استخدم فريق الادعاء في المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري صوراً فوتوغرافية لعدد من الأشخاص بهدف عرضها على شاهد كي يحدد إذا ما كان يتعرف إلى أحد المتهمين من بينهم (كما يتبين من القرارات الصادرة عن غرفة البداية). ويرفض الادعاء الإفصاح عن هوية هؤلاء الأشخاص للدفاع، ويرفض أيضاً تزويد الدفاع بمعلومات عن شهود آخرين وعن بعض محاضر التحقيقات الأولية التي أجرتها بعثة تقصي الحقائق في أيار 2005، ما يثير شكوكاً في مضمون ما يخفيه الادعاء، وإذا كان ما يخفيه من معلومات ووثائق كفيل بتبرئة المتهمين ونسف أساس تحقيقات الادعاء
ردّت المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس السابق لمجلس الوزراء رفيق الحريري طلب محاميي الدفاع عن حقوق السيد أسد حسن صبرا من قاضي الإجراءات التمهيدية عام 2013 بأن يأمر الادعاء بإزالة التمويهات التي أدخلها على ثلاث إفادات شهود. وكان المحاميان قد طلبا كذلك من القاضي إلزام الادعاء الكشف عن أربعة من مستندات تعود للبعثة التي أوفدها الأمين العام للأمم المتحدة لتقصّي الحقائق في لبنان والتي شكلت في ٢٥ شباط ٢٠٠٥ بقرار من مجلس الأمن للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
واشتكى المحاميان المكلّفان الدفاع عن حقوق ومصالح السيد صبرا من أنهما يجهلان سبب تمويه المستندات، ويعتبران أن الادعاء ملزَم بإعلامهما بالأساس القانوني الذي استند إليه لعدم الكشف عن هذه المستندات. كما احتجّا بأن أي شيء دون ذلك يمكن أن يضعف قدرتهما على التهيؤ للمحاكمة، وأن يتيح للادعاء التستّر على وجود مستندات ذات صلة.
أما بشأن المستندات التي أعدتها بعثة تقصّي الحقائق ولم يكشف عنها للدفاع فهي ذات صلة بالقضية وتتضمّن معلومات عن التحقيقات الأولية.
بدل أن يتجاوب فريق الادعاء مع طلب الدفاع احترام الشفافية المطلوبة للمحاكمة العادلة قرر استمرار عمله في الظلام، مطالباً القضاة بردّ طلبات الدفاع دون إبطاء بحجة عدم ذكر الأساس القانوني للتدبير المطلوب. وذكر الادعاء أن «المواد المطلوبة غير خاضعة لموجب الكشف، وأنه غير ملزم تعليل ذلك». وأشار الادعاء أيضاً إلى وجود قرينة تفيد بأنه يتصرف بحسن نية في إيفائه بالتزامات الكشف، وبأن قواعد المحكمة «لا تستوجب الإشراف على الكشف».
بدل أن يتجاوب الادعاء مع طلب الدفاع التزام الشفافية المطلوبة للمحاكمة العادلة، قرر استمرار عمله في الظلام
غير أن المادة ١١٠ من قواعد الإجراءات والإثبات تنظّم بعض أعمال الكشف التي يُفترض أن يقوم بها الادعاء، وضمنها تقديم معلومات «مهمة لتحضير الدفاع». أمّا المادة ١١٣ فتتناول واجب الادعاء بأن يبلغ المواد (…) التي من شأنها أن تثبت براءة المتهم أو تخفف من مسؤوليته الجزائية.
لكن، خلافاً لذلك، تنصّ القواعد على الحالات التي لا يترتّب فيها على الفريق أن يكشف عن معلومات أو يمكن فيها أن يسعى إلى استصدار قرار قضائي يعفيه من موجبات الكشف المترتبة عليه. فالمادتان ١١٦ و١١٧ من القواعد تنصّان على أنه يجوز لفريق الادعاء أن يطلب من الغرفة إعفاءه من موجب الإبلاغ في حالات معينة تتعلق بـ«المصالح الأمنية» لأشخاص ودول ومنظمات دولية. وكان قد أذن قاضي الإجراءات التمهيدية بأن يقدم الادعاء بعض الطلبات بناء على هاتين المادتين.
إلا أن القواعد لا تنصّ صراحة على تدخل قضائي، ولا توجب التدخل، في ما يتعلق بتمويه المستندات أو عدم الكشف عنها بموجب المادة ١١١ التي تحدّد شروط «إبلاغ التقرير والمذكرات وأية وثائق داخلية أخرى» والتي جاء فيها أنه لا يجوز الكشف عن التقارير والمذكرات أو أية وثائق أخرى داخلية تتعلق بإعداد الدعوى ولا يجوز تبليغها. ويشمل ذلك، بالنسبة إلى المدعي العام، التقرير والمذكرات أو أية وثائق أخرى داخلية أعدتها لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة أو مساعديها أو ممثليها في إطار تحقيقاتها.
ولا تلزم القواعد أي فريق أن يُعلم الأفرقاء الآخرين بأنه لن يكشف عن مستند أو عن معلومات واردة في مستند، ولا تلزمه حتى أن يكشف عمّا إذا كانت هذه المعلومات موجودة فعلاً أو غير موجودة في الملف.
