عودة العسكريين المختطفين بعد أربعة عشر شهراً إلى اهلهم وعائلاتهم في عملية تبادل مع جبهة النصرة، قادها مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم بنجاح وبشروط تحفظ السيادة، لاقت عند جميع اللبنانيين صدى ارتياح واسع، عبرت عن نفسها بالاحتفالات التي عمت كل المناطق والاستقبال الرسمي للعائدين في السراي الحكومي الكبير ترأسه رئيس مجلس الوزراء تمام سلام الذي ألغى زيارته إلى باريس، ليشارك في استقبال العائدين ومحاطاً بالوزراء وكبار المسؤولين الأمنيين.
لا شك ان الأوّل من كانون 2015 يوم تاريخي سيدرج في قائمة الإنجازات الوطنية كونه الحد الفاصل بين رحلة وجع ومرارة تقاسمتها حكايا العسكريين المخطوفين واهاليهم المتعصمين في ساحة رياض الصلح، وبين حياة جديدة لهؤلاء العائدين إلى ديارهم مسقطين عنهم صفة الخطف على أمل ان تسقط قريباً عن زملائهم المخطوفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، فيكتمل الشمل، ويرتاح اللبنانيون من هذا الحلم المخيف.
وفي موازاة هذا الإنجاز الأمني الذي ما كان ليتحقق لولا التوافق الوطني بقيت الأنظار مسلطة على الجهود السياسية علّها تثمر هي أيضاً اتفاقاً يفرج عن الرئاسة الأولى الأسيرة أيضاً منذ سنة ونصف السنة للإختلافات والتناقضات وتضارب المصالح بين القيادات السياسية.
ومما لا شك أن أحلام اللبنانيين بالافراج عن الرئاسة الأولى، إتسعت بعد الإفراج عن العسكريين المخطوفين، رغم انعدام أي رابط بين الاثنين، سوى الإحساس العام بأن الجميع بات مقتنعاً بأن لا مفر من الاتفاق من خلال تسوية وطنية شاملة ومتكاملة لا يكون منتصراً ومهزوماً بل يكون لبنان الوطن هو المنتصر الأوّل والأخير، وهذا ما تكلله جدية الاتصالات بين كل الأطراف لتأمين فرص نجاح التسوية، بعد تذليل بعض العقبات، وتوفير الضمانات المطلوبة من هنا وهناك.
بيد ان ذلك، لم يصل بعد إلى حدّ القول بأن التسوية المطلوبة قد نضجت وذللت المطبات الكثيرة التي تعوق مسارها على رغم محاولات دفع خارجية وإقليمية معاً بدأت ملامحها تظهر تدريجياً، على الساحة الداخلية، عبر تسريبات إعلامية وغير إعلامية، وليست زيارة مستشار مرشد الثورة الإيرانية علي أكبر ولايتي لبيروت ومعه مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والافريقية حسين أمير عبد اللهيان، وحركة الزيارات لمستشار السفارة الأميركية في بيروت، وما صدر من مواقف منفصلة عن هذا الوضع، بقدر ما تشكّل أحد دعائمه الأساسية على حدّ تعبير وزير لبناني على صلة وثيقة بحركة الاتصالات الداخلية والإقليمية والدولية في شأن التسوية اللبنانية، أو على حدّ ما أسرَّ به قطب سياسي كبير في أحد اجتماعاته المغلقة بأن الحركة الناشطة على غير صعيد داخلي واقليمي وخارجي لإنهاء الأزمة من خلال تسوية كاملة ومتكاملة جدية بل أكثر من جدية، والأمر نفسه ينطبق على طرح اسم نائب زغرتا لملء الشغور في رئاسة الجمهورية الذي طال امده، ولم يعد يحتمل التأجيل ولا التأخير.
المسألة في نظر القطب السياسي، تسير بسرعة أكثر مما هو متوقع، إذا حلت عقدة قانون الانتخاب التي تتركز حالياً المشاورات والاتصالات في شأنها مع كل الأطراف المعنية في 14و 8 آذار، لكن حل هذه العقدة ما زال في عالم الغيب.