تزدحم الساحة السياسية اللبنانية بمشاريع واقتراحات القوانين والصيغ التي لا قاسم مشتركاً بينها ذي أهمية تذكر، والمتعلقة بقانون الإنتخابات النيابية العتيد، الذي لم يبصر النور بعد، والبلد على بعد عشرين يوماً من موعد إنتهاء مفعول تأجيل الجلسة النيابية في 15 أيار المقبل…
آخر المشاركات في هذه «الموسوعة» كان ما قدمه»الحزب التقدمي الإشتراكي» الذي دخل أول من أمس، على خط تقديم المشاريع، بصيغة مشروع مختلط يعتمد المناصفة بين «النسبية» و «الأكثرية» ، كما و «المناصفة» بين المسلمين والمسيحيين، وفق تقسيمات إدارية لم تعط لهذا المشروع صفة «المواطنة» المتقدمة على الطائفية والمذهبية، بخلاف ما كان يسعى إليه المرحوم كمال جنبلاط، الذي كان أول من أطلق الدعوة الى إعتماد النسبية ولبنان دائرة إنتخابية واحدة…
لم تلق مبادرة «الإشتراكي» حتى الآن، الإحتضان السياسي والشعبي المتوقع والمطلوب، خصوصاً وانها صيغة ملتبسة وإضافة عددية لا نوعية، قررت غالبية القوى السياسية التريث بانتظار ما يقال أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، سيبادر خلال اليومين المقبلين لطرح صيغة بديلة عن الصيغة التي كان اقتراحها سابقاً ولم تلق تجاوباً وتأييداً، وسط سيناريوات غامضة تزيد من حدّة الأجواء الملتبسة، ولا تقدم جديداً يذكر في مشهد العقم السياسي في الوصول الى حلول وإنجاز قانون جديد واجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، وسط تسريبات تتزايد يوماً بعد يوم، تتحدث عن أن «تمديد الضرورة» بات أمراً واقعاً، خصوصاً وإن عديدين يرمون كرة المسؤولية في مرمى وزارة الداخلية، والبلديات «المفترض أنها صاحبة الشأن انتخابياً»، لاسيما بعدما وقع الوزير نهاد المشنوق مرسوم دعوة الهيئات الناخبة هو ورئيس الحكومة ولم يوقعه رئيس الجمهورية… الأمر الذي قد يكون في أحد ابرز أسباب «النأي بالنفس»…
ليس من شك في أن غياب «التنسيق الرئاسي»، وتحديداً بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، والتعاون بينهما، ترك الكثير من الأسئلة والتساؤلات، حول ما آلت إليه الأمور، وهي أبعد من مجرد بروتوكولات زيارات اسبوعية، وتتعلق بما يدور من تجاذبات وما يمكن أن تذهب اليه الأمور في ظل تطورات خارجية بالغة الدقة والخطورة…
«واقعية» الإشتراكي، التي بنى عليها صيغته، تجعل من الصعب بمكان تمييزه عن سائر القوى السياسية الطائفية والمذهبية و «الميثاقية»، مثله في هذا، كمثل «التيار الوطني الحر» وآخرين من الذين يتطلعون الى قانون للإنتخاب يوفر لهم قدرات للإمساك بقرار الدولة أو لحماية مصالح هذا الفريق أو ذاك، خصوصاً وإن «الإشتراكي» إنطلق من مقولة خلاصتها «إن العدالة المطلقة مستحيلة التطبيق»؟! وتأسيساً على هذا يسلم «الإشتراكي» بأن مشروعه لن يعبر كما هو، وقد عبّر عن «استعداد للتفاهم حول صيغ تنقذ البلد من الأزمة السياسية…» من غير أن يستبعد العودة الى صيغة «الطائف» الموزعة بين مجلس نواب على أساس وطني غير طائفي ومجلس شيوخ على أساس طائفي…
لا أحد ينكر أن الوضع في لبنان بات بالغ الدقة، «ولا يستطيع أي أحد أن يفرض على الأفرقاء الآخرين أي موقف أو شروط أو صيغ لقانون الإنتخابات… وتعدد الصيغ، وإن اكتسب شيئاً من «المشروعية الديموقراطية» إلاّ أن السؤال يبقى من يقر الصيغة النهائية وأين ومتى وكيف؟ خصوصاً وإن مجلس النواب الممدد لنفسه مرتين تخلى عن دوره في المراقبة والمحاسبة والتشريع، وشكل طعنة في قلب الديموقراطية، حيث حلَّ التوافق «مكان الإقتراع..» والمشروع الذي ينال الأكثرية المطلوبة لا يكون ساري المفعول إن لم يلق إجماعاً بحكم «الضرورات» والعودة الى الوراء تؤكد أن الأفرقاء كافة، كانوا في «موقع المتلقي» أكثر كثيراً مما كانوا في موقع صانع الصيغ «الإنقاذية» («الطائف» والدوحة) … ولطالما كان الرهان على الخارج هو باب العبور للخروج من الأزمات التي لازمت الكيان اللبناني منذ ولادته في عشرينات القرن الماضي… ولم تكن قوانين الإنتخاب بمعزل عن هذه الرهانات… خصوصاً أكثر، إن العالم العربي اليوم، في وضع مأساوي، وهو غارق بأزمات بالغة الخطورة والتحديات المصيرية، جعلته يدير ظهره الى أخطر الأزمات الوجودية المتمثلة بحروب «الأخوة الأعداء» في غير كيان، من اليمن، الى العراق فسوريا، في وقت يتمادى العدو الإسرائيلي في عدوانيته وعلى كل المستويات وعلى كل الجبهات والعالم يصم أذنيه ويكف بصره عما يجري في القدس الشريف، وتوسع الإستيطان، كما وداخل السجون الإسرائيلية حيث يواصل 1500 أسير فلسطيني امساكهم عن الطعام لليوم السابع على التوالي، ولم يحرك العالم العربي ساكناً… والصوت الإسرائيلي يرتفع ضد الأسرى الفلسطينيين والتحريض عليهم بالدعوة الى «تركهم يضربون حتى الموت» على ما قال عضو الكنيست آرون جازان…» لافتا الى أن «السجون الإسرائيلية مزدحمة ولم تعد تتسع، لكن هناك مكاناً تحت الأرض…» أي «تركهم في اضرابهم عن الطعام حتى الموت…» كما دعا الى ذلك وزير الدفاع افيغدور ليبرمان..
لبنان أمام مرحلة فاصلة وبالغة الدقة والخطورة… ورفع شعارات «لا للتمديد، لا للفراغ، لا للستين» لم تعد عملة مصروفة والمسألة بحاجة الى «تضحيات» على ما كان دعا الى ذلك الرئيس الحريري، وسيكتشف الجميع إن لبنان بات في قلب العاصفة ابتداء من الجنوب الى الحدود الشرقية والشمالية، وإن حقق الجيش اللبناني إنجازاً نوعياً في محلة وادي الحصن على أطراف بلدة عرسال البقاعية بقتل «الأمير الشرعي» لـ «داعش» الإرهابي حسن المليص واعتقال عشرة إرهابيين خطيرين…