إفتراق «التيار الحرّ» و«القوّات اللبنانية» يعزِّز تغليب منطق «دولة واحدة، نظامين مختلفين»
يستعيدان حوارهما نحو الحد الأدنى من التلاقي ولكبح جماح الـEstablishment
لا يتوقّع ان يكون الحوار المتجدّد بين «التيار» و«القوات» يسيراً، من غير ان يعني ذلك انهما ليسا قادرين على إدارة خلافهما بأقل قدر من الخسائر
مرّت، بخفر، الذكرى الثانية لتوقيع تفاهم معراب (18 كانون الثاني 2016)، واستطرادا القفز (لا طيّ) فوق صفحة أليمة في العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. فالخلافات والتباينات الثنائية التي طبعت النصف الثاني من العام 2017 تركت أثرها في التفاهم، كما على العلاقة بين القيادتين وبين جمهورهما.
في الأصل، تلقفت، بارتياح واطمئنان، قيادتا الحزبين اللذين يشكلان الغالبية المطلقة لدى المسيحيين، التقارب بين ميشال عون وسمير جعجع، لا بسبب تمهيده لرئاسة عون وحسب، إنما لرغبتهما المعلنة في استئناف علاقة طبيعية على مستوى القاعدة. في الأصل، جمعتهما علاقة غريبة الأطوار والمقاصد. بدأت صدامية – عنفية في منتصف الثمانينات، فتكاملية – إئتلافية – نضالية زمن الطائف ووصاياته المتعددة، ومن ثمّ إشتباكية – إلتحامية زمن الاستقلال الثاني.
كان لا بد من أن يأتي التفاهم بكل ما سرى مسيحيا من اطمئنان، قبل أن تستعيد العلاقة بعضا من اشتباكيتها.
لكل من الفريقين روايته للمسار الذي أنتج التباينات بينهما وأدى الى هزّ التفاهم أكثر من مرة. من واقعة ترشيح مبكر وغير مفهوم لدى قيادة التيار لفادي سعد في البترون، الى المعارضات المتكررة غير المبررة أو المستندة الى وقائع في أكثر من ملف طرح في مجلس الوزراء، وتحديدا الكهرباء والتشكيلات الديبلوماسية ثم القضائية فالتعيينات الإدارية. وكان ملف تلفزيون لبنان والآلية التي إعتمدت لتعيين مجلس الإدارة والتي أتت بـ3 ترشيحات لرئاسة مجلس الإدارة، أحدها يُعدّ من عتات المناوئين للرئيس ميشال عون، وهو يجاهر بموقفه هذا، قد أطلقت شرارة كل ما تراكم لاحقا من تباينات.
المهم أن الفريقين تيقّنا من ضرورة العودة الى التهدئة ومحاولة جسْر ما انقطع، وإعادة بناء ما تناثر من بنيان الثقة بينهما. وكان اللقاء بين جبران باسيل وكل من إبراهيم كنعان وملحم رياشي بداية الحوار المتجدد المتوقع ألا يكون يسيرا، من غير أن يعني أنهما ليسا قادرين على إدارة خلافهما بأقل قدر ممكن من التشنج والخسائر.
دفعت مجموعة عوامل كلا من قيادتي الحزبين الى استعادة الحوار، في مقدمها بالطبع دنو موعد الإنتخابات النيابية. لا يفترض ذلك أن الغرض من الحوار هو التحالف فقط (وهو في حال حصل لن يكون سوى مناطقيا وبحسب الحاجة)، بل ثمة ما هو أبعد من ذلك في المعنى الاستراتيجي.
أ- أيقن الطرفان أن ثمة من الأفرقاء من سعى الى توظيف إفتراقهما المعلن، بغرض اقتناص مقاعد نيابية أو فرض مرشحين، وخصوصا في الجبل.
ب – كما أيقنا أن خلافهما متى تمدد الى الإنتخابات سيفيد حكما خصومهما، في حين أن الحد الأدنى من التنسيق حيث لا مكان للتحالف أو الإئتلاف سيجبه أي محاولة توظيف أو إفادة.
جـ – لكن الأبرز في هذا السياق، أن ثمة خصما لا يألو جهدا في سعيه الى تطويق رئاسة الجمهورية، وإستطرادا منطق الرئيس القوي (الآن ولاحقا) انطلاقا من اقتناعه بأن هذا القوي يقتات من زرعه ويكبح جماح الـEstablishment أو التقليد الحاكم المخضّب سلطويا، ويحدّ مما راكم من مكتسبات بالعرف والممارسة لا بالدستور والقانون. وهذا الرئيس القوي تحديدا هو من يسعى راهنا الى الحدّ من كل هذا بالقانون وعبر الإقتراع النيابي والعودة الى مصدر السلطات. فكان لا بدّ من إسقاط الإصلاحات الإنتخابية ووأدها، خشية أن يقلب الاقتراع الكثيف المعادلة القائمة راهنا على مبدأ «دولة واحدة، نظامين مختلفين»: نظام فرضته الممارسة، ونظام معاكس يجهد لحكم القانون.
كانت هذه العوامل الثلاثة، من بين أخرى عديدة، كافية لاستعادة حوار الحد الأدنى بين الحزبين الأكثر انتشارا مسيحيا، المتوقع أو المرتجى أن يتوّج بالتقاء قريب بين القيادتين، بعدما كان ميشال عون واضحا بأنه من موقعه الرئاسي غير معني بأي حوار حزبي.
مساحات التلاقي بين التيار والقوات ليست كثيرة لكنها كافية لترميم بعض من العلاقة، بعض غير قليل بالتأكيد، على أبواب الإنتخابات النيابية، الاستحقاق الأهم الذي يتعدى بمحوريته ثرثرات بواخر أو قرقعة تعيينات!