قد تكون من المصادفة أن تتزامن جلسة الحوار العاشرة بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» مع استذكار اللبنانيين الحرب الأهلية اللبنانية، لكن ما ليس عفوياً هو أن مرحلة ما بعد مرور أربعين عاماً على هذه الحرب، ما زالت تتّسم بعدم الرضى والإنقسامات السياسية والخلافات المصيرية وكأنها مشروع انفجارات مستقبلية يشبه كل واحد منها الحرب اللبنانية التي دامت أكثر من عشرين عاماً، على حدّ قول مصادر سياسية مخضرمة اختبرت تجربة الإنقسام الطائفي وانفجار الصراعات الإقليمية على الأرض اللبنانية، وتعتبر أن مشهد المتاريس على الساحة الداخلية قد حلّ اليوم مكان المتاريس الجغرافية التي قسمت لبنان إلى كانتونات طائفية، وحوّلت الشعب اللبناني إلى شعوب متفرّقة ومتصارعة في ما بينها، وذلك بعدما سمحت القيادات السياسية بنقل الصراعات الخارجية إلى الملعب اللبناني مقابل الإستقرار في كل الساحات المجاورة.
وقد كشفت هذه المصادر، أن الحرب اللبنانية ما زالت حاضرة ولو من باب الذكرى، ولكن الواقع الأمني، كما السياسي والإقتصادي والتربوي، لا يعبّر عن اجتياز لبنان قطوع الحرب، خاصة أن الشغور الرئاسي والشلل على مستوى المؤسّسات الرسمية باستثناء مجلس الوزراء، يعيد ان الجميع بالذاكرة إلى بيروت المنقسمة على ذاتها وإلى الأمن المهدّد بالسلاح في الشارع، وإلى الصراعات الطائفية التي لم توفّر أي منطقة لبنانية من تداعياتها الكارثية. وقالت المصادر السياسية أن الخطاب السياسي المتشنّج، ودخول العوامل الإقليمية على الإستحقاقات الدستورية، إضافة إلى الإنقسام العميق بين فريقي 8 و 14 آذار، قد ساهمت في إيجاد معادلة داخلية تقترب من مرحلة ما قبل الحرب، مع فارق بسيط وهو أن القرار الخارجي بتفجير لبنان ما زال غير متوفّر. واعتبرت أن السلاح موجود في أكثر من منطقة لبنانية ولو بشكل متفاوت. لافتة إلى أن كل الأطراف قادرة على التسلّح، وأن غياب السلاح لا يشكّل عائقاً أمام اندلاع الصراعات، بل على العكس، فإن الحوار والهدوء والعودة إلى الداخل، هي عوامل تؤمّن تحصين الساحة من أي انفجار داخلي.
وأضافت المصادر السياسية نفسها، أن تهدئة الخطاب السياسي وإعادة إطلاق آلية العمل الدستورية في كل المؤسّسات، ومقاربة كل الإستحقاقات بعيداً عن أي تأثيرات إقليمية كما هي الحال راهناً، هي سلسلة خطوات ضرورية وملحّة للخروج من نفق التصعيد الداخلي ولاستعادة لغة الحوار الهادئ، وذلك قبل أن تنفلت الأمور وتسقط آخر الحواجز أمام التصعيد الذي يأخذ في المرحلة الراهنة طابعاً مختلفاً عن السبعينات، ولكنه أكثر تدميراً وعنفاً.
وخلصت المصادر السياسية المخضرمة ذاتها، إلى أن الحوار الدائر اليوم في عين التينة والحوار غير المباشر ما بين معراب والرابية، لا يختصران الحلّ، بل أن مقاومة شبح الحرب الأهلية تتطلّب آلية حوار سياسي شامل ووطني بين كل الأفرقاء، وليس فقط بين أطراف معينة.