“لا ميّة ولا عشرة ولا ألف… ولا مليون”، هذة قصة روح، قصة وطن، قصة شعب، قصة حق، قصة تاريخ، قصة جغرافيا، قصة طموح، قصة ارادة، قصة أرض طالما ارتوت بدماء شهدائها… وهكذا لم يفاجئ سعد الحريري جمهور ١٤ آذار بالعودة للوقوف فيهم خطيباً، بمقدار ما فاجأه التصميم وروح الحرية والاستقلال التي توثبت فيهم في الذكرى العاشرة لاستشهاد رفيق الحريري.
في ظل التراكم الكارثي للأحداث التي تدفع الوطن الى الانهيار وتزج المواطن في اليأس، نزل اللبنانيون الى “البيال” ليقولوا “هذه روح لبنان”، وليرد سعد الحريري في خطاب عرف كيف يوائم بين أثقال “ولاية الدم” ومتطلبات الولاء للوطن، وعلى هذا الأساس كان من الضروري جداً ان يوضّح انه يختار الحوار ولو على حدّ السكين:
أولاً من أجل حماية لبنان الذي هو “أهمّ منا ومنهم فلا أحد أكبر من بلده كما قال رفيق الحريري”، وثانياً لأن لبنان يفترض ألا ينزلق الى مهاوي الفتنة الشيعية – السنيّة، التي تعصف رياحها في أربع رياح المنطقة، وثالثاً لأنه يتوخى ان يساعد الحوار في تجاوز المحظور، والمحظور ان يبقى لبنان بلا رئيس للجمهورية والأسوأ ان يتصور البعض ان الوطن يمكن ان يعالج أموره من دون رئيس!
كان لافتاً تعمّده التوضيح عشية خطاب السيد حسن نصرالله، ان الانخراط في الحوار مع “حزب الله” لا يعني في أي حال من الأحوال، التوقف عن طرح الأسئلة الحسّاسة والمهمة كالقول: ما هي مصلحة لبنان ومصلحة كل اللبنانيين في اختزال كل العرب في نظام الأسد، وفي مجموعة ميليشيات تعيش على الدعم الايراني في لبنان وسوريا والعراق… ثم في النهاية أوليست مصلحة لبنان واللبنانيين معدومة وفي حدود الصفر، عندما نرسل شباب لبنان للقتال في سوريا والعراق والتدخلّ مثلاً في شؤون البحرين أو في أي دولة أخرى؟
ثم أين مصلحة لبنان في استدراج الحرائق الى لبنان الذي لم يخرج من رماده بعد، وهل من المعقول ان نربط الجنوب بالجولان بدلاً من ان ينسحب “حزب الله” من مستنقع الدم السوري، “واننا لن نعترف لحزب الله بأي حق يتقدم على حق الدولة في قرارات السلم والحرب” وجعل لبنان ساحة مسخّرة لحماية النظام السوري وخدمة المصالح الايرانية؟
لم يكن خطابه نارياً، كان خطاباً عقلانياً، فهذه لغة بيت اكتوى بالنار. لقد وضع نقاطاً تكاد ان تنسى على حروف تكاد ان تمحى عند الكثيرين. فعندما قال سعد الحريري انه متطرف للبنان والدولة والدستور والمؤسسات والجيش وقوى الأمن وفرص العمل والحياة الحرة والكريمة والمناصفة والدولة المدنية، فانه بهذا أعاد طرح أبجدية رفيق الحريري الذي كان هناك وصفّق طويلاً!