Site icon IMLebanon

«الصوت التفضيلي» تحت «رداء النسبية»: نعمة أم نقمة!؟

سيسيل حبرٌ كثير عند الحديث عن الجديد في قانون الإنتخاب الذي بات ساري المفعول بعد نشره ملحقاً خاصاً في «الجريدة الرسمية». ورغم فقدان الثقافة السياسية والإعلامية حتى اليوم عند مقاربة كثير ممّا نصّ عليه القانون فإنّ الحديث عن الصوت التفضيلي فيه يقود الى البحث عن إمكان اعتباره نعمةً أو نقمةً. فالقراءاتُ الأوّلية تتحدث عن الحالتين معاً. كيف ولماذا؟

في ظل التفاهم الذي تحقق في لحظة من اللحظات على الدوائر الخمس عشرة التي تحدث عنها مشروع القانون الجديد للإنتخاب، كان لا بد من تعويض مَن قدّم مثل هذا التنازل كرمى لعين هذا أو ذاك، أن ينال ما يعوّض عليه في بنود أخرى من القانون. فالمنطق السياسي الذي يرافق أيَّ تفاهم يفرض تنازلات متبادَلة بين أطراف أيّ صفقة تُعقد حول أيّ موضوع كان.

فلا تكتمل فصولها، ولا تُنجز في صيغتها النهائية إلّا في وسط الطريق حيث يتلاقى الجميع على الحدّ الأدنى من القواسم المشترَكة التي تؤمّن مطالب الأطراف كافة ومصالحهم على ما تقتضيه «الديموقراطية التوافقية» المعتمَدة في لبنان.

فبعدما أبلغ رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري الى الرئيس ميشال عون موافقتهما على هذه التقسيمات في اللقاء الثلاثي على هامش الإفطار الرئاسي الأخير كان لا بد من النظر الى هذا التفاهم من خلال ما سيفرضه من تعديلات لا بد منها في مواد اخرى من القانون أيّاً كانت النتائج المترتّبة عليها ولو أدّت الى نسفه من أساسه.

ولذلك وتأسيساً على هذا التفاهم، وما يقضي به منطق تبادل التنازلات، كان لا بدّ من ترجمة التفاهم الكبير الذي نقل الجدل حول القانون من مكان الى آخر وإجراء تعديلات في حجم التحوّل الذي تحقّق. ليس لإستعادة التوازن اليه، وقبل وقوع أيّ خلل فحسب، بل لأنّ أيَّ تفاهم بهذا الحجم لا يمرّ بلا ثمن.

فتراجع بري عن مطلبه التاريخي الثابت في حدّه الأقصى بالنسبية على أساس لبنان دائرة واحدة وفي حدّه الأدنى وفق الدوائر الست وصولاً الى الدوائر الخمس عشرة لم يكن مجرد تسجيل موقف متضامن سلّفه الى محاوريه في الطرف الآخر، وإنّ على الطرف الآخر أن يردّ له الخطوة بأفضل منها.

ولا يغفل أحد أهمية تراجع الحريري خطواتٍ كبيرة الى الوراء من مطلبه بالنظام الأكثري الى حدود قبوله بمنطق النسبية الذي كان من المحظورات في طروحاته السياسية والإنتخابية تحديداً، وهو أمر لا بد من التوقف عنده.

وبناءً على ما تقدّم، يقول العارفون بكثير من كواليس اللقاءات في وزارة الخارجية و»بيت الوسط» وعين التينة واللقلوق إنّ «المجزرة» في حق القانون الأساسي الذي انطلق منه التأسيس للقانون الجديد قد بدأت، ليس على أساس أنه قانون مروان شربل كما يتطلّع اليه البعض، وليس على أساس أنه القانون الذي أجمع عليه الأقطاب الموارنة الأربعة في لقاءات بكركي التي انطلقت في 19 حزيران 2013، بل لأنه بات «الوعاء الكبير» الذي يتّسع لمطالب الجميع، وباتت مواده الـ 123 تتّسع لكل المطالب والمخارج الممكنة من أجل إخراجه في الشكل الذي تحقق في الساعات الأخيرة الفاصلة عن نهاية ولاية المجلس الممدَد له مرتين.

وعليه، فعندما كان يُقال في الأيام الأخيرة التي فصلت عن ترجمة التفاهم في جلسة مجلس الوزراء الأربعاء الماضي كانت مخصّصةً للبحث في كثير من التفاصيل التي غاصت في «الآليات الإنتخابية»، كان كلاماً صحيحاً. فقد بدأت الهندسة النهائية لاعتماد الصوت التفضيلي على أساس الدائرة أو القضاء، بالإضافة الى موضوع دمج الأقضية وإلغائها من ضمن الدائرة الواحدة في البعض منها تأميناً لمصلحة بعض الأقوياء.

وعلى هذه الأسس، حسم موضوع الصوت التفضيلي على القضاء مثلما أراد الحريري من اجل صيدا والضنية والمنية أولاً، وحيث توفرت مصلحة باسيل في البترون ثانياً.

وتمّ فصل قضاء الزهراني عن صيدا وجزين كما أراد الحريري ايضاً. وتمّ التفاهم على دمج قضاءَي بعلبك والهرمل في دائرة واحدة، وكذلك الزهراني وصور كما أراد برّي أوّلاً والثنائي الشيعي ثانياً، هذا عدا عن قبول عون التمديد للمجلس النيابي 11 شهراً تسهيلاً للولادة.

وعلى هامش هذه التسوية الكبرى، سُئل خبيرٌ انتخابي عن الخلاف الناشئ بين مَن يعتبر الصوت التفضيلي في القضاء نعمة أو نقمة.

فردّ بإيجاز معتبراً أنّ «الأمر يصحّ في الحالتين حسب الدوائر». ويقول: «على المستوى المسيحي، الصوت التفضيلي نقمة كبيرة فهو السبب الذي سيفجّر اللوائح في الدوائر ذات الغالبية المسيحية بين الحلفاء، ومن ضمن الحزب والتيار الواحد نتيجة التعدّدية فيها.

وهي ظاهرة تغيب في الدوائر ذات الغالبية الإسلامية. وهو أمر سيحرم 53 ألف مسيحي من أهمية أصواتهم التي كان يمكن أن تعيدها اليهم النسبية قبل تفريغها من أبرز مميّزاتها في أكثر من دائرة، وخصوصاً في طرابلس والضنية وفي أكثر من دائرة جنوبية من الزهراني وصور الى رميش والقليعة ومرجعيون وبنت جبيل.

أما في بعض الدوائر الإسلامية وحيث الماكينات الإنتخابية المنظمة والمنضبطة كما هي عند الثنائي الشيعي والحزب التقدمي الإشتراكي وتيار «المستقبل» حيث يمكن إحصاء النفس الإنتخابي الإفرادي، سيكون هذا الصوت نعمة تقطع الطريق على إمكان خرق لوائحهم عدا عن قدرتهم على توزيع أصواتهم على لائحتين تتنافسان شكلاً.