IMLebanon

حق حصريّ للموتى في الجنوب

 

 

 

أصبح من المتعارف عليه، أنّ دفن الموتى في المنطقة الحدودية من جنوب لبنان، يتطلب ترتيبات خاصة. وأصبح أمر هذه الترتيبات شرطاً ضرورياً، لم يكن معروفاً من قبل. ففي مرحلة سابقة للثامن من تشرين الأول الماضي، كان دفن الموتى في تلك المنطقة خاضعاً لإرادة أهل المتوفى أو المتوفاة. أما بعد ذلك التاريخ، فصار الدفن مرتبطاً بترتيبات مع الجيش اللبناني الذي يتولى التنسيق مع قوات الأمم المتحدة «اليونيفيل»، على أن تتولى الأخيرة التنسيق مع إسرائيل. والسبب وراء هذه الإجراءات، أنّ فترة غير معلنة لوقف اطلاق النار على الجبهة الجنوبية مطلوبة كي تمضي عملية دفن الميت من دون عراقيل. وللتذكير، فإنّ 8 تشرين الأول الماضي المشار إليه، هو تاريخ بدء العمليات العسكرية التي أطلقها «حزب الله» على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل دعماً لحرب غزة. وحملت هذه العمليات عنوان «المشاغلة» التي مضى عليها حتى اليوم ثمانية أشهر، ودخلت اليوم شهرها التاسع.

 

يوم الأحد الماضي كانت بلدة ميس الجبل الجنوبية الحدودية على موعد مع مأساة ستظل تتذكرها طويلاً. في ذلك اليوم، أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على وسط البلدة. وتزامنت الغارة مع قيام عدد من أهالي البلدة بتفقد منازلهم ومحالهم التجارية والأضرار التي لحقت بها على مدى شهور. وفي حيّ الجعافرة قرب البركة في البلدة أدّت الغارة الإسرائيلية إلى مصرع عائلة بكاملها هي: الوالد فادي حنيكي، وزوجته مايا عمار وولداهما محمد واحمد. وفي الصورة التي رافقت النبأ تبيّن أنّ الأب والأم في عمر الشباب، وولديهما في عمر المراهقة والطفولة. وبعد أيام أفادت المعلومات أنّ العائلة الضحية كانت يوم وقوع المجزرة تقوم بإخلاء محتويات متجر للسمانة تمتلكه، عندما أصيبت مباشرة بالغارة الإسرائيلية.

 

في اليوم التالي، جرى تشييع جثماني مايا وولدها محمد في البلدة، ولم تذكر الأنباء ما حل بجثماني الأب والطفل أحمد. وانطلقت مسيرة تشييع مايا ومحمد من أمام منزل العائلة وجابت طرقات ميس الجبل وصولاً إلى الساحة العامة، حيث أُقيمت الصلاة على الجثمانين ثم ووريا في الثرى.

 

عندما كانت العائلة بكاملها على قيد الحياة أصبحت هدفاً حربياً لإسرائيل لوجودها في منطقة عسكرية تمتد من الناقورة غرباً إلى مرتفعات شبعا شرقاً وطولها نحو مئة كيلومتر تقريباً. لكن هذه المنطقة تصبح مدنية عندما تجري الاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين لبنان والأمم المتحدة وإسرائيل. فيجري ترتيب وقف مؤقت لاطلاق النار كي يتم دفن الموتى في المنطقة الجنوبية الحدودية. لكن في أشهر خلت، نجحت هذه الاتصالات كي يقوم الجنوبيون بجني محصول موسم الزيتون ضمن فترة محددة قبل أن تعود الجبهة إلى سابق عهدها من تبادل القصف بكل أنواع الأسلحة التي عرفنا حديثاً أسماءها التي لم تكن معروفة سابقاً.

 

ألم يكن ممكنا أن تنال عائلة ميس الجبل الضحية إذناً عبر هذه القناة الداخلية والإقليمية والدولية من الاتصالات كي تقوم بإخلاء محتوى متجرها وتبقى على قيد الحياة، بدلاً من نيلها إذنا في اليوم التالي كي يتم دفنها، أو دفن من تبقى منها؟

 

على ما تبيّن حتى الآن، أنّ سكان المنطقة الجنوبية الحدودية لهم حق حصري فقط بالوصول اليها إذا كانوا موتى.