قانون النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة، أوضحت الاوساط أن لا مقايضات في هذا الإطار، سيما وأنّ النسبية تأتي بالحريري رئيساً لكتلة نيابية كبيرة. ولهذا فلا حاجة لأي مقابل إذا ما وافق على النسبية. غير أنّ هذا القانون غير موافق عليه من الأطراف كافة ولهذا يجري الحديث عن وضعه في مرحلة لاحقة. والتوافق مع الحريري حول قانون الإنتخاب لا بدّ وأن يفضي أيضاً الى تفاهم بين «التيّار» والنائب جنبلاط في المستقبل القريب، على ما شدّدت الاوساط، من خلال الإتصالات الجارية لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.
المهم هو اتخاذ القرار السياسي، تؤكّد الأوساط نفسها، وفي أقرب وقت ممكن قبل دخول البلد في مرحلة أكثر تعقيداً. وعلى ما يبدو، أنّ الرئيس عون، والحريري، ومجلس النوّاب باتوا متفقين اليوم، على الأقلّ على ضرورة إجراء الإنتخابات في موعدها ووفق قانون جديد. وهذا الأمر كفيل بأن يجعل هذه القوى تقوم بالضغط على المكوّنات السياسية الأخرى في البلد التي تُتهم بالعرقلة من أجل تسريع التوافق على القانون قبل انتهاء المهلة القانونية لعدم التأجيل.
يبقى التطبيق والإتفاق على أي قانون يُناسب الجميع، أفضل بكثير من إظهار العجز عن التوافق، على ما أشارت، لأنّ مثل هذا الأمر يضرب انطلاقة العهد، ويؤكّد على أنّ التسوية التي حصلت من أجل انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة لم تكن سوى آنية ومقتصرة على هذين الإستحقاقين. في الوقت الذي كان يودّ الرئيس برّي التوافق على سلّة كاملة قبل انتخاب الرئيس لكي لا نصل الى أي فراغ متوقّع، أو أي ملف خلافي يُفسد التسوية.
وكشفت الاوساط بأنّ التفاهمات التي وقّعها العماد عون عندما كان رئيساً لـ«التيّار الوطني الحرّ»، من ورقة التفاهم مع «حزب الله»، الى «ورقة النوايا» مع حزب «القوّات اللبنانية» والتي دعا الى تعميمها على سائر الأحزاب اللبنانية، ستُستكمل في المرحلة الراهنة. ومن هنا فلا يستبعد أحد توقيع ورقة تفاهم مماثلة بين «التيّار» و«حركة أمل» قريباً حيث يعمل اللواء عباس ابراهيم على تقارب الطرفين بتفاهم سياسي خطي. على أن تتضمّن التوافق على ملفات داخلية كثيرة، كانت في الفترة السابقة محطّ خلاف بينهما.
فالورقات الثنائية أظهرت مدى فاعليتها على مدى السنوات، ولهذا لا يجب أن يُخشى من توقيعها، على ما ذكرت الأوساط ذاتها، لأنّ الإلتزام بها يكون جديّاً ومستمراً ويحلّ بالتالي أي خلاف حول أي ملف داخلي خصوصاً وأنّها تتضمنّ رؤية مشتركة حول القضايا والمواضيع ذات الاهتمام المتبادل بين الحزبين على جميع الصعد السياسية والإقتصادية والإدارية والإجتماعية. وتتضمّن التوافق على بنود عدّة تتعلّق بالحوار والديموقراطية التوافقية وقانون الإنتخاب، وبناء الدولة والجيش وتعزيز المؤسسات والوضع الأمني وعلاقة لبنان مع دول الجوار وسياسة لبنان الخارجية وحماية سيادته واستقلاله وسوى ذلك.
والدليل على أنّ هذه الورقات تؤدّي الدور المطلوب منها هو عدم اهتزاز العلاقة بين الرئيس عون و«حزب الله» رغم كلّ المحاولات للاصطياد في الماء العكر بهدف تفكيكها. علماً أنّ العماد عون كان له مآخذ كثيرة على أداء الحزب، قبل أن يُنتخب رئيساً للجمهورية، ولا يزال، غير أنّ الاختلاف في المواقف أو الآراء، لا يُفسد في الودّ قضية، وهنا بيت القصيد…