انتهت المحادثات الدولية في شأن الحرب في سوريا من دون تحديد تاريخ قريب لاستئناف المفاوضات بين النظام والمعارضة. وهو مؤشر رمزي معبر عن عدم القدرة على الاتفاق بين اميركا وروسيا على موقف غير التشديد على الاتفاق المبدئي بينهما. فتم تأكيد ضرورة تعزيز وقف النار والاتفاق على فرض عقوبات على اي طرف يتصرف وفق روزنامة غير التوصل الى اتفاق. الا ان ما يستحق الوقوف عنده أكثر بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين متابعين للشأن السوري، هو أن موعد الاول من آب، الذي حدد للاطراف المتحاربة في سوريا للاتفاق على اطار عمل في شأن الانتقال السياسي، هو “هدف” وليس موعدا نهائيا لذلك.
عدم التوصل الى اتفاق على استئناف المفاوضات يشي في ذاته بوجود خلافات لم تذلل، وكثر توقعوا أن الامور لم تكن ناضجة ولا الظروف مهيأة لذلك. لكن ثمة ما بدا دوراناً في دائرة مقفلة على رغم بيان مشترك لكل من وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا الاسبوع الماضي أثنت عليه الدول الاوروبية من دون أن يقنعها بالفعل. هذا الدوران عبّر عنه تأكيد المجموعة الدولية، على ما سبق أن أصدره قرار لمجلس الامن في 3 أيار الجاري وحمل الرقم 2286، أكد إخضاع المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. لكن ذلك لم يحصل فيما كانت ايران تضخ بعناصر من الحرس الثوري في جوار حلب وفيما كانت روسيا تحمي ادانة النظام من اي ادانة لقصفه مستشفيات او منعه وصول مساعدات طبية وانسانية الى مناطق محاصرة. ومن الصعب ان يرى المراقبون كيف يمكن ان يكون للولايات المتحدة فاعليتها في الطلب من روسيا الضغط على بشار الاسد او ايران لوقف العمليات العسكرية في ظل التدرج التنازلي لوزير الخارجية الاميركي في الموقف من الحل السوري. إذ انتهى كيري الى ان الاتفاق على اطار للانتقال السياسي هو هدف وليس موعدا نهائيا. وكان كيري هدد بنفسه في 3 ايار، أي قبل أسبوعين، الحكومة السورية وداعميها بأن عليهم بدء عملية انتقال سياسي في مهلة اقصاها الاول من آب، وإلا واجهوا عواقب مقاربة اميركية جديدة لانهاء الحرب في سوريا. وقال: “ان الموعد النهائي للانتقال السياسي هو الاول من آب، ونحن في ايار، فإما أن يحصل شيء في الشهرين المقبلين وإما سيواجهون مسارا مختلفا جدا”. ووزير الخارجية الاميركي كان شديد التفاؤل منذ تشرين الثاني الماضي حين أعلن عن اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا، وقال: “نحن على مسافة أسابيع نظريا من احتمال انتقال كبير في سوريا، وسنواصل الضغط في هذه العملية، ولا نتحدث عن أشهر بل عن أسابيع”. وهو أثنى يومها على وجود ايران الى الطاولة، ووصف الخطوة بأنها “فريدة من نوعها”. وعاد كيري فحذر في شباط من تأخير الانتقال السياسي في سوريا قبل أن يقول اخيرا ان بداية آب هدف وليس موعدا نهائيا. ومن السهل القول ان المياه لم تجر كما تشتهي سفن رئيس الديبلوماسية الاميركية خلال الاشهر الماضية، الا ان هذا التراجع التدريجي في الموقف يمس بصدقية الجانب الاميركي الذي يأخذ عليه حلفاؤه الاوروبيون في الاصل أنه كان شديد الثقة بالتزامات روسيا، في حين لا يوافقونه هم الرأي في هذا الشأن بالذات، كما انهم لا يبدون ارتياحا الى إقصائهم عن الثنائية الاميركية – الروسية التي تناقش الوضع في سوريا وتحصره من ضمن هذه الثنائية.
ولعل كيري في رأي المراقبين خفف التوقعات حول موعد آب المقبل الذي كان لوح به نظرا الى ان الولايات المتحدة ستكون دخلت بقوة حمى الانتخابات الرئاسية المرتقبة مطلع تشرين الثاني المقبل. ومنذ الآن يراقب العالم هذه الانتخابات في ظل تحول الرئيس الاميركي باراك اوباما الى ما يتعارف على تسميته بطة عرجاء، وكذلك فريق عمله. وتشهد على ذلك حمّى الكلام والاتهامات كما الاعتراضات الايرانية على حجز أموال إيرانية لدفع تعويضات لمتضررين اميركيين من اعمال متورطة فيها ايران، في الوقت الذي يعجز فيه الرئيس الاميركي عن التدخل، علما انه كان يعول على انفتاح ايراني يدعم الرئيس حسن روحاني ويمهد لانفتاح خارجي على ايران يخفف راديكاليتها. كذلك تشكو ايران عدم انفتاح المصارف الاوروبية عليها، ولعل ذلك مرتبط بأن هذه المصارف لا تنوي المخاطرة في اتجاه ايران على عتبة نهاية ولاية رئيس اميركي وترقب وصول آخر قد ينتهج سياسة مختلفة ازاء ايران ولا يحافظ على حماسة اوباما في الانفتاح عليها. وهو ما قد يسري في المقابل على موقف ايران من سوريا لجهة عدم التزام اتفاقات وقف النار ومساعدة النظام في محاولته استعادة السيطرة على حلب، طمعا في فرض أمر واقع مختلف على الرئيس الاميركي المقبل، ولعدم حصول ايران على ما تريده من رفع العقوبات من اميركا. في أي حال، فإن التحدي بالنسبة الى الاميركيين، وفي شكل خاص بالنسبة الى المراقبين المعنيين، هو القدرة على تفعيل وقف الاعمال العدائية على الاقل، إن لم يكن تحفيز الوصول الى اتفاق او حل وفق الاطار المتفق عليه، واعادة العمل بالهدنة هي المحك الفعلي، وكل ذلك على خلفية ان يترك لخلفه على الاقل انه أبقى على كلمة الولايات المتحدة فاعلة في سوريا، وليست من دون تأثير، وفق ما تلحق به الاتهامات في هذا الاطار.