على وقع أوضاع عربية وإقليمية غير مستقرة، يجهد لبنان الرسمي والسياسي لطيِّ صفحة الإنتخابات النيابية وما خلَّفته من تداعيات وندوب، ليدخل في المرحلة الجديدة، مرحلة حكومة العهد الأولى برئاسة الرئيس سعد الحريري التي بعدها سيدخل البلد في ورشة وطنية كبيرة، حيث سيبادر رئيس الجمهورية ميشال عون، إلى الدعوة لحوار وطني لاستكمال تطبيق إتفاق الطائف ووضع استراتيجية دفاعية، كما قال في كلمته للبنانيين، بعد تشكيل الحكومة الجديدة التي ستكون حكومة وفاق وطني تتمثل فيها جميع القوى السياسية الأساسية، إنطلاقاً من حرص الرئيس عون أن تعكس الحكومة العتيدة موازين القوى التي أفرزتها الإنتخابات النيابية.
هل ستكون الأمور بهذه السهولة؟
وهل ستكون الطريق معبّدة؟
اعتدنا في لبنان أن تكون كل المسارات السياسية محفوفة بالمخاطر والتعقيدات، فما من مرحلة إلا وكانت لها تعقيداتها وألغامها على رغم جهود المعنيين لتكون الأمور سلسة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، هل ستتحقق أمنية فصل النيابة عن الوزارة؟
أكثر من مسؤول تحدث في هذا الموضوع وطالب به، ولكن الأمر يحتاج إلى شرط من إثنين:
الأول أنَّه في حاجة إلى تعديل الدستور بما يعني أنَّ هذا الموضوع ليس مطروحاً في تشكيل الحكومة الجديدة.
الثاني أنَّه يحتاج إلى إجماع سياسي، فإذا قرر أحد المكونات الذي سيدخل الحكومة أنَّه سيسمي نائباً للتوزير، فعندها تفرط العملية برمتها.
إذاً، موضوع فصل النيابة عن الوزارة سيبقى على عاتق كل كتلة نيابية على حدا، فلدى كل كتلة الخيار في أن يكون تمثيلها في الحكومة نيابياً أو غير نيابي.
هذه السيناريوهات يمكن أن يبدأ التداول بها جدياً مع أول جلسة لمجلس النواب والتي ستتضمن انتخاب رئيس ونائب رئيس وأعضاء هيئة مكتب المجلس واللجان النيابية.
إذا تفككت عقدة حقيبة المالية بسهولة فإنَّ العقدة الثانية ستكون البيان الوزاري، فهل سيكون هناك إصرار على أن تَرِد ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، في البيان؟
وفي حال حصل تجاذب بين مَن يريد إيراد هذه الثلاثية وبين مَن لا يريد إيرادها، فماذا يحصل في هذه الحالة؟
من شأن هذه العِقدة أن تؤثِّر على إنجاز البيان الوزاري بالسرعة المطلوبة.
في مطلق الأحوال فإنَّ الأوضاع العربية والإقليمية المتسارعة تستدعي التسريع في كل الآليات التشريعية والتنفيذية، للقيام بما يجب القيام به من أجل الإنطلاقة الواعدة للعهد، فالناس لا يتوقفون كثيراً عند البيانات الوزارية وعند ما إذا كان يحقُّ للنائب أن يكون وزيراً أو لا، الناس يريدون أن تُكمِل الحكومة الآتية من حيث ستنتهي الحكومة الحالية بعد عشرة أيام. الناس يريدون تحسُّن التيار الكهربائي على عتبة بداية الصيف. يريدون الإنتهاء من أزمة النفايات، يريدون انتفاء الفساد من الإدارات الرسمية، أما الإستراتيجيات الكبرى فموقعها غير أساسي في بلد صغير مثل لبنان يعتمد في كلِّ شيء على الخارج تقريباً.