Site icon IMLebanon

هوكشتاين كان يُراهن على عدم وجود إجماع داخلي رسمي على الخط 23… وصُدِم

ينتظر لما بعد الإنتخابات علّ الموازين السياسيّة تتبدّل لصالح واشنطن

 

كان الأميركي والى جانبه «الإسرائيلي» يُراهنان على أنّ الضغوطات على لبنان ستجعله يُوافق على اتفاق سريع لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان والعدو الإسرائيي، ولهذا وضع الوسيط الأميركي الأخير في هذه المفاوضات آموس هوكشتاين شهر آذار الماضي كتاريخ محدّد لإنهاء هذا الإتفاق، وفق أجندة الإدارة الأميركية، معلناً عند بدء مهمته أنّه سينسحب من لعب دور الوسيط إذا لم يتمّ التوصّل الى اتفاق بين الطرفين في غضون أشهر… حتى أنّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أكّد خلال زيارته الى لبنان في 19 كانون الأول الفائت على ضرورة أن تجري مفاوضات ترسيم الحدود المتنازع عليها جنوباً «بطريقة سهلة وفعّالة»… فلماذا استعجل الأميركي بداية التوصّل الى اتفاق بين لبنان و «اسرائيل» وما الذي جعله اليوم ينتظر بعد العرض «المفخّخ» الذي قدّمه هوكشتاين للمسؤولين اللبنانيين في 8 شباط الماضي، وغادر دون عودة؟!

 

تقول أوساط ديبلوماسية عليمة بأنّ هوكشتاين استعجل التوصّل الى اتفاق بداية تسلّمه مهامه، معتقداً أنّ لبنان سيُوافق بسهولة على اقتراحاته وطروحاته، كونه يُعاني من أكبر أزمة إقتصادية ومالية شهدتها البلاد، والتي قد يكون للأميركي يدّ فيها. وقد راهن هو و «الإسرائيلي» على أنّ حاجة لبنان الى تحسين وضعه الإقتصادي سريعاً والنهوض من كبوته، ستدفعه الى القبول بأي إتفاقية ترسيم، شرط رفع الضغوطات عنه، وعن شركات النفط الدولية الملزّمة التنقيب في البلوك 9 الحدودي، أي «كونسورتيوم الشركات»، توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية.

 

غير أنّ حساب البيدر لم يأت وفق حساب الحقل، على ما أضافت الاوساط، فلبنان الذي أغرته الوعود التي أغدقها الوسيط الأميركي على المسؤولين اللبنانيين، وافق على الحصول على الخط 23، بهدف «أكل العنب»، كونه لا يريد قتل الناطور، بل أن يُحصّل ما أمكنه من المنطقة المتنازع عليها، وهو يعلم بأطماع العدو الإسرائيلي التي تبدأ ولا تنتهي، كما بدعم الأميركي له والوقوف الى جانبه لتحقيق مصالحهما في المنطقة… وقد أتت هذه الموافقة، نتيجة اعتقاد المسؤولين أنّ لبنان سيحصل على هذا الخط كاملاً، فضلاً عن «حقل قانا» كاملاً، أي يقوم هوكشتاين برسم خطّ متعرّج يُحيّد قسمه الجنوبي الذي يقع خارج الخط 23، ويعطيه للبنان، على غرار ما يُحيّد «حقل كاريش» من خلال تنازل لبنان عن التمسّك بالخط 29 كخط تفاوضي.

 

إلّا أنّ ما وافق عليه لبنان، على ما أكّدت الأوساط نفسها، لم يكن ما يريده الوسيط الأميركي، بل أن يجعل الخط 23 غير القانوني كونه لا ينطلق من نقطة الحدود البريّة للبنان، المرسّمة أساساً والمحدّدة بنقطة رأس الناقورة، خلافاً للخط 29 المتين والقوي والمدعّم بالحجج القانونية، هو «الخط التفاوضي». وكان هوكشتاين يعلم بأنّه ليس من إجماع داخلي رسمي عليه، غير أنّه انصدم بحصوله بين الرؤساء الثلاثة… وهذا يعني بأنّه كان يودّ إعادة لبنان الى المنطقة المتنازع عليها والمتمثّلة بمساحة الـ 860 كلم2، ضارباً عرض الحائط كلّ الإتفاقيات الدولية والمستندات القانونية، فضلاً عن دراسة مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني التي تُعتبر السلطة الوحيدة المخوّلة قانوناً تحديد حدود لبنان البحرية والمشهود لها بالخبرة والكفاءة، كما تقرير المكتب البريطاني الذي أوصى لبنان باعتماد الخط 29، غير أنّه لم يتمّ نشر مضمونه أو الكشف عنه، كون الأميركي و «الإسرائيلي» مطّلعان عليه ولا يُريدان الإعتراف بما يوصي به. وكلّ ذلك، بهدف عدم إعطاء لبنان الحقّ في الإعتماد على الخط 29 كخط يُفاوض على أساسه ليكسب مساحة 1430 كلم2 إضافية الى المنطقة المتنازع عليها في السابق.

