Site icon IMLebanon

يتلهّونَ بأشياء كثيرة.. والمطلوب أمرٌ واحد

 

الراعي فتح باباً لكسر الحلقة المفرغة ورفعُ سقف مواجهة المنظومة باتَ ضرورياً

 

 

قال الخبر الموزع صباح أمس عن قصر بعبدا، إن الرئيس ميشال عون سيرأس اجتماعاً أمنياً – مالياً – اقتصادياً، فُهم أنه مخصص لبحث التطورات التي تشهدها البلاد على وقع الانهيار الشامل والتحركات الاحتجاجيّة في العاصمة والمناطق والمحافظات.

 

كان متوقعاً، ولو من باب إكمال فصول المأساة، أن يخرج هذا الاجتماع بمقررات لضبط الأسعار مثلاً، أو مكافحة التهريب، أو وقف الانهيار المتسارع لسعر الصرف أو فضح مافيات السوق السوداء.. كل ذلك لم يحصل، ولن يحصل لاحقاً أبداً ممن هم سبب المشكلة وأساسها ورعاتها والمستفيدين منها، خرج الاجتماع بالطلب من الأجهزة الأمنية عدم السماح بإقفال الطرقات، واستخدام القوة لفتحها!! هذا هو حال السلطة في لبنان، أو ما تبقى منها، وقاحةٌ، وجَعجعةٌ كثيرة لكن بلا طحين، ومكتبُ إعلام رئاسيّ يستحضر تجربة «البعث» في البيانات الجامدة وغير الواقعية والمنفصلة عن الحقيقة.

 

قمة الكوميديا السوداء، تأكيد عون خلال الاجتماع أنه أتى ليحدث التغيير الذي ينشده اللبنانيون، وأنه لن يتراجع وهو ماض في برنامجه الإصلاحي مهما بلغت الضغوط!!! هكذا ببساطة، رغم الأهوال والتحديات والمخاطر، لا يريد التخلي عن سياسة رمي التبعية على الآخرين، وغسل اليدين من مسؤولية الأزمات والتعطيل والخراب والنحس الذي حلّ بالبلد من بداية هذا العهد.

 

سياسة غسل الأيدي

 

بعيداً عن دراميّة اللحظة، وخفّة التعاطي؛ المشكلة أكبر وأعمق من ممارسات سلطة فاشلة، تتسلّح بالإنكار والتضليل والتلاعب والاحتماء بالأجهزة في مواجهة الانهيار والانفجار الاجتماعي وصرخة الوجع واليأس التي تعبر بصدق وشفافيّة عن حجم الكارثة وعمق الاعتلال والجريمة التي ترتكبها المنظومة المتحكمّة بحق الشعب والبلد، وهي بدلاً من أن تكون حامية للشعب وضامنة لأمنه الاجتماعي، تمعن بفجور في الإنكار وتقاذف التهم وغسل الأيدي من تبعات الانهيار.. اللبنانيون متروكون للمجهول، لا السلطة وأجهزتها، ولا الأطراف السياسية، ولا القطاع المصرفي يريدون تحمّل مسؤولية الخراب الحاصل!؟

 

نحن أمام مشكلة مركبّة من عدة طبقات؛

 

أولاً: طبقة سياسيّة فاسدة، تمسك بالسلطة وفق شرعية مشكوك فيها وتستخدم سلاح الفوضى والتلاعب بالاستقرار الاجتماعي لتفريغ أو تفشيل مساعي إنقاذ لبنان من قبل أصدقائه، وهي لم تكتف بنهب المال العام بل سرقت المدخرات الخاصة للشعب على مرأى ومسمع من الأسرة الدوليّة!

