معاناة سكان ساحل المتن الشمالي مع مطمر برج حمود لا تبدأ بإقفال واجهتهم البحريّة وتلوّث المياه والتربة، بل تتعدّاها الى الروائح الكريهة المنتشرة منذ بدأت الشركة المتعهّدة نقل النفايات المخزّنة في «باركينغ» المطمر، لإعادة طمرها. «العمليّة» تنتهي نهاية الشهر الجاري، وفق وزير البيئة ومجلس الإنماء والإعمار… لكن تبعاتها «غير المحسومة» ستظهر ما بعد شباط
النفايات المتراكمة في «موقف برج حمود»، التي يجري نقلها منذ أشهر، تكدّست في الفترة ما بين إقفال مطمر الناعمة وإنشاء مطمر برج حمود، وهي «مرحلة توقف فيها العمل في المطمر بسبب إقفال الطريق إليه من قبل بعض المعترضين لمدة شهر كامل» بحسب بيان سابق لمجلس الإنماء والإعمار. حينها كانت أولويّة «شركة خوري للمقاولات» المتعهّدة «تدبير» النفايات الواردة يومياً إلى المطمر. منذ «التشارين» والشركة تنقل يومياً ما معدّله 3 آلاف طن من النفايات المتراكمة التي يفوق حجمها 300 ألف طن، وفق «الإنماء والإعمار»، من «الباركينغ» إلى المطمر، فيما سكان المناطق المحيطة يعانون مع كلّ «هبّة» هواء. سبب انبعاثات الروائح الكريهة، ردّه مجلس الإنماء أواخر الشهر الماضي إلى «الطقس العاصف والممطر». لكن تغيّر الطقس في الفترة الأخيرة لم يغيّر من الوضع شيئاً، رغم «رش النفايات بالمواد المناسبة للتخفيف من الانبعاثات والروائح الكريهة».
فتح النوافذ في البيت أو السيارة لم يعد مسرباً للهواء «النقيّ» لسكان سن الفيل وحرج تابت والأشرفية منذ مدّة. ومع ارتفاع درجات الحرارة في الأيام الفائتة، أضيفت إلى اللائحة مناطق فرن الشباك وعين الرمانة وجل الديب والضاحية الجنوبية وسواها. قاعدة انتشار الروائح ليلاً لم تعد سارية في هذه المناطق، بل باتت ساعات النهار بدورها مدعاةً لالتزام السكان مبدأ الإقفال على النفس! وعاد سكان ساحل المتن الشمالي الى استخدام «الكمامات»، في مشهد مألوف منذ أزمة النفايات في 2015.
وزير البيئة فادي جريصاتي الذي يلتزم مبدأ «الامتناع عن التصريح للإعلام» (كما أفادت معاونته لـ «الأخبار» أمس)، أكّد أول من أمس أن «العمليّة ستنتهي خلال 3 أيام». وهو كان قد طمأن، لدى تفقّده مطمر برج حمود قبل أيام، إلى «أن الرائحة الكريهة المنبعثة من المطمر جزء من الحل الذي يتم حالياً فيه، وهي غير مؤذية».
لا دراسات جديدة عن نسب تلوّث الهواء حول المطمر (هيثم الموسوي)
إلا أن ما ينبعث من المطمر مؤذ بالتأكيد وإن لم يكن على المدى القصير. وبحسب رئيس قسم الطبّ الرئوي في مستشفى «أوتيل ديو» جورج دبر، ورغم أنه «لا دراسات دقيقة بشأن الانبعاثات من مطمر برج حمود ولا أرقام متوافرة حول نسب تلوث الهواء في الفترة الأخيرة، إلا أنه لا يمكن نفي تأثير الانبعاثات على الصحة على المدى البعيد. فالأعراض لا يمكن أن تظهر بشكل سريع».
لا يمكن نفي التأثير الصحي لانبعاثات المطمر على المدى البعيد
ويرى الدكتور في الجامعة اليسوعية في بيروت وهبي فرح ان «الأكيد أن الانبعاثات تؤثر على محيط المطمر خصوصاً على حدود الـ500 متر المحيطة به»، لافتاً «إلى أن لا دراسات جديدة عن مطمر برج حمود ونسب تلوّث الهواء حوله وإذا كانت مطابقة لمعدلات منظّمة الصحة العالميّة». ولفت إلى أن «على وزارة البيئة نشر نسب الملوّثات في الهواء بالمقارنة مع معدّلات منظمة الصحة العالميّة قبل الحكم بأن الروائح والانبعاثات ضارّة أو غير ضارة، خصوصاً لناحية غاز الميثان الملوّث والديوكسين وسواهما»، لافتاً إلى أن الوزارة منذ عام 2009 «تمتلك أجهزة استشعار خاصة، لقياس نسب الملوّثات مثل ثنائي أكسيد النيتروجين (NO2) وثنائي أكسيد الكبريت (SO2) والبينزين والأوزون وأحادي أكسيد الكربون، والغبار المتطاير بأحجام PM10 وPM2.5 مايكروميتر وصولاً إلى PM1 مايكروميتر وهي أحجام لجزيئيّات الغبار الصغيرة جداً التي تصل إلى الصدر والجهاز التنفّسي». فرح الذي شارك في دراسة سابقة حول تلوث الهواء في بيروت ردّ الأسباب الرئيسية للربط بين تلوث الهواء والأمراض التنفسيّة والصدريّة الى انبعاثات السيارات، انبعاثات مولّدات الكهرباء، البناء العشوائي في بيروت الذي يمنع هواءها من طرد السموم والملوّثات، المطامر، وممارسات السكان غير الصديقة للبيئة وهدر الطاقة… بإضافة إلى موجات الرمول والغبار التي تأتي عادة من شبه الجزيرة العربية والصحراء الأفريقية. يشير فرح إلى أنه مع انتهاء شباط «تبدأ الرياح الرمليّة أو ما يعرف بالرياح الخمسينية التي تبدأ قبيل الربيع وقد لمسنا عودتها مع ارتفاع الحرارة أول من أمس». وعليه لن يكون للبنانيين، خصوصاً سكان ساحل المتن الشمالي من استراحة بين انتهاء عمليّة نقل النفايات التي وعد بها مجلس الإنماء والإعمار وبدء الغبار الرملي.