تكشّفت الأيام القليلة الماضية عن واقع سياسي يمكن تسميته بالجديد في هذه المرحلة الداخلية والإقليمية المحفوفة بالمخاطر، فما رافق انتخابات رئاسة مجلس النواب وما تلاها من استشارات في القصر الجمهوري انتهت بتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة العتيدة مرّ بسلاسة نادرة، وأثبت أنّ الأطراف الداخلية تدرك جدياً خطورة الأوضاع وأنّ هناك إلتزاماً حقيقياً بأنّ لا بديل عن الوفاق».
إنّ الانتخابات النيابية أسفرت عن نتائج بعضها كان مفاجئاً ومعظمها كان متوقعاً، ولكن الشعور بالمسؤولية انعكس سريعاً على الجميع، فتناسى البعض الخلافات، أو أرجأوها، ليفسحوا في المجال أمام قيام حكومة وفاق وطني لم يكن لبنان في حاجة ماسة إليها كما هو في هذه الأيام.
لا نتوقّع أن تمر الاستشارات التي سيجريها الرئيس المكلّف بالسهولة التي مرّت بها استشارات القصر الجمهوري، باعتبار أنّ الرغبة شديدة (ومشروعة) لدى معظم الأطراف، خصوصاً أركان الكتل النيابية الكبرى، للحصول على حصص وازنة، وهذا معلوم ومفهوم ومتوقع، إلاّ أنّ أجواء التوافق ستعلو في النهاية على افتعال الإشكالات والعراقيل التي ستذلّل تباعاً.
وفي المعلومات المتداولة أنّ هذا الجو الداخلي المرحرح يتناغم مع أجواء إقليمية ودولية توحي بأنّه يجب تخفيف أي ضغوط تستهدف لبنان الى الحد الأدنى، إن لم يكن إلغاء تلك الضغوط كلياً.
في أي حال، إنّ هذه المقولة ستكون مدار اختبار خلال مرحلة التأليف التي يصرّ الجميع على أنّها يجب ألاّ تطول كثيراً كي لا تنعكس الإطالة والمماطلة على الوضع الاقتصادي والمالي الدقيق.
وهذا ما عبّر عنه الجميع وبالذات الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري الذين أعربوا، كل بدوره، عن الرغبة الشديدة في أن تستمر السلاسة، التي طبعت الأيام القليلة الماضية، ليس فقط في مجال التأليف الحكومي بل أيضاً الى ما بعده لتقوم حكومة وفاق وطني حقيقي يقتنع كلّ من أطيافها بأنّه ليس وحده صاحب القرار في هذا الوطن الذي لا يُحكم إلاّ بالتوافق، فهذا تاريخه، وهذا قدره، وهذا مصيره.
ولا بدّ من التنويه بالإنسجام الواضح جداً الذي طبع العلاقة بين الرئاستين الأولى والثانية بعد طول جفاء لم يكن مخفياً على أحد، فقد تميّزت الفترة الأخيرة بالاتصال اليومي وباللقاءات اليومية كذلك التي لم تقتضها إجراءات الاستشارات والتكليف فحسب، بل كذلك شعور الرئيسين ميشال عون ونبيه بري بأنّ البلد «ما بيمشي» إذا استمر ذلك الجفاء، خصوصاً أنّ ليس من خلافات جوهرية.
يحدث هذا في وقت يشكّل الرئيس الحريري عامل تقارب مع عين التينة وبعبدا، وكذلك مع مختلف القيادات الوازنة بدءًا بالوزير وليد جنبلاط.
إنّ لبنان على أبواب مرحلة وفاقية جديدة، وهي مرحلة واعدة بالإستقرار والأمن وما يستجلبان من بداية نهوض إقتصادي يحتاجه لبنان بقوة… ونستبعد أن يوجد بين القيادات اللبنانية من يريد أن يتحمّل المسؤولية عن إسقاط هذه الفرصة السانحة للبنان.
إنّ الـ111 نائباً الذين سمّوا الرئيس سعد الحريري في الاستشارات يشكلون دعماً كبيراً في تسهيل عملية التأليف التي نكرر أنه يُفترض ألاّ تطول، وهنا دور الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري في فرملة مطامع كثيرة قد تبدو محقة من حيث المبدأ لدى حلفائهما والذين يمونون عليهم… ولكن أحقيتها ومشروعيتها يجب ألاّ تكونا مدخلاً لعودة الإنفراج الى مربّع التشنّج.
عوني الكعكي