بعد أن عجز العدو الإسرائيلي عن تحقيق نصر حقيقي في غزة في حرب دخلت شهرها الثامن، قرر أن يُكمِل كمحاولة أخيرة لتحقيق انتصار إعلامي على ما يبدو، فرفع مستوى عدوانه على رفح، مرتكِباً المزيد من المجازر ضد أهل غزة، كاستمرار لنهجه الإجرامي الذي بنى عليه كيانه منذ نشأته.
وتبعاً للتطورات، تستمر المقاومة الفلسطينية في عملياتها الموضعية الاستنزافية للعدو، كما تُكمِل جبهات الإسناد لغزة التي فُتحت من بداية الحرب مهمتها أيضاً، وترفع مستوى تصعيدها بحسب مقتضيات الميدان، هذا ما شوهِد بمختلف الجبهات من اليمن للعراق وصولاً الى جبهة جنوب لبنان، التي يُنفِّذ فيها حزب الله مهمّة ثانية ألا وهي ردع العدو عن ارتكابه حماقة توسعة الحرب، رغم إعلان السيد نصرالله جهوزية المقاومة لها، وبالتالي يقوم بحماية لبنان من مخططات “إسرائيل” التي باتت تمنيّات تعجز عن تحقيقها بفعل قوّة وقدرة المقاومة.
فمقابل التهديدات العنترية لوزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت، والكلام الذي وجّهه رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لسكان الشمال عن عدم تحديد موعد لعودتهم، والذي يوحي باستمرار المواجهة في الجبهة الشمالية، عدا تعزيز موقع المفاوِض الفلسطيني في هذه المرحلة الحساسة، رفعت المقاومة الإسلامية من مستوى التصعيد بهدف تضييق دائرة المناورة الأميركية – الصهيونية من خلال استكمال ما بدأته من إرسال رسائل للعدو تكشف من خلالها عن جهوزيتها، بل عن قدرتها على إيقاع خسائر مؤلِمة في صفوف جيشه الباحث عن إنجاز “بِلُغة الميدان” التي اختارها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأول في الحرب، للتعبير عن موقف المقاومة وخياراتها، وبالتالي يكون أرسى معادلة الرد بالميدان على لغة التصريحات والتهديدات، التي اختارها رئيس وزراء الكيان ووزير حربه.
مَن يُراقب أداء المقاومة في هذه الحرب مِن بدايتها، يرى مساراً تصاعدياً مدروساً يسير باتجاه الهدف الذي وضعته، والذي ظهرت نتائجه قبل انتهاء الحرب حتى. واللافت أن المقاومة وهي تسير باتجاه هدفها، استطاعت تحقيق مجموعة أهداف لم تكن لتتحقق إلا بقرار فتح الجبهة، الذي تحمّلت بسببه ضغوطاً خارجية من جهة، ومن جهة أخرى داخلية التي بدورها تُقسَم الى ثلاثة أقسام:
– الأول: ضغط الخصوم المتماهي مع الخارج.
– الثاني: ضغط بعض الحلفاء.
– الثالث: ضغط بيئتها لناحية مسؤولية المقاومة تجاهها.
لذا يمكن القول إن هذا الثبات في استراتيجية المقاومة، الى جانب تحقيق الأهداف الميدانية في تعزيز موقف المقاومة في فلسطين والموقف السياسي الرسمي في لبنان، استطاع مواجهة الضغوطات الدولية والأوراق الصفراء البالية، التي ما زال العقل السياسي الأوروبي يظنها نافعة لتحقيق أهداف العدو تحت عنوان “الوساطة”.
وبالعودة الى النيات العدوانية الإسرائيلية بتوسعة الحرب في جنوب لبنان، لا بدّ من إعادة التذكير بالأسباب مراراً وتكراراً ما دامت الحرب مستمرة ، وما دامت التهديدات تتكرر على لسان مسؤولي الكيان في كل مرحلة وعند أي تطور يحصل، فجزء من الحوافز “الإسرائيلية” الدافعة الى توسيع الحرب يعود الى أمرين:
– اولا: فشله في تحقيق أهدافه في الحرب الأصلية أي غزة، يُعطيه حافزاً للبحث عن جبهة أخرى ليعوِّض فيها خسارته، أي يريد تحقيق إنجاز بغض النظر إن كان يستطيع تحقيق ذلك أم لا على جبهة الشمال.
– ثانيا: بحال شعور العدو بضعف المقاومة في الجبهة الشمالية يصبح لديه أمل في تحقيق إنجاز يُعيد له الاعتبار المعنوي.
وبما أن الأمر الثاني لا ينطبق على جبهة الجنوب بفعل إظهار المقاومة لبعض قدراتها، يُصبح بذلك الأمر الأول “حماقة” بحال ارتكبها الصهاينة…