وبالرغم من أن القواعد لا تمنح أي غرفة دوراً قانونياً في الإشراف على عملية الكشف، طلب محاميا السيد صبرا إلى غرفة الدرجة الأولى النظر في المواد التي يمكن أن تكون خاضعة لأحكام هذه المادة والتي إما أن تكون في حوزة الادعاء وإما أن تكون قد موهت.
رأت غرفة الدرجة الأولى أن على القضاة ضمان التقيّد بأحكام القواعد، وضمنها تلك المتعلقة بالكشف عن المواد. كما رأت أن كل المستندات الخاضعة للكشف، مثل إفادات الشهود هي حقاً حصيلة عمل داخلي. أي إنه، إذا حاول فريق الكشف عن مواد مموهة جاز لغرفة الدرجة الأولى أن تطلب من هذا الفريق بأن يُطلعها على المستند غير المموه.
وتناول قرار الغرفة ثلاث إفادات كان مكتب المدعي العام قد موّه أجزاء منها:
– إفادة الشاهد الأول هي مذكرة لفريق الادعاء تتعلق باجتماع عُقد بين مسؤولين من الادعاء ومحققين عسكريين لبنانيين. وقد عمد الادعاء، قبل أن يكشف عن هذه الإفادة لجهة الدفاع، إلى إدخال تمويهات على بعض المعلومات الواردة فيها شملت على ما يبدو بعض الآراء التي أعرب عنها الشاهد، وأسماء مشاركين آخرين في الاجتماع.
– إفادة الشاهد الثاني هي إفادة شاهد اقترح الادعاء دعوته. ففي ٢٥ تموز ٢٠١٣، أذن قاضي الإجراءات التمهيدية للادعاء بتمويه أجزاء من إفادة هذا الشاهد قبل إيداعها فريق الدفاع. ورأت الغرفة أنه يمكن أن تكون التمويهات المأذون بإدخالها خاضعة لأحكام المادة ١١٦ من القواعد، أي أن من شأنها «تشكيل تهديد خطير لسلامة أحد الشهود أو لسلامة عائلته». وبين المعلومات المموّهة معلومات شخصية تتعلّق بالشاهد وبنظرته إلى الأحداث. وبالتالي لم تطلب غرفة الدرجة الأولى من الادعاء أن يكشف لجهة الدفاع، حسبما طلب محاميا السيد صبرا، عن النسخة غير المموهة من هذه الإفادة.
بحجة الحماية حُجبت بعض أقوال شهود الادعاء السرّيين عن الدفاع
– أما إفادة الشاهد الثالث فهي موضوع قرار أصدرته غرفة الدرجة الأولى في ١٩ تشرين الثاني ٢٠١٣. وتورد هذه الإفادة – وهي إفادة مسؤول لدى الادعاء – وصفاً لكيفية تجميع الصور التي استُخدمت لتعرف الشاهد إلى هوية شخص (أحد المتهمين) من بين صور أشخاص آخرين. لكن بحجة أن الكشف عن ذلك قد «يشكل تهديداً خطيراً لسلامة أحد الشهود أو سلامة عائلته» (المادة ١١٦ من القواعد)، أذنت المحكمة بإخفاء معلومات عن الدفاع. وكان الادعاء قد طلب تمويه أسماء الأشخاص الظاهرة ووجوههم على لوحتي الصور. وتتضمن الإفادة معلومات مموهة في سبع من أصل صفحاتها الاثنتي عشرة. ولم تطّلع غرفة الدرجة الأولى على هذه المعلومات، غير أن الادعاء قال إنها «حصيلة عمل داخلي» (المادة ١١١ من القواعد).
أما بشأن المواد الواردة في ملف بعثة تقصي الحقائق (٢٠٠٥) والتي لم يكشف عنها لفريق الدفاع، فقد أشار محاميا الدفاع إلى أن الادعاء لم يزوّدهما بأربعة مستندات أعدتهما البعثة. وبعد أن أودع محاميا الدفاع طلبهما الاطلاع على هذه المستندات، زوّدهما الادعاء باثنين منها، بينما عدّ المستندين الآخرين «حصيلة عمل داخلي» من دون أن تطلع غرفة الدرجة الأولى عليهما.
لم ترَ غرفة الدرجة الأولى أي سبب يبرّر إبقاء هذه المعلومات سرية بالنسبة إلى الجمهور وغير وجاهية بالنسبة إلى الدفاع. لكنها قررت عدم إصدار أي قرار يوجب الادعاء تزويدها بالمستندات التي حجبت، حيث إن إصدار قرار من هذا النوع لا مسوغ له بحسب القضاة.
يُذكر أن قواعد الإجراءات والاثبات لا تُلزم الادعاء إعلام الدفاع بالأساس القانوني الذي اعتمده لتمويه مستندات خاضعة للكشف. ويدلّ ذلك هنا أيضاً على هشاشة المحكمة الخاصة بلبنان وافتقارها إلى موجبات تحقيق العدالة.