IMLebanon

هل يمرّ قانون استرجاع الأموال المهرّبة بعد 17 تشرين؟

 

عد 17 تشرين الأوّل 2019، حوّل أقارب مرجعية وطنية 465 مليون دولار من حساباتهم في المصارف اللبنانية الى الخارج. كذلك «هَرّب» رئيس حكومة سابق 270 مليون دولار من ودائعه، وأخرج زعيم طائفة 270 مليون دولار من أمواله المودعة في لبنان. بدوره، حوّل صاحب مصرف 300 مليون دولار، أمّا مساعدة وزير سابق فحوّلت 3 ملايين دولار الى حساباتها المصرفية في الخارج، وحوّل مساعد زعيم 16 مليون دولار. هذه عيّنة من المبالغ المالية المحوّلة الى الخارج، التي كشف عنها «التيار الوطني الحر»، والتي تبلغ نحو 4 مليارات دولار.

 

أعدّ «التيار الوطني الحر» لائحة بأسماء عدد ممّن حوّلوا أموالهم الى الخارج بعد «انتفاضة 17 تشرين»، من سياسيين ومصرفيين وموظفين عامين ومتنفذين ومديرين تنفيذيين ومحامين في مصارف، فضلاً عن مجموع المبالغ التي حوّلوها، وكلّها موثّقة. وقد ذكر بعض هذه الأسماء في الإخبار الذي قدّمه الى المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، عن تحويلات المصارف الى الخارج بعد 17 تشرين.

 

يواصل «التيار» متابعة هذا الملف، بإعادة هذه الأموال الى المصارف اللبنانية، ومحاسبة من لن يلتزم إعادتها. وفي هذا الإطار، قدّم عضو تكتل «لبنان القوي» النائب جورج عطاالله، بإسم التكتل، الأربعاء الماضي، مشروع قانون معجل مكرر لاسترداد الأموال النقدية والمحافظ المالية المحوّلة الى الخارج بعد 17 تشرين الاول.

 

وتأتي هذه الخطوة بعد 5 محاولات لـ»التيار» في هذا الإطار، مطالباً باستعادة هذه الأموال، وبعد طلبات واستيضاحات وكتب رسمية الى حاكم مصرف لبنان من كلّ المؤسسات الدستورية من دون أي نتيجة. إذ إنّ «التيار» يعتبر أنّ هذه الأموال حُوّلت الى الخارج، بطريقة مشبوهة وغير قانونية وباستنسابية، من دون مراعاة الوضع الاقتصادي والمالي الاستثنائي.

 

ويشمل مشروع القانون أصحاب النفوذ ومُتعاطي الشأن العام الذين يقبضون أجراً من الدولة وأصحاب المصارف والمساهمين في رؤوس أموالها وأزواجهم وفروعهم (أولادهم). وينصّ على أنّ لدى هؤلاء 30 يوماً لإرجاع الاموال، وفي حال امتنعوا تصبح مساءلتهم ضرورية بحسب المواد الجرمية لقوانين العقوبات والإثراء غير المشروع وتبييض الاموال ومكافحة الارهاب.

 

وفي حين يملك «التيار» أسماء معروفة، يعتبر أنّ «كشفها ليس دورنا». ويقول عطالله لـ»الجمهورية»: «أرفقنا بعض هذه الأسماء في الإخبار الذي قدّمناه الى عويدات، وحين يتحرّك القضاء ويستدعي مقدّم الإخبار نكشف عن كلّ الأسماء، ومن واجب القضاء ملاحقتها والتحقيق معها ومع المصارف التي حوّلت هذه الأموال ومع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة». ويشير الى «تكتّم» سلامة، في هذا الإطار، واعتباره في جوابه الى عويدات، أنّ هذه الأموال التي حُوّلت غير مشبوهة ولا يُمكنه رفع السرية عنها.

 

إلّا أنّ «التيار» يعتبر أنّ هذه التحويلات غير قانونية، لأنّ أصحابها استفادوا من معلوماتهم وحُظوتهم لدى المصارف وعلاقتهم بمصرفيين وشراكتهم معهم، فعلموا أنّ الوضع سيّئ ونُصحوا بتهريب أموالهم. كذلك، يعتبر أنّ عمليات التحويل هذه استنسابية، لأنّ المصارف حوّلت مبالغ بقيمة مئات ملايين الدولارات، بينما أصحاب الودائع الصغيرة مُنعوا من تحويل الأموال الى عائلاتهم، كذلك مُنع المستوردون من شراء حاجات صناعاتهم ومؤسساتهم.

