Site icon IMLebanon

الحلّ دولة مدنية يدعو إليها “حزب الله”!

ليس سهلاً توقُّع التطورات المقبلة في لبنان ولا الخوض في ما يمكن فعله. وأسباب ذلك كثيرة ويعرفها اللبنانيون أهمها اثنان. الأول الانقسام الطائفي – المذهبي. والآخر تأثُّر الداخل بالخارجَين الإقليمي والدولي بل تحوُّله تابعاً لهما. لكن لا يمكن إغفال أن التطوُّر الأول القريب هو الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في التاسع من أيلول الجاري. إلا أن ذلك لا يعني قطعاً توقُّع نتائج إيجابية له تُنهي تعطيل مجلسي النواب والوزراء، وتملأ الشغور الرئاسي، وتضع اللبنانيين على طريق الانتخابات النيابية من خلال اتفاق على قانون يرضي “الطبقة السياسية” قبل المواطنين كي يمشي حاله. ربما يدفع هذا الحوار إلى إيجاد حل لمشكلة “الزبالة”، وأيضاً انطلاقاً من قاعدة استمرار حصص المعنيين في الطبقة المذكورة في أي حل لها باعتبار أن حق المواطنين هو فقط رفع “الزبالة” من الشارع.

في أي حال لا بد من تناول التطورات المحتملة بجدّية أكبر. انطلاقاً من ذلك يعتقد متابعون كثيرون للأوضاع الإقليمية – الدولية أن تطوُّرها في الأشهر المقبلة قد يزيد من عدم الاستقرار في لبنان، بل ربما يدفعه في طريق العنف الجزئي أو لا سمح الله الشامل. فالمفاوضات الدولية – الإيرانية التي أنجزت اتفاقاً على النووي ليست كافية لوضع المنطقة على طريق الاستقرار والسلم، وخصوصاً بعدما صارت في حاجة إلى نظام إقليمي جديد جرّاء انهيار نظام سايكس – بيكو، وتفكُّك دول عدة في المنطقة واحتمال انتقال هذه العدوى إلى دول أخرى. فهو الممر الإلزامي، وصارت هذه عبارة رائجة بعدما استعملها السيد حسن نصرالله، لاتفاق آخر و”حصري” إذا جاز التعبير بين واشنطن وطهران، اتفاق يحدّد الأحجام والأدوار في المنطقة، ويرسم الحدود والخرائط، ويضع النظام الجديد انطلاقاً من الدم والمصالح الخارجية في آن. والتوصُّل إليه ليس سهلاً على الإطلاق. وما يخشاه هؤلاء المتابعون أن يحتاج إنجازه إلى استمرار النار المتأججة في سوريا والعراق واليمن وليبيا وإلى إشعال نيران أخرى في لبنان وغيره. ذلك أن الطرفين الإيراني والأميركي تعوّدا التفاوض على الحامي وربما صارا ميّالين إليه لأنه يُنتج. وفي هذه الحال لن تحمي المظلة الدولية التي يؤكد كثيرون وجودها، لبنان من الوقوع في النار. علماً أنها ليست موجودة إلا في الأحلام والأوهام والتمنيات. أما “عيدان الكبريت” الداخلية الجاهزة الاشتعال فكثيرة أبرزها بدء “الحراك العنفي” الفلسطيني، وبدء الحراك المدني السلمي اللبناني، والوجود السوري اللاجئ، والخلايا الإرهابية النائمة بل المستيقظة جداً والساعية إلى توسيع رقعة الحرب بحيث تشمل لبنان. طبعاً قد يقول البعض إن الجيش قد يضع يده على البلاد لمنع الانزلاق نحو الجحيم بموافقة اللبنانيين. وهذا محتمل لكن غير مؤكد. علماً أن نجاحه لا يضمنه إلاّ إجماع الأطراف اللبنانيين وشعوبهم على هذا الأمر، وإلاّ اقتناع قيادته بأن الحسم مستحيل للمؤسسة العسكرية وكذلك الحكم.

في اختصار لا بد من التأكيد أن “حزب الله”، أحب الكثيرون أو كرهوا، هو الجهة الأكثر قدرة في لبنان على أخذه في اتجاه أو في آخر. فهو يستطيع بقوته العسكرية الكبيرة وبالتعبئة الشاملة لشعبه دينياً ومذهبياً وعسكرياً، وبرصيده الوطني (التحرُّر من إسرائيل) وبدعم إيران له وربما روسيا، أن يسيطر على لبنان بالقوة. لكنه لن يستطيع أن يقيم فيه حكماً مستقراً وثابتاً ودائماً في الجو المذهبي المسيطر على لبنان، وبسبب عوامل التغيير المذكورة أعلاه. والتاريخ القديم يؤكّد ذلك والحديث، وحتى أبرز أحداثه وهو ما يحصل لنظام “إلى الأبد” في سوريا.

لكن “حزب الله” يستطيع من جهة ثانية أن يدفع في اتجاه التأسيس التدريجي لدولة لبنانية مدنية أولاً (وعلمانية لم لا؟) وعادلة ومتساوية وديموقراطية، دولة المواطن لا الطوائف. فهي التي تضمن “شعبه” على المدى البعيد لأنها أقلية في خضم العالم السنّي الذي يعيش تسونامي رهيباً، لا يعرف أحد موعد انتهائه. وهي التي تضمن الأقليات الأخرى، وكذلك الذين ينتمون من مواطنيه إلى الأكثرية السنّية في المنطقة. وتعني الدولة المدنية خضوع اللبنانيين للقوانين المدنية وحدها، وفي موضوع الأحوال الشخصية يختار كل منهم قانون طائفته أو مذهبه أو دينه، أو يختار القانون المدني ولكن بشرط أن تبقى “للمدنيين” حقوقهم الكاملة، وأن لا يتعرضوا للتهميش مثلما اقترح البعض قبل سنوات بتأسيس “طائفة” جديدة لهم.

فهل يُقدِم “الحزب” على ذلك؟ وهل تؤيّد راعيته إيران توجهاً كهذا؟