تقترب الموصل العراقية من السقوط، ويقترب حصار الرقّة السورية من الاكتمال استعداداً للزحف الأخير! وفي المكانين كرسحة تامة لـِ«داعش» و«دولته» و«خليفته» المدّعى.. وتكسير لحالة، خفاياها مثل ظواهرها: ملتبسة بقدر إلتباسات إرتكاباتها إزاء النص الديني. ومتعددة الوظائف بقدر تعدّد هويات المستثمرين وأغراضهم!
لكن هذا الـ«داعش» في سقوطه غير ما كان عليه في صعوده. ومن أظهره وغذّاه ومدّه بالعدّة والعتاد والمساحة الجغرافية، ومكّنه من تقنيات الانتشار، هو من يسعى الى سحقه، وإن بمسمّيات مختلفة بحيث حلّ «الحشد الشعبي» مكان نوري المالكي في العراق! فيما لم تستطع غرفة العمليات المشتركة الإيرانية – الأسدية إكمال الحصاد والجنى في سوريا بعد أن جاء الأميركيون خلف الأكراد وقطعوا الطريق على ذلك!
في صعوده كان «داعش» أحط وأخطر علامات مرحلة التنسيق (المفضوح وليس الخفي) بين الأجندة الإيرانية وتلك الأوبامية! ودخل الروس على الخط من باب مزدوج. واحد «سوري» أراد دمغ كل المعارضة بالإرهاب، وكاد أن ينجح! وثان «روسي» وجد في تلك التركيبة التنظيمية الوظيفية الموبوءة نقطة جذب لكل «مشبوه» شيشاني وغير شيشاني، موضوع على لوائح المتابعة والرصد والصيد في موسكو!
عوائد الاستثمار فاضت عن أصحابها وجغرافيتها! وأمكن بكثير من الحرفية المألوفة في أنظمة الطغاة، مدّ بعض تلك العوائد باتجاهات خواصر أوروبية رخوة: مرّة للتخريب العبثي. ومرّة للمعاقبة على مواقف سياسية محددّة إزاء الوضع السوري أو الوضع الأوكراني! ومرّة في سياق إكمال مقومات الدمغ بين الإسلام الأكثري والإرهاب. ومرّة باتجاه تزخيم المعطى القومي – اليميني في ديموقراطيات الرخاء الأوروبي. ومرّة لمجرّد الانتقام من استحضار رئيس دولة أو حكومة أو وزير بارز، توصيفات ومفردات حادة تقارب تلك التي لا تزال توصم بها الى اليوم النازية والفاشية، لوصف الممارسات التي سُجّلت في شرقي أوروبا وحوض المتوسط!
في سقوط «داعش» الراهن، علامة انتهاء تلك المرحلة. لكن لن يسقط وحده! والتناقض الظاهر في المعركة القائمة، عراقياً وسورياً، لن يغطي المآل الأخير: مشاركة «الحشد الشعبي» في الموصل، لن تبرّئ أربابه من التهمة! ولن تعطي أدوات إيران الخارجية، شرعية ما! وكذا الحال على ما هو واضح، في شأن مشاركة «حزب الله» في ذلك «الجهد»، أكان في الداخل السوري، أم من حيث المبدأ!.. والتشخيص ذاته ينسحب على بقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد.
.. مرحلة مليئة بالوضوح. ولا تزال في بداياتها! الله يستر!