يبدو أنّ الحرائق التي بدأ موسمها الاعتيادي في لبنان، ستغدو هي أيضاً من الازمات الخطيرة التي يجب الإضاءة عليها، إضافة الى الحرائق السياسية التي تغلي من اللهيب المستعر على المستويات كافة. أمّا الاسراع في معالجتها فقد أصبح وفق الخبراء البيئيين ضرورة ملحّة وليس ضرورة «ملحوقة»، إذ يرى البعض أنّ الحرائق الفعلية التي التهمت جبال لبنان وما تبقّى من ثروته الخضراء منذ أيام ولا تزال، توازي بأهميتها الحرائق السياسية التي يتكبدها الوطن.
دخل لبنان ضمن نطاق كتلة هوائية حارة بسبب تغيّر المناخ العالمي، إذ إنّ التغيير المناخي سبّب انخفاضاً في المتساقطات والرطوبة وزاد من الجفاف ودرجة الحرارة.
ويلفت الخبراء البيئيون الى أنّ الحفاظ على الغابات العالمية له استراتيجيات خاصة، فيما غابات لبنان متروكة لأيدي الطبيعة، ولا من يحميها. علماً أنّ النفايات المنزلية والصناعية التي ترمى عشوائياً بما فيها زجاجات المياه والبلاستيك و»التنك» وهي على تنوعها وتحت تأثير الشمس، تؤدي الى ارتفاع نسب الحرائق.
اما رزمات النفايات التي لم تنتهي أزمتها حتى اليوم، لا تزال أكياس النايلون المكدسة ضمنها تتخمّر وتتصاعد منها غازات معينة تتفاعل مع الحرارة المرتفعة ما يُمهّد لاندلاع حريق في مكان رَمي هذه الأكياس.
كذلك، ثبت أنّ الاجواء اللبنانية تشهد ارتفاعاً في كمية الكبريت الذي تمتصه أوراق الاشجار والنباتات، وعند يباس الاشجار وتدنّي درجة الرطوبة واي احتكاك بسيط بسبب نسمة هواء خفيفة يؤدي الى اشتعالها من دون تدخل أحد.
ومن أحد أسباب اندلاع الحرائق أنّ النباتات اليابسة تحمل شحنات كهربائية داخل اوراقها تحتك بعضها مع بعض أو تقع تحت تأثير الرياح الشرقية الحارة او الجفاف.
ويستغرب الخبراء البيئيون تعاطي الدولة مع مبدأ الحرائق، خصوصاً أنها تبدأ في الوقت نفسه كل عام مترافقة مع تحاليل مغلوطة، ليطرح السؤال عن سبب اندلاع الحرائق في أحراج لبنان في التوقيت والتسلسل والطريقة نفسها، حتى أنّ التبرير يكون نفسه، فيما الحلول معدومة، واذا وجدت تكون غير صائبة.
ما هو الحل؟
الحل يكون بوَضع استراتيجيات خاصة لأنّ الطبيعة الخضراء في لبنان تتراجع بسبب كثرة الحرائق واتساعها. وفي السياق يوضح رئيس حزب البيئة العالمي ورئيس خبراء حماية الصحة والبيئة العالمية والمرجع والمستشار البيئي الدولي كامل دوميط أنّ الحريق الذي اندلع في جعيتا يعتبر من اهم وأكبر الحرائق التي شهدتها الثروة الطبيعية في لبنان، فيما سياسيوه ينهمكون في الحرائق السياسية ولم يتنبّهوا الى خطورة الحرائق البيئية.
ويدعو إلى وضع استراتيجيات خاصة لأنّ طبيعة لبنان على المحك بعد ازدياد نسبة الحرائق»، مشيراً إلى أنّ «جبل المتين» في بلدة جعيتا يعتبر من اهم جبال لبنان الخضراء ومن المناطق البيئية الغنية التي يحتاجها الوطن، معلناً استعداده لتقديم مشروع الى مجلس الوزراء لأحدث «استراتيجية غابات» تستطيع حماية لبنان بنسبة 95 في المئة من الحرائق.