 

وفي حين انه لا معلومات رسمية عن هذه الأموال حتى الآن، حصل «التيار» على قيمة الأموال المهربة وهويّات أصحابها من معلومات مسرّبة وتحقيقات إعلامية، ومن أجهزة وأشخاص يُمنكهم الوصول الى هذه المعلومات وكشفها، ومن جهات تملكها وتحرص على كشف المخالفات، إنما لا يُمكنها الإعلان عنها، لكي لا يتم الاقتصاص منها.

 

«الليستة» تضمّ نواباً ووزراء ينتمون الى غالبية الأحزاب والتيارات السياسية، وكذلك تضم سياسيين من قوى 8 و14 آذار، ومديرين عامّين وأصحاب مصارف ومديرين تنفيذيين في مصارف، فضلاً عن مرجعية كبيرة. وفي المعلومات جرى، في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الجارية 2020، تحويل نحو 3 مليارات من الدولارات الى الخارج.

 

«هذه الأمول لن تُعاد الى الشعب أو الدولة، بل ستبقى في حسابات اصحابها، لكنها ستعود الى لبنان، إلّا إذا ظهرت لاحقاً شبهة فساد على أحدهم، وهذا أمر آخر». ويسأل: «من أين يملك من لم يرث ثروة، مبالغ 250 أو 400 أو 700 مليون دولار خصوصاً أنّ الأرقام ضخمة، إذ إنّ عدداً من الأشخاص، حَوّل كلّ منهم نحو 400 مليون دولار الى الخارج؟».

 

وفي سياق المحاسبة، يحمّل «التيار» حاكم مصرف لبنان المسؤولية في هذا الإطار، وكذلك على مستوى الهدر المالي في البلد. ويعتبر أنّ «هناك طرفين متحالفين في الهدر: بعض السياسيين والأحزاب والتيارات السياسية التي اتخذت القرارات السياسية، والقطاع المصرفي وعلى رأسه سلامة الذي هَندس لهم طرق نهب المال العام، في وقتٍ كان يخدع الشعب اللبناني، ويقول إنّ الوضع ممتاز بينما كان يصرف أموالهم وودائعهم».

 

ويعتبر «التيار» أنّ «هذا الرجل، وقبل إقالته من منصبه، يجب أن يُحوّل الى المحاكمة بطريقة واضحة لا التباس فيها. ففضلاً عن ارتكاباته، لا يُمكن لشخص بموقع حاكم المصرف المركزي أن يُسأل من الجهات الدستورية والقضائية عن معلومات مالية ونقدية ولا يجيب».

 

وفي حين فشلت محاولة إقالة سلامة، لم يتراجع «التيار» عن محاسبته، ويُشدّد على وجوب «الوصول الى قرار على المستوى السياسي في هذا الإطار، فإمّا الخضوع للتهديدات والتهويلات الداخلية والخارجية، وإمّا السيادة والمصلحة الوطنيتين». ويرى أنّه «يجب أن تُدرس الطريقة لمحاسبة سلامة وللوصول الى النتيجة الأفضل بأقلّ خسائر ممكنة».

 

وتشير مصادر «التيار» الى «أنّه في عام 2017 حين انتهت ولاية سلامة، طرح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عدم التجديد له وتعيين بديل عنه، لكن كلّ الأطراف السياسية في لبنان لم توافق، وأتت رسائل من الخارج تفيد أنّ هذا الرجل أرسى علاقة مالية وثقة بين القطاع المصرفي اللبناني والمؤسسات المالية الدولية، وأنّ عدم التجديد له سيؤدي الى اهتزاز هذه الثقة». وتقول إنّه جرّاء «الضغطين الداخلي والخارجي في وضعٍ دقيق معرّض للكسر، فضلاً عن أنّ قرار التعيين أو التجديد يأخذه مجلس الوزراء وليس رئيس الجمهورية، إتخذ قرار التجديد لسلامة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه».

 

وفي حين صَوّت «التيار» مؤيّداً هذا القرار، تعترف مصادره أنّ «قراره قابل للنقاش وربّما كان يجب أن يسجّل اعتراضه»، مذكّرةً بأنّه «إزاء الضغط حينها، ومحاولةً للإنقاذ وإيهامنا بذلك ووعد الرئيس بأنّ المرحلة المقبلة ستكون لإعادة ترتيب الوضع المالي ووضع البلد، أعطينا فرصة، لكنّ الكذب استمرّ، وبالتالي لا يُمكننا إعطاء فرص في هذا الإطار بعد الآن».