Site icon IMLebanon

الخطاب ليس مفترقاً

 

حين وعد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعد حضوره قداس عيد الميلاد برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، بالتحدث يوم الإثنين، كثرت التكهنات حول ما سيعلنه في شأن الحلول لمأزق التعطيل الحالي، وفي ما يتعلق بالخلاف مع “حزب الله” على التحقيق القضائي وعلى السياسات التي يتبعها “الحزب” حيال دول الخليج العربي والسعودية تحديداً.

 

وعندما بدأ خطابه مشيراً إلى ملامة اللبنانيين لأنه لم يخاطبهم عما يجري، وقال إنه “بات من الضروري أن يكون الكلام أوضح”، شخصت أعين من استمعوا إليه نحو الشاشة من أجل الإنصات الدقيق، بعد أن ذكّر لائميه بأنه سبق أن حاول معالجة الأزمات “بالعمل الصامت”.

 

وبدلاً من أن يسمي الأشياء بأسمائها بدا أن المقصود بالتشويق لانتظار الإثنين، في كلام عون هو ما قاله عن “حزب الله” من دون تسميته، حين سأل ما هو المبرر لتوتير العلاقات مع الدول الخليجية والتدخل في شؤون لا تعنينا؟ هذه الملاحظة بدت مواربة بالنسبة إلى البعض، وواضحة بالنسبة لآخرين، لكنها جاءت بصيغة التساؤل لا بصيغة الجواب الواضح، من أصل 19 سؤالاً تضمنها خطاب الرئيس. وهي كثيرة قياساً على الأجوبة التي يطرح اللبنانيون الأسئلة مطالبين بأجوبة عليها. وليس مجافياً للحقيقة القول إن معظمهم باتت لديه الأجوبة على معظم الأسئلة، فضلاً عن أنهم في موقع من يطرح الأسئلة ولا يفترض أن يكون رئيس الجمهورية في موقع من يطرحها. فعون أراد الإيحاء عبر الأسئلة التي أثارها بأن من يعرقل معالجة الأزمات القوى السياسية والبرلمان وشركاؤه في المنظومة الحاكمة. الخطاب نسخة محدثة عن نهج الفريق الرئاسي القائم على نظرية “ما خلّونا”.

 

بل هو إمعان في رأي معظم الوسط السياسي في إنكار المسؤولية. فتذمره من التعطيل يقابله إحصاء الأشهر والسنوات التي أضاعتها مواقفه التعطيلية مع حليفه “حزب الله”، سواء في انتخاب رئيس الجمهورية أو في تشكيل الحكومات. التعطيل بقناعة الفريق الرئاسي فضيلة إذا كان لخدمته، لكنه مرفوض بالنسبة إلى غيره. وهذه كانت الحجة التي ردّ فيها ليس الخصوم فقط، بل “الحزب” أيضاً، على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، حين حمل على توقف اجتماعات مجلس الوزراء بناء لشروط “الثنائي الشيعي” في شأن التحقيق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت.

 

اللازمة التي رافقت ردود الفعل لماذا استفاق عون الآن على الدعوة إلى حوار حول الاستراتيجية الدفاعية بعد مرور أكثر من خمس سنوات على رئاسته؟ ولماذا لم يبادر إلى مناقشتها حين لم يكن هناك تعطيل لجلسات حكومة الرئيس سعد الحريري وأثناء حكومة حسان دياب؟ ولماذا انتبه الآن إلى إساءة “الحزب” لعلاقات لبنان بدول الخليج، في وقت استفحل تدخل “الحزب” في اليمن منذ سنوات وباتت السلطة برمتها متهمة من قبل هذه الدول بأنها واقعة تحت هيمنة “الحزب”؟ فالمطلوب من هذه السلطة أن تتخذ موقفاً واضحاً من “الحزب” وألا تترك معارضة تدخلاته للقوى السياسية المعارضة له وللفريق الرئاسي فقط.

 

إشتكى عون من التدخلات في القضاء ووصف التشكيلات القضائية بأنها فضيحة، مبرراً عدم توقيع مرسوم إصدارها في وقت يُعتبر امتناعه عن توقيعها هو الفضيحة، بنظر معظم الوسط السياسي. فالمعلوم أنها لو تضمنت تعيين القاضية غادة عون في الموقع الذي طلبه لها لما كانت التشكيلات مرفوضة من قبله. ولو قبل المجلس الدستوري طعن تكتله النيابي بتعديلات قانون الانتخاب لكان نموذجياً من ناحية العدالة، لما كان سقط كما وصفه. من لا يوافق على سياسة “التيار الحر” ورغباته وموقفه ومطالبه يكون السبب في الأزمات والتعطيل وشل مؤسسات الدولة. ومن يوافقه ويماشيه يكون مع بناء الدولة واستقلالية القضاء ومع اعتماد النزاهة والكفاءة.

 

لن يشكل خطاب الرئيس عون مفترقاً في المعادلة السياسية في البلد، بل سيكون محطة من محطات تراجع شعبية فريقه، والذي سيسعى إلى التعويض عنه بالتحالف الوثيق مع “حزب الله” في الانتخابات النيابية المقبلة. كما أنه لن يحدث أي فرق في موقف الحليف حيال حليفه الآخر رئيس البرلمان نبيه بري. فباسيل تبلغ مرة جديدة خلال لقائه مسؤول التنسيق والارتباط في “الحزب” وفيق صفا، بأن “التيار” يصر على تركيز حملاته على بري دون غيره، “ونحن نتفق معه في أمور ونختلف في غيرها لكننا فضلاً عن إصرارنا على وحدة الطائفة فإن ظروفنا تقتضي متانة العلاقة معه، ونحن لم نسألكم عن علاقاتكم وخطوطكم مع فرقاء آخرين مثل الأميركيين وغيرهم لأننا نقدر ظروفكم”.