الخريطة البيئية الجديدة
إلى جانب الحرائق، يواجه لبنان تراجعاً هائلاً في مساحة الغابات والمناطق الحرجية والتنوع النباتي بسبب التمدد العمراني الخطير وشق الطرق المستمر، ما يطرح السؤال: كيف سيكون مشهد لبنان الأخضر بعد اعوام في حال استمر التمدد العمراني وشق الطرق والحرائق في ظل غياب المعالجات والموانع، وفي ظل التآمر على الثروة الحرجية لتستفيد بعض الجهات النافذة، بالإشارة مثلاً إلى أنّ حرج نهر ابراهيم الذي احترق منذ قرابة السنتين خَسّر لبنان كنزاً لا يعوّض فيما يتجه لبنان الى خسارة مستمرة لكنوز من الغابات اللبنانية اذا لم تسارع البلديات والدولة اللبنانية لاتخاذ خطوات متقدمة من خلال وضع استراتيجيات صائبة لأنّ الحل في لبنان تحديداً لا يكون بحسب الخبراء بشراء طائرات إطفاء الحرائق.
هل الطائرات هي الحل؟
ويسأل الخبراء عن جدوى شراء الطائرات لمكافحة الحرائق في ظل الحديث الرسمي اليومي عن المشاكل التي تعانيها موازنة الدولة؟ وعن مدى معرفة الدولة وإطّلاعها على طرق المعالجة والمكافحة؟ ويتساءلون: هل يمكن للدولة تحمّل نفقات وتبعات شراء طائرات لمكافحة الحرائق في لبنان؟
ولماذا الذهاب الى التكلفة العالية بدلاً من البحث عن استراتيجيات للمكافحة والمعالجة؟»، موضحين أنّ «توظيف بعص العمال في الغابة لِلمّ الكميات الهائلة من الحطب لكي تباع بأسعار مرتفعة وكذلك لانتاج الفحم وتحويل الاغصان والاوراق سماداً عضوياً، يدخل للدولة كنوزاً كثيرة فيما شراء الطيارات يكبّدها أثماناً أعلى خصوصاً لجهة الدولة على تحمّل نفقات صيانة الطائرات، وعلى رصد ميزانية بتكلفة عالية في ظل عجز الموازنة، خصوصاً أنّ التكلفة عند إقلاع الطائرة باهظة جداً، وهو الأمر الذي يبسّطه البعض ولا يدرك تكلفته البعض الآخر يالإشارة الى أن الطائرة لا يمكنها الإقلاع مباشرة عند اندلاع الحريق قبل التأكد من سلامتها، وهذا الوضع الذي يتطلّب بالإضافة الى الكلفة المتواصلة، وقتاً اضافيّاً وقد تطول مدة المعاينة في الوقت الذي تلتهم سرعة ألسنة النار الأحراج ولا تنتظر بالتالي الطائرات حتى تجهز.
امّا المشكلة الاكبر فهي اذا ركنت الطائرات لمدة سنة أو سنتين وتوقفت عن العمل كما يحصل مع الطائرات القابعة اليوم في أرض المطار وقد أصبحت غير صالحة للعمل بسبب موانع الصيانة والدعم المادي فهنا تتفاقم المشكلة بالإضافة إلى نفقات راتب قائد الطائرة وكيف سيتعامل مع الحرائق وهل سينتظر الحرائق داخل الطائرة وأين وكيف يتأهّب».
ويشدد الخبراء على حاجة لبنان إلى «استراتيجية مائية واستراتيجية احراج واستراتيجية بيئية واستراتيجية نفايات بما في ذلك استراتيجيات الشواطئ والأنهر».
سبل معالجة خاطئة
امّا عن سبل إطفاء الحرائق، فينتقد دوميط مشهدية المروحيات التي تنقل المياه من البحر لإطفاء الحرائق، «لأنهم بذلك يطفئون الحرائق ويقتلون بالمياه المالحة البذور الصالحة التي تعيد إنبات الثمرة او الشجرة، وبذلك تطفئ المياه الحريق فيما تحرق الاملاح ما بقي حياً من أشجار أو ثمر او بذور، وبدلاً من معالجة المشكلة، نقع في مشكلة أخطر وأكبر». ويلفت إلى أنّ «رمي المياه من مستويات عالية في