Site icon IMLebanon

قصّة سلك محطّة التزلّج في الأرز… رمّانة أم قلوب مليانة؟

 

الموسم مستمرّ والتحقيقات جارية

 

 

إذا أردنا أن نعرف ماذا حصل في محطة التزلّج في الأرز فعلينا أن نعرف ماذا يدور في القرنة السوداء. هو همسٌ يُسمع عند أعتاب أعلى قمّة في شمال لبنان واشياً بأن القصّة، قصّة قطع سلك محطة الأرز، ليست رمّانة بل قصّة قلوب مليانة. القضاء فتح محضراً. التحقيقات قيل إنّها جارية. ومحطة التزلّج في الأرز خسرت (موقتاً) جزءاً من نشاطها و»مكملين» بأجزاءٍ أخرى. فماذا في القصّة الكاملة؟

الطقس ممطر. طريق جونيه أصبحت نهراً جارفاً. الناس في مستنقع كبير. نعبر الدرب صعوداً صعوداً نحو منطقة هي والأرز توأم. هي منطقة تنتظر على أحرّ من الجمر ثلاثة أشهر سياحية في السنة فأتاها سفهاء محاولين إنهاء الموسم قبل أن يبدأ. السفيه قادر على ارتكاب أيّ شيء.

 

نتسلّى في الدربِ، تحت غزارة المطر، في التقاط الصوّر المشهدية. «طرابلس قلب العروبة». عبارة جديدة عُلّقت على آرمات على الجانبين. نعبر أميون، الكورة، كوسبا، رشدبين، قصر الاحوال، طورزا. هنا لواء المشاة العاشر. نتابع صعوداً نحو عبدين، برحليون، بيلا، قنات، بيت منذر، بزعون، بقرقاشا، ووردة الجبل حصرون… البرد يشتدّ والمطر أيضاً. ورجال، في المقلب الثالث من العمر، يُشعلون ما يُدفئهم، ويتسامرون حول الأسعار والسياسة والرئاسة والمازوت والعتمة والقهر والسفاهة. رائحة التراب، المجبولة بالعرق، طيّبة. نصل الى بشرّي فتزداد رائحة التراب طيباً وألوان الشجر تسحر الناظر بجمالٍ ليس بعده جمال. أوراق شجر تموت وأوراق تولد. ندخل في شارع ضيّق. هنا شارع الكاردينال مارنصرالله بطرس صفير. شارع تاريخي تراثي ومنه نعود أدراجنا الى قلب مدينة جبران خليل جبران بشرّي التي ترتفع عن سطح البحر 1500 متر والمسافة بينها وبين طرابلس 58 كيلومتراً وبينها وبين بيروت 130 كيلومتراً. نمرّ من أمام دير مار ليشع القديم. نمرّ من أمام جادة سمير فريد جعجع. شلالات المياه تنزل وفيرة جميلة. مركز مديرية المخابرات – فرع الشمال هنا. ونتابع نحو أرز الربّ. التعليمات واضحة: ممنوع الصيد منعاً باتاً. ومركز للدرك عند مدخل محطّات التزلّج. وثكنة يوسف رحمة أيضاً هنا.

 

نسأل عناصر نادي ضباط الأرز عن الطرق المؤدية الى جرود القرنة الحمراء حيث أتى سفهاء وقطعوا سلك محطة التزلج فيجيبون عن طرق ثلاث: واحدة من هنا. وواحدة من عيون أرغش وثالثة من الضنية. ومن فعلوا فعلتهم لم يمرّوا «أكيد» من هنا.

 

هنا منطقة الأرز. الشجر من أعمارٍ عديدة. شجر معمّر موغل في التاريخ وشجر غرس حديثاً وشجر أرز يبس وهرم في مكانه. وكأن أشجار الأرز في لبنان هي أيضاً تتضاءل وتضمحلّ. ننتظر عند أعتاب المحطة، عند حاجز ليس فيه إلا عنصر جيش واحد مبلل من المطر في «الزمهرير»، وصول أحد شركاء المحطة الأربعة وهو ايلي فخري ليصعد بنا الى مكان «الجريمة». ونحن في المكان نسأل رجلاً يبيع- أو كان ينوي أن يبيع- لوازم التزلج عن معلوماته عما حصل في رأس الجبل فيجيب «لا سرقات هنا ولا مشاكل ولا حتى ضربة كفّ. لا نعرف لماذا حصل ما حصل. نحن نعيش من «ورا» موسم التزلج، إذا راح رحنا. الدولة ما عرفت شو صار بدك ياني انا أعرف. وحقّ المسيح عرفنا بالخبر كما عرفتم أنتم به. جيّد ان لا ناطور في الجرد فلو كان لقتلوه. مجرمون. خراب الأرز خراب بشرّي».

