IMLebanon

الجنوب: «حرب أعصاب» أم «ميني مواجهة»؟!

 

تتعدد السيناريوهات التي تتناول الوضع في جنوب لبنان وتتناقض الخلاصات، فالحديث عن حرب بالإنابة عن محورين ليس دقيقاً بالنسبة الى كثير من الديبلوماسيين. فالحزب لا يرى نفسه مستقلاً في أي مواجهة عن المحور الذي ينتمي اليه، فيما لا يبدو انّ اسرائيل ستستأذن احداً. ولذلك فإنّ مفتاح المواجهة وشكلها في يد الحزب، فهو يهدد بالانتقام لمقتل احد عناصره في دمشق، وسط ترقّب إسرائيلي. وعليه، ما هو المتوقع؟

في موازاة الانشغال الحكومي والسياسي بجائحة كورونا والموجة الجديدة التي تجتاح البلاد، وعلى وقع الفشل في الإقلاع في المفاوضات المطلوبة مع صندوق النقد الدولي والتعثّر في شبيهاتها مع مؤسسة «لازارد»، هناك من يتابع تطورات الوضع في الجنوب اللبناني والمنطقة بعدما تحولت المنطقة الحدودية مع فلسطين المحتلة ساحة مُلحقة بمساحة النزاع بين طهران وواشنطن والعواصم المتحلقة حولهما في المحورين اللذين يقودان المواجهة على الساحتين الشرق الأوسطية والدولية.

 

وفي اعتقاد مراجع سياسية وديبلوماسية وعسكرية انه لم يعد سهلاً قراءة مستقبل التطورات على الساحة اللبنانية، ولا التكهّن بما يمكن أن يشهده اللبنانيون في الأيام المقبلة. فالخطر الذي يُحدق بالمؤسسات عقب «جائحة كورونا» التي يمكن ان تقفل البلد مجدداً وتُعطّل الحياة في المؤسسات الحكومية والخاصة باتَ يهدّد اللبنانيين في حياتهم اليومية.

 

وأخطر ما تنتظره هذه المراجع يبقى قائماً في تعداد وجوه الفشل الحكومي وعدم قدرة السلطة على التحكّم بالأوضاع، فالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي مجمّدة، وتلك التي استؤنِفت مع مؤسسة «لازارد» تتجه الى مزيد من التعقيد ليبدو انّ كل ما تخطّط له الحكومة للقيام ببعض الخطوات الهادفة الى تخفيف حال التدهور ومكافحة الفساد والتدقيق الجنائي المركز في حسابات مصرف لبنان والمؤسسات الملحقة به لا يعدو كونه «عاصفة في فنجان». فالمسؤولون في واد والبلد في واد آخر، وما على اللبنانيين سوى انتظار ما يمكن ان تأتي به الأيام المقبلة مستسلمين لمجموعة لامسؤولين لا يتطلعون إلّا الى ما يرضي نهمهم في السلطة وما تبقّى من المال العام وتقاسم النفوذ.

 

على هذه الخلفيات تتطلّع المراجع في قراءتها الوضع في جنوب لبنان الى انه من أسرع وأقرب الطرق الى تفكّك الدولة اذا انخرطَ الحزب في مواجهة جديدة مع العدو الاسرائيلي في مرحلة هي الأخطر. فلبنان بات بلا غطاء دولي، ومصير قوات «اليونيفيل» المنتشرة في الجنوب اللبناني، والتي شكلت مصدر أمن وامان للبنانيين يتعرّض في مناسبة قرب التمديد لها لمسلسل من المشاريع التي يمكن ان تؤثر في عديدها وتمويلها كما بالنسبة الى مهماتها وقواعد جديدة لسلوكياتها، اذا نجحت الضغوط الدولية في معاقبة اللبنانيين المُتغاضين عن كثير مما قال به القرار 1701 والقرارات الاممية الأخرى السابقة واللاحقة تاركة الوضع في المنطقة على غاربه.

 

ليس في ما سبق مجرد توصيف للواقع، لا بل فإنّ فيه مقاربة لما تتوقعه مراجع عسكرية وديبلوماسية تنظر الى الوضع في المنطقة على انه محكوم باللعبة الاقليمية والدولية من دون النظر الى ما يضمن الحد الادنى من مصالح لبنان الحيوية. فأيّ عملية يقوم بها «حزب الله» في الجنوب يمكن ان تؤدي الى تجدد الحرب في المنطقة مع ما يعني ذلك من نتائج كارثية على الساحة اللبنانية. فالخوف لدى الجنوبيين لا تحلّه الشعارات الكبرى ولا المعادلات التي تتحدث عن توازن الرعب في المنطقة في ظل التحذيرات الدولية من اي اهتزاز أمني قد يودي بما تبقّى من مقومات الصمود، وخَلق مزيد من الأزمات التي لا يمكن ان يستوعبها البلد بعدما تعددت وجوهها ودخلت الى كل بيت.