 

أمّا لماذا استعجل الأميركي الإعلان عن ضرورة توقيع الإتفاق في آذار (الماضي) حتى قبل بدء هوكشتاين محادثاته مع كلّ من الجانبين، ولماذا ينتظر اليوم وقد يطول انتظاره الى ما بعد الإنتخابات النيابية المرتقبة في أيّار المقبل، فتُجيب الاوساط بأنّ الوسيط الأميركي اعتبر أولاً، أنّ الفرصة سانحة للتوصّل الى اتفاق قبل الإنتخابات، لأنّ العدو الإسرائيلي كان مستعجلاً لاستكمال أعماله في «حقل كاريش» ولا يريد أن يعيقه أي اعتراض من قبل لبنان. وثانياً، لأنّ رئيس الحكومة الحالية نجيب ميقاتي قد عاد الى السراي بضمانات خارجية، لا سيما منها أميركية، ما جعله الوسيط الأميركي يعتقد بأنّه سيسهل عليه توقيع الإتفاق في عهده، سيما وأنّ المرسوم 6433 الذي يُطالب الكثيرون اليوم في الداخل بضرورة تعديله، قد وُضع في عهد حكومة ميقاتي السابقة وأرسل الى الأمم المتحدة، رغم أنّ التقرير البريطاني قد طلبته حكومته آنذاك ودفعت مبلغاً باهظاً للحصول عليه، غير أنّها لم تضعه على طاولة مجلس الوزراء، ولم تعتمد على نتائجه قبل إيداع المرسوم 6433 لدى الأمم المتحدة. علماً بأنّه جرى الإطلاع على مضمونه الذي يُحدّد الخط 29 وليس الخط 23 كحدود لبنان البحرية الجنوبية… ولو أخذت حكومته يومها بنتيجة التقرير البريطاني وأوردته في المرسوم 6433، لكان وفّر لبنان على نفسه اليوم مخاطر عدم تعديل المرسوم، وتداعيات تعديله في ظلّ الضغوطات الأميركية التي تُمارس عليه. ولم يكن باستطاعة العدو الإسرائيلي أن يعيده الى التفاوض على الخط 23.

 

وفيما يتعلّق بانتظار الأميركي اليوم، بعد تجاهل المسؤولين اللبنانيين للردّ المباشر على عرض هوكشتاين الأخير، وتأكيدهم على ضرورة استمرار الوساطة الأميركية في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، فتجده الأوساط عينها أمراً طبيعياً. فالأميركي الذي كان مستعجلاً لإنهاء الإتفاق قبل الإنتخابات، وفشل في تحقيق مبتغاه، يُمكنه اليوم أن ينتظر وقد دخلت البلاد في خضم المعارك الإنتخابية. ويُراهن اليوم، بحسب رأي الاوساط، على تغيّر المنظومة السياسية التي من وجهة نظره، تتحكّم بالموقف اللبناني، رغم أنّها وافقته على الخط 23، غير أنّه لم يكن نزيهاً في طروحاته، إذ بمجرّد موافقتها عليه، أراد اقتطاع حصّة أخرى من هذا الخط لمصلحة العدو الإسرائيلي.

 

فانتظار ما بعد الإنتخابات النيابية لشهر بعد، لا تجده الإدارة الأميركية وقتاً طويلاً، خصوصاً إذا حصل ما تسعى إليه وتتمنّاه، على ما عقّبت الاوساط، أي وصول كتلة تغييرية، مدعومة منها الى المجلس النيابي. فهذه الأخيرة سيكون لها حصّة في الحكومة المقبلة، كون حكومة ميقاتي تُعتبر مستقيلة فور انتهاء الإنتخابات. وقد تدعم عودة ميقاتي على رأس الحكومة الجديدة، في حال وجدت أنّ استمرار المفاوضات معها أفضل من التعامل مع أي شخصية أخرى.

 

وترى الأوساط أنّ ما يهمّ الأميركي و «الإسرائيلي» حالياً هو المحافظة على الهدوء والإستقرار في المنطقة الحدودية الجنوبية كون هذا الأمر يُشجّع سفينة الإنتاج على أن ترسو في المياه الإقليمية بعيداً عن أي مخاطر أمنية قد تعيق عملها، سيما وأنّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله كان حذّر الشهر الفائت العدو الإسرائيلي من البحث عن الغاز الطبيعي من جانب واحد في المنطقة المتنازع عليها، قبل التوصّل الى أي اتفاق.