إستعداد للموسم الجديد

 

نترك الرجل الذي يتّكئ على أدوات التزلج ومزالق «الترينو» يندب حظّه في بلد يتحكّم فيه وبه السفهاء. نصعد في سيارة مجهّزة نحو الأعالي ونحن نستمع الى معلومات أحد أصحاب مؤسسة تيلي سكي الأرز للإستثمار السياحي ومديرها ايلي فخري. وأوّل ما يُطمئننا عنه هو ان المصاعد السفلى لا تزال تعمل والخراب طال المصعد العلوي فقط. هو الأجمل بالطبع لدى المتزلجين لكن النشاط الأكثر يتركز عند المصعدين السفليين. ويستطرد: طول المصعد العلوي 1800 متر أمّا المصعدان السفليان فطولهما ألف متر. ما كان يجعل من محطة التزلج في الأرز الأطول». طمأننا ايلي فخري ان 20 في المئة من نشاط المحطة توقف لكن هناك 80 في المئة سيعمل.

 

نقف عند ارتفاع 2049 متراً. وننظر الى فوق. غمامة بيضاء كثيفة تمنع الرؤية والثلوج تتساقط فوق، في مكان حصول جريمة قطع السلك على ارتفاع 2869 متراً. ويقول: المحطة بنتها شركة ألمانية والبارحة، قبل يومين من حصول الجرم، أتى مندوبون من قبلها للتأكد من درجة الأمان- كما دائماً- وكان كل شيء مستقراً».

 

ثمّة عمال يشتغلون استعداداً للموسم المقبل. ويقول فخري «ليس سهلاً وصول الجناة الى هنا وسهل أيضاً». لم نفهم ما قصده فطالبناه بمزيد من الإيضاح؟ أجاب: «من يتقصّد الخراب تكون الأمور سهلة عليه. ومن فعل فعلته يعرف ماذا يفعل. هو قطع نصف السلك بصاروخ وعاد وابتعد عنه وأطلق الرصاص عليه من بعيد لأنه يدرك انه لو قطعه كلّه بالصاروخ كان سيلتفّ عليه ويقتله لأن ضغط السلك، ويزيد عن 80 طناً، سيقضي عليه».

 

بنيت محطة التزلج عام 2004- 2005 واكتشف ايلي فخري الحادث حين نظر من تحت الى مقاعد المحطة العلوية فرآها متساوية في الأرض. يقول «حصل ذلك ليل الأربعاء، في التاسع من تشرين الثاني. كان الغيم كثيفاً. وايام الغيم والمطر ننجز الأعمال الداخلية. نهار الجمعة صعدنا الى الموقع وكنا كلما اقتربنا اكثر نلاحظ ان المقاعد ليست في مكانها، ليست في الهواء، بل مستوية مع الأرض. وحين وصلنا رأينا ما رأيناه. 180 كرسياً على الأرض وسلك بطول 1800 متر صعوداً ومثله نزولاً على الأرض. والفاعل يحتاج الى موتور ومقص وإضاءة والى خبير في قطع سلك كهربائي».

 

شكوى ضد مجهول

 

عنصر من الدرك، بحسب عامل في المحطة، كان أوّل من صعد نتيجة بلاغ قُدم الى الموقعة. والدرك لا يملك آليات ولا عتاداً للصعود ولا حتى قرطاسية. وحتى الجاكيت التي ارتداها العنصر لتقيه من البرد استعارها من عامل كان في المحطة. كُتب المحضر وسجلت شكوى ضد مجهول وتحولت الى فرع المعلومات وصعدت الأدلة الجنائية ومخابرات الجيش والتحقيقات سرية.

