Site icon IMLebanon

الاشتراكي – الشيوعي: تباعُد في الخيارات إلى حدّ القطيعة

 

 

إنطلاقاً مما قاله لينين فإن الاشتراكية هي المرحلة التي تسبق الشيوعية مباشرة، أو تمهيد لها، إلا في لبنان حيث الخيارات المتباعدة جداً بين الاشتراكية والشيوعية. تموضع كل حزب على صفة سياسية مختلفة عن الأخرى، أحدهما مع السلطة والآخر خارجها بالمطلق. تسود أجواء الحزبين حساسية تفاقمت حدتها على خلفية الحراك الشعبي الذي انطلق اخيراً.

 

كان ما شهدته عاليه أخيراً كفيلاً بتظهير وجود تباعد في الرؤية السياسية للأشياء بين حزبين كان يفترض أن أحدهما انبثق من رحم الآخر. فقبل يومين أقدم مجهولون على حرق خيمة للحراك كانت لا تزال قيد الإنشاء. وُجّهت أصابع الاتهام إلى “الاشتراكي” كإعتراض على تواجد “الشيوعي” في ساحته، بينما نفت وكالة داخلية عاليه في الحزب “التقدمي الاشتراكي”، “كل الاتهامات” وقالت: “لا علاقة لنا لا من قريب ولا من بعيد بهذا الأمر”.

 

في المبدأ ثمة علاقة تاريخية نشأت بين الحزبين “الشيوعي” و”الاشتراكي” نتيجة التقارب الإيديولوجي، على اعتبار أن الحزبين كانا من ذات التحالف الدولي اليساري الكبير ويشكلان جزءاً من الحركة الوطنية والجيش الشعبي. شكّل الوجود السوري محطة مفصلية في العلاقة حيث تراجع دور “الشيوعي” وحمّل “الاشتراكي” المسؤولية لكونه كان جزءاً من النظام، تهمة يرفضها “الاشتراكي” الذي يعتبر أن هناك من حاول النيل من “الشيوعي” جسدياً قبل النيل منه سياسياً.

 

في قراءة “الاشتراكي” أن “الشيوعي” انقسم على ذاته، بدليل انتقال الشهيد جورج حاوي وقدامى “الشيوعي” إلى مقلب مختلف عن الآخرين. ومع بروز حركة “14 آذار” برزت حركة اليسار الديموقراطي، فاتُّهم “الاشتراكي” أنه ساهم في نشأتها على حساب وحدة “الشيوعي” وهو ما اعتبره الأول محاولة لتفادي “الشيوعي” إرباكه الداخلي. ومع وصول حنا غريب لرئاسة “الشيوعي” حاول “الاشتراكي” نسج علاقة وفتح صفحة جديدة مع “الشيوعي”. نجحت المساعي نوعاً ما، لكن مع انطلاق الحراك الشعبي توجه نشاط “الشيوعي” باتجاه عاليه والاقليم والشوف من ضمن المناطق التي تحرك ضمنها، لكن خطوته فسرت من قبل البعض وكأنها موجهة ضد “الاشتراكي”. وجاء حريق خيمة الحراك كدليل إضافي على محاولة الأخير التضييق على “الشيوعي”، وهو الامر الذي ينفيه “الاشتراكي” معتبراً أن “غياب تعاطف الأهالي معهم لا يعني ان الحزب يحارب وجودهم”. تعدّدت مآخذ “الاشتراكي” على الحزب “الشيوعي” ليعتبر الأول ان الثاني يقف خلف الاتهامات لزعيمه وليد جنبلاط بموضوع أزمة البنزين وتصويره وكأنه المالك لكل المحطات.

 

“لا علاقة ولا عداء في الاساس” بين الحزبين، على حد قول عضو المكتب السياسي في الحزب “الشيوعي” عماد سماحة، “بل ثمة احترام متبادل” إنما على صعيد الانتفاضات “كانوا دائماً في مواجهتنا الى جانب احزاب السلطة”. يسترجع سماحة الفترة الذهبية من العلاقة التي “تعود الى زمن الزعيم كمال جنبلاط”، يقول: “مرت العلاقة بمراحل عديدة لا سيما بعد تأزم الحركة الوطنية واغتيال كمال جنبلاط الذي كان العصب القوي فيها أو العمود الفقري، ومنها الى جبهة المقاومة، الى أن ذهب كل حي في حال سبيله بعد توقف الحرب الاهلية واتفاق الطائف. تمّ حل الميليشيات ومن بينهم الحزب الاشتراكي الذي دخل الى جنة السلطة فيما وضع الفيتو على الشيوعي ومع الوصاية السورية صار الاشتراكي ضمن أحزاب السلطة”. هنا، “تصدعت العلاقة وتراجعت وبقي الاحترام المتبادل لان لكل حزب حساباته المختلفة عن حسابات الحزب الآخر”. سبب الفرقة بين الحزبين جوهري وأساسي، بالنظر لما يقوله سماحة “يحارب الشيوعي السياسات الاقتصادية للرئيس رفيق الحريري في حين كان الاشتراكي ضمن المنظومة وكانت له مبرراته، ما عطل للأسف كل النهج وانعكس تعطيلاً داخل الاشتراكي، فخرجت كوادر مهمة منه كانت اعترضت على دخوله ضمن منظومة التحالفات مع احزاب السلطة ما خلف انعكاساً سلبياً في الاستحقاقات النقابية والعمالية والنيابية”.

 

يعتبر “الشيوعي” انه باشر حركته الإعتراضية في الشارع قبل عامين “حين اشتدت الازمة الاقتصادية والسياسية وصارت معركة كرامة اللبنانيين، نزلنا الى الشارع وبقينا منعاً للانهيار”، يتوقف عند مرحلة “الحركة النقابية التي شهدت فترة ذهبية وأسست للحراك حيث كان حنا غريب حينذاك رمزاً للحراك ويومها كان الشيوعي أول من تحدث عن حيتان المال”.

 

ويكمل: “جاء الحراك لنقول “كلن يعني كلن” والاشتراكي من ضمنهم للأسف، بجزء منه وليس كله”، متمنياً “لو يعود الاشتراكي الى حزب كمال جنبلاط وإعادة استنهاضه بحلة جديدة، ولو ينخرط ابناء الجبل في الانتفاضة لان مصلحتهم في دولة مدنية وعلمانية”.

 

يؤكد مفوض الاعلام في “الاشتراكي” رامي الريّس أن “الخيارات السياسية متباعدة أساساً مع الشيوعي ولكن العلاقات المتبادلة قائمة قبل الحراك”، لكن هذا لا يفسد في الودّ قضية إذ يؤكد: “نحن لسنا من أنصار القطيعة السياسية مع أي طرف، ولكن التقارب تفرضه القراءة السياسية المشتركة لعناوين المرحلة، وهي ليست كذلك راهناً”.

 

واضح أن “زمن العلاقة الاول بين الشيوعي والاشتراكي تحول، وصرنا امام مرحلة من التوترات شديدة التعقيد، علماً أن ثمة فريقاً من الجانبين يستغرب الوصول الى هذا الدرك في العلاقة. قد يكون السبب أن الزمن الاول تغير بشعاراته والقضايا المطروحة للنقاش، مع تراجع القواسم المشتركة بين الاحزاب والتي صارت قائمة على تقاسم المصالح والمحاصصة أكثر منه القضايا الوطنية”.