من زمان لم يعش اللبنانيون عرساً وطنياً شاملاً… واليوم يعيشون هذا العرس. إنها فرحة وطنية عامة وجامعة. كانت الأعراس فئوية. تلك حقيقة يجب الإعتراف بها. كان كل طيف، أو كل جزء من كل طيف، يحتفل بعرسه السياسي، الإنتخابي، الإجتماعي (…) أمّا اليوم فأهمية هذا العرس انه بمثابة القبّة الزاهية التي يلتقي تحتها الجميع من الناقورة الى النهر الكبير ومن الشاطىء الى مرمى الثلج في الجرود.
وهذا العرس لم يأت من فراغ. انه وليد له أب معروف: أبوه هذا العهد برئيسه الجنرال ميشال عون، وبحكومته برئاسة الرئيس سعد الحريري. خصوصاً بجيشه الباسل. وطبعاً بالتفاف اللبنانيين حول القرار التاريخي الذي نفذه الجيش البطل الذي هو صانع النصر الكبير.
لقد استهلكنا، طويلاً، الكلمات الى درجة أننا أفرغناها من معانيها. وباتت باهتة، ناصلة الألوان، نكررها في كل مناسبة ولو في فراغ.
تحدثنا طويلاً عن البسالة. وتحدثنا طويلاً عن البطولة.
وتحدثنا طويلاً عن انتصارات حقيقية أو وهمية (…).
أما الآن: فالبسالة صفة يستحقها جيشنا. والبطولة صفة تليق بهذا الجيش بقائده العماد جوزيف عون وبضباطه وبجنوده وبشهدائه الأبرار الذين سقوا ويسقون أرض الوطن أشرف وأطهر الدماء القانية التي جبلت أرض الجرود زارعة فيها البطولة الى جانب نبتات الشرف والتضحية والوفاء.
ولبنان حقق ويحقق، في هذه الأيام المشعّة بالفخار والإعتزاز، ملحمة رائعة يمكن أن ندرك أهميتها وقيمتها من خلال المقارنة بين هذا الوطن الصغير وبلدان كبرى عجزت عن تحقيق أي إنتصار حقيقي بالرغم من الحشود وآلات الحرب التي لم يعرفها تاريخ البشرية من قبل.
لبنان، الوطن الصغير (… طبعاً الكبير جداً) ينتصر بجيشه البطل، وفي أيام معدودة، في ما عجزت عنه 61 دولة «إئتلاف» في العراق و 41 دولة إئتلاف آخر في سوريا! وبكل ما في جعبة تلك الدول من تكنولوجيا بالغة التطور وأسلحة دمار مرعبة، وأساطيل بحرية وجوية (…).
وإنها أيام مجلجلة يعتز بها اللبنانيون، ويفخرون. وبها يعتز ويفخر أبناؤنا المنتشرون بالملايين في الزوايا الأربع من هذه المعمورة. وأيضاً يعتز ويفخر اصدقاء لبنان.
لقد أثبت جيشنا أنه من أقوى جيوش العالم (بالنسبة الى الحجم والعديد والعتاد). وأثبت أن تحريره من عقد التدخل السياسي في شؤونه يمكّنه من تحرير الأرض المغتصبة على أيدي المجموعات الإرهابية ومرتزقتها الآتين من مختلف أنحاء العالم ليمارسوا على أرضنا وعلى شعبنا، تَخَلّفهم ووحشيتهم وجرائمهم الإرهابية.
هذا النصر العظيم يجب أن يكون المنعطف الحاد بين ما قبله وما بعده. هذا الإنتصار يجب أن يرافقه انتصار على الذات: على الأنانيات. على الأوضاع الشاذة. على الأحقاد والضغائن. على الخلفيات والحساسيات والحسابات الضيقة.
هذا الإنتصار الذي كتبه الجيش بالبطولة وبدماء الشهداء الأبرار يجب أن يَجُبَّ ما قبله من أدران كانت تشدّ بهذا الوطن الصغير الى تحت.
بعد هذا الإنتصار المجيد لم يعد مسموحاً، بأي شكل من الأشكال أن تعود عقارب ساعة الوطن الى الوراء. وهذا هو دور هذا العهد الذي أثبت أن «الرئيس القوي» يمكنه أن يقيم «الجمهورية القوية» قولاً وفعلاً، وان وحدة الموقف بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة تحقق المعجزات.