 

ثانياً: تخطّي الدستور من قبل رئيس الجمهورية الذي دأبَ مع تشكيل حكومات عهده إلى ابتداع أمور مستهجنة، وكلها تصب في إطار قضم الصلاحيات والاستهانة بالدستور والطائف، والسعي لتوريث الصهر المعاقب دولياً بتهم الفساد، وإلى فرض أمر واقع مخالف لكل الأصول والأعراف والتقاليد ومصلحة البلد والمواطنين، وسط سكوت مريب من معظم الأطراف السياسية تجاه هذه الممارسات.

 

ثالثاً: مجتمَعَان، عربي ودولي، يواصلان الاكتفاء بلعب دور المتفرّج على غرق لبنان في دوامة الفشل والعزلة والحاجة والتفكّك، أو تغطية من يريد احتجاز هذا البلد كورقة ضغط في إطار مفاوضاته ومصالحه وحساباته.. لم يدرك أصدقاء لبنان حتى الآن، أو أنهم لا يريدون إدراك أننا ما عدنا نمتلك ترف الوقت، فالإصلاح على جثة البلد والشعب لن ينفع بشيء؟!

 

أمام كل ذلك ثمّة مسؤوليات تاريخيّة على أكثر من طرف داخلي، وقد فتح البطريرك الراعي باباً لكسر الحلقة المفرغة بطرح مبادرة الحياد والمؤتمر الدولي، والمطلوب رفع سقف المواجهة من قبل من يريدون فعلاً إنقاذ البلد.

 

وعلى الجيش والأجهزة القضائية مسؤوليات تاريخية بعدم السماح بجرّ البلد إلى فوضى عامة، أو حساسيات أمنية لفرض أمر واقع تتحكّم به قوى السلاح والهيمنة، وعدم السماح باستخدام أجهزة الدولة، العسكرية والأمنية والقضائية، عصاً بيد أيّ كان، وكلام قائد الجيش العماد جوزاف عون أمس، إلى كونه أعاد شيئاً من المعنويات للمؤسسة وضباطها وعناصرها إزاء الاستنزاف على كل المستويات، رسم خطاً فاصلاً لئلا تُحمّل المؤسسة العسكرية وزر ارتكابات المنظومة وأزلامها، إلا أن لا شيء يدعو للثقة بالطبقة السياسية من أن تستحضر تجربة دول عربية واجهة شعوبها بالجيوش والقوى الأمنية صوناً لمصالحها وكراسيها.

 

وعلى قوى الثورة والقوى المجتمعيّة الحيّة استكمال الضغط، برؤية موحدة ومشروع مشترك وقيادة واعية، لطرح مشروع إنقاذي بديل يحتمي بالشرعية الشعبية، ويستجلب الدعم من كل أصدقاء لبنان.

 

المطلوب شيء واحد!

 

لقائل أن يقول إنه في حضرة الانهيار والجوع والإفقار والجريمة المنظّمة، لا يستقيم الحديث عن ضرورة احترام الدستور في مواجهة حالة مستهجنة من الإمعان في تغيير طبيعة النظام اللبناني بالممارسة؟ فبدلاً من توقيع التشكيلة الحكومية التي قدمها الرئيس المكلّف وإحالتها لمجلس النواب ليحجب عنها الثقة أو يمنحها إياها فتكون دستورياً هي المسؤولة عن طرح رؤية إنقاذية تتم محاسبتها عليها أمام البرلمان، يلجأ الرئيس عون تارة إلى المجلس الأعلى للدفاع وأخرى إلى أشكال أخرى من الاجتماعات التي لا صفة دستورية لها!

 

أمام هذا الانفصام التام وعدم التأثّر بمصائب الشعب، أو ربما التلذّذ بها، ماذا يمكن القول؟ «مرتا مرتا تطلبين أشياء كثيرة والمطلوب شيء واحد»، نعم، فخامة الرئيس، المطلوب تشكيل حكومة من اختصاصيين مستقلين لإنقاذ لبنان مما ورّطتموه، أنتم وبقية أطراف المنظومة، فيه، ولإنقاذه من جهنم هذا العهد النحس.. ونقطة على السطر.