 

على هذه الخلفيات، تستذكر المراجع حجم التحذيرات التي تلقّاها لبنان في الفترة الأخيرة، وتعتبر انّ اي هزة أمنية لا يمكن احتساب نتائجها من اليوم، فالاعتقاد انّ في إمكان ايّ كان تغيير قواعد اللعبة في المنطقة من بوابة الجنوب مخطىء. واي حدث لن يؤخر او يقدم في المعادلة القائمة على الساحتين الشرق أوسطية والدولية، لأنّ الأحداث تتجاوز ما يجري في بقعة من بقاع التوتر الى ما يمكن ان تؤدي اليه المواجهة الكبرى، وانّ الرهان على دعم عربي او غربي للبنان هو مجرد أضغاث احلام. فلبنان المَتروك لمظاهر الأزمة المالية والنقدية من دون مَد يد العون العربية او الغربية له، سيشهد مزيداً من الازمات التي يمكن ان تؤدي الى فلتان البلد وجَعله لقمة سائغة ربما لمشاريع متعددة تهدد مقومات الدولة والمؤسسات.

 

ثمّة من يعتقد انّ توجهات «حزب الله» تجاه اي تصعيد في الجنوب قد تخفف من نسبة الضغوط التي تحمّله مسؤولية ما يجري من حصار مالي ونقدي وسياسي في بيئته الحاضنة، كما في تلك الرافضة توجهاته على خلفية تحميله المسؤولية عن خرق منطق «النأي بالنفس» الذي جَنّب لبنان كثيراً من الزلازل التي وقعت في محيطه حتى الامس القريب. وانّ رهانه على تغيير اولويات اللبنانيين من اقتصادية واجتماعية وصحية وتلك التي ولّدتها الدعوة الى حياد لبنان هو نوع من المغامرة غير المحسوبة النتائج، وهو امر ليس بغائب عن حسابات قيادة الحزب التي تحتسب كل هذه العناصر بدقة متناهية ولا تغفل مخاطرها ونتائجها وهي تواجهها حتى اليوم بحذر شديد. فلا يمكن لأيّ مراقب إلا ان يتوقف امام «صمته المدوي» تجاه ما يشعل الساحة الداخلية. فلم يسجّل للحزب بعد اي موقف من الدعوة الى «الحياد» بعد ان انتقد مَن غالى في هجومه على طروحات البطريرك الماروني حول ملف الحياد. كما انه لم يسجّل بعد موقفاً بارزاً من نتائج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومؤسسة «لازارد»، على رغم من متابعته الدقيقة لكل تفاصيلها ومقوماتها باحثاً عن الجوانب التي يمكن ان يوفر لها الدعم لإنقاذ الحكومة من شر فشلها على الاقل.

 

فالحزب يدرك ايضاً – وبحسب مصادر قيادية فيه – حجم الازمة التي دخلتها البلاد، وانّ وزراءه ونوابه المنخرطين في اللعبة الداخلية يدركون حجم أي خطأ او «دعسة ناقصة»، وهو يحتسب للمرحلة وللخطوات التي يمكن اتخاذها ألف حساب. ولذلك، يسود الاعتقاد – إن صحّت هذه النظرية – انّ ما يجري في الجنوب ومن حوله مجرد «حرب نفسية» او «حرب اعصاب» لها ما يبررها بعد حادث الطائرة الإيرانية فوق منطقة التنف، كما بالنسبة الى مقتل أحد مقاتليه في سوريا والمعادلة التي تتحكم بقرارات الحزب العسكرية تجاه اسرائيل وتصرفاتها على الساحتين اللبنانية والسورية. وهي «حرب صغيرة» و»متواضعة» تعتمد على الحديث عن استحالة تجاوز ما يؤدي الى «ميني مواجهة» محدودة في الزمان والمكان لئلّا ينتج عنها ما هو في الحسبان من تدهور يقود المنطقة الى حرب، ولبنان الى ما هو أعمق من الهاوية التي هو فيها اليوم.