IMLebanon

ثباتُ المواقف الروسية عنوان المرحلة المقبلة

أخفقَت كلّ القراءات والتوقّعات القائلة بإمكانية تراجُع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مواقفِه تجاه ملفّات دولية متعدّدة، خصوصاً ما يتعلق منها بالأزمتين الأوكرانية والسورية والعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية.

توقّعات الخبراء الغربيين كانت ترجّح بأن يعاود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عشيّة انعقاد قمّة العشرين، قراءة مواقفِه حيال مجمَل القضايا الدولية، وذلك بعدما شعرَ بعزلةٍ سياسية واقتصادية جرّاء العقوبات التي فرضَها الغرب على بلاده، وتأثيرها على الاقتصاد الروسي خلال الأشهر القليلة الماضية.

لكنّ بوتين لم يبدّل مواقفَه التي أعلنَها مراراً وتكراراً في موسكو، وذهبَ بها الى قمّة «آبيك» في الصين، فقمّة العشرين في أوستراليا.

فما هي الأسباب التي تدفع الرئيس الروسي إلى عدم التراجع عن نهجِه، على رغم الضغوط التي يتعرّض لها، خصوصاً أنّ العقوبات الغربية قد فعلت فعلتها ووضعَت الروبل الروسي في أدنى مستوى له منذ نشأة الاتحاد الفدرالي الروسي عام 1991، بحيث ارتفعَ سعر صرفِ الدولار الواحد في الأسواق الداخلية من ثلاثين الى ستّين روبلاً، أي بنسبة تفوق السبعين في المئة، ناهيك عن تضرّر أسواق النفط والغاز وقطاع البنوك الروسية وغيرها من المرافق الاقتصادية الهامّة في البلاد.

لا شكّ في أنّ بوتين يدرك كلّ قوانين اللعبة على الساحة الدولية، فهو سياسيّ من الطراز الأوّل وخرّيج مدرسة الـ»كي. جي. بي» في أصعب مراحلها، وتحديداً مرحلة تفكّك المنظومة الاشتراكية، ولاحقاً انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، ومن ثمّ بناء الاتحاد الفدرالي الروسي. لذلك، يعرف الرجل جيّداً الخطوط الحمر وطرُق تخطّيها إذا لزمَ الأمر، ويدرك أيضاً أنّ أيّ خطوةٍ إلى الوراء يجب أن تقابلها خطوة مماثلة.

من هنا، فإنّ رهانَ الغرب على تراجع موسكو في أيّ ملف كان يجب أن يقابله تراجعٌ غربيّ في ملف آخر، وبما أنّ الأزمتين الأوكرانية والسورية هما عنوان المواجهة بين موسكو من جهة وواشنطن وبروكسل من جهة أخرى، فإنّ الكرملين لن يلتزم أيّاً من الشروط التي وضعَها الغرب في الشأن الأوكراني ما لم يحصل على تنازلات مشابهة، ما يعني أنّ موسكو لن تعيد قراءة مواقفِها إلّا في حال أخذ الغرب في الاعتبار مصالحَها على الساحة الدولية.

ثمّة مَن يرى أنّ القيادة الروسية فقدَت الأمل في التوصّل إلى توافق مع قادة الاتّحاد الاوروبي والإدارة الاميركية في هذين الملفين، فذهبَت للبحث عن حلول منفردة، وهذا ما يتمثّل بالحراك الديبلوماسي الروسي اللافت مع المعارضة السورية الذي أوصَل، وفقَ متابعين، إلى توافقٍ مبدئي على جدول أعمال «جنيف 3».

كما أنّ موسكو كانت تقول إنّ تخفيضَ سعر الغاز لأوكرانيا أصبحَ أمراً مستحيلاً، وأنّها لن تعاود ضخّ الغاز إلّا بعد سداد الديون المستحقّة لها، إلّا أنّها تراجعَت عن مواقفها وخفّضَت سعرَ الغاز وألغَت نحو مليار دولار من الديون الأوكرانية، وذلك بعد سلسلة اتصالات وبضعة لقاءات بين الرئيسين بوتين وبترو بوروشينكو، ما يعني أنّ موسكو تحاول أيضاً حَلحَلة الأزمة مع كييف بنحوٍ منفرد بعيداً عن التأثير الخارجي.

لكن في كِلا الحالتين، فإنّ الأمر ليس مرهوناً بكييف لحلّ الأزمة الاوكرانية، ولا بالائتلاف السوري المعارض لاتّخاذ قرارات جريئة في سبيل الحلّ، بل بالعوامل الخارجية التي تُحدّد سياسة هذين الطرفين ومواقفهما. فالائتلاف لا يبدو حتى الآن مستعجلاً لتبنّي خريطة الطريق التي وضعتها روسيا للوصول الى نتائج إيجابية في «جنيف 3».

كما وأنّ مراوحة مواقف كييف لا تزال تدور ما بين التقارب مع موسكو، والقضاء على مؤيّديها شرق البلاد، ما يعني أنّ سياسة اللعب على التناقضات في الوقت الضائع ستبقى العنوان الأساس للمرحلة المقبلة في العلاقات بين روسيا والغرب.