 

فهل نكتفي بما قيل لنا؟ هل ننتظر التحقيقات ونقطة على سطر جريمة جديدة؟

 

نودّع مدير المحطة ونحن ننظر الى تفاصيل الجرد الشمالي العالي. كلبٌ جميل لطيف يدور حولنا في الصقيع. فماذا أتى به الى هنا؟ يجيب عامل فوق: رأيناه على القرنة السوداء يوم اكتشفنا الجرم. لحق بنا مثل ظلنا وأبى ان يبتعد. وضعناه في السيارة ونزلنا به الى هنا. غريبٌ وجوده. نقول له Sit فيجلس. نقول له come فيأتي. يبدو مدرباً. ترى أتى مع السفهاء المجرمين ونسوه وهربوا. من يدري؟ لا شيء ثابت ومؤكد. في كل الأحوال، هو الآن في أمان.

 

نعود وننزل من الجرد العالي سائلين مستفهمين من الأهالي عن رأيهم بما حصل؟ هل من يُضمر شراً؟ هل من مشاكل حصلت أخيراً في المنطقة؟

 

يتردد اسم القرنة السوداء بين مواطنين كثيرين. فما بين قضاء بشري والضنية أزمة من زمان وزمان حول مياه الينابيع في القرنة السوداء. فالثلوج في المشاعات العالية تنزل في آبار وينابيع تستفيد بشرّي من قسم منها، ومن قسم آخر تستفيد الضنية، لكن ما يحصل أن مواطنين من قرية بقاع صفرين في أعالي الضنية يعمدون سنوياً الى مدّ نباريج تمنع المياه من تغذية الآبار وتأخذها الى بلدتهم. وفي كل مرة، هناك من يعمد الى إعادتها عبر قطع النباريج، فتبدأ المشاكل. فهل يمكن أن يكون هناك من أراد قطع السلك إنتقاماً من قطع النباريج؟ لا أحد يتهم ولا أحد ينفي. فالمشاكل قائمة منذ زمن طويل وربما يكون هناك من أراد الدخول اليوم بين الجهتين لإحداث شرخ أكبر. لذلك، لا يفترض أن يُقفل التحقيق ضدّ مجهول لأن ذلك سيولّد مزيداً من المشاكل في المنطقة، بين جانبين، ضفتين، الجميع في منأى عنها.

 

إحتقان النفوس يتكرر كل سنة، لا بل في كل سنة مرات. هذا لا يعني بالطبع أن أصحاب تلك النفوس المحتقنة هم من فعلوا ذلك. لا شيء أكيد. حصل ذلك في أعالي الجرد، في ليلة باردة جداً، تحت المطر، ومن فعلها لم يكن بالتأكيد واحداً. أيّ طريق سلك ليقطع السلك؟ لا أحد يعرف. ما دافعه الى ذلك؟ التحقيقات يفترض أن تُظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود. أين كانت القوى الأمنية؟ ثمة كلام بأن المؤسسة العسكرية قررت قبل عامين إقامة حاجز من الميلين، من ميل بشري ومن ميل بقاع صفرين، للحؤول دون حدوث أي تطورات سلبية بين الجانبين، لكن، لسبب مجهول، أزيل الحاجزان، وبقي حضور عسكري خجول، متمثل بنقطة للجيش اللبناني يقف عليها عنصر واحد.

 

بالعودة الى محطة التزلج. هناك أربعة شركاء يديرونها. إثنان من آل كيروز وواحد من آل فخري وسيدة من آل سكر. والخسائر (الظاهرة حتى الآن) قُدرت قيمتها بمبلغ 700 ألف دولار (نذكر أن القيمة الإجمالية للمحطة ثلاثة ملايين دولار). فالسلك المقطوع يفترض الإتيان به من ألمانيا وهو غير جاهز بل يحتاج الى تصنيع. يعني قد يمرّ الموسم قبل وصول السلك. لكن، الموسم سينطلق من دون القسم العلوي وهذا خبر سارّ الى محبي التزلج.

 

«كلو سري». هكذا يختم كل من تحدثوا في قضاء بشري عمّا ألمّ بمحطة التزلج. اليوم، همّ كل الأهالي فوق هو «موسم التزلج» لكن، لا يمنعهم كل القلق والبرد والظروف السيئة من الإصرار على حسن ضيافة الزائر. نشرب القهوة البشراوية. ونقرأ ونحن عائدون عبارات جبران خليل جبران على جداريات بشري: البغض جثّة راقدة. ولولا الضيوف لكانت البيوت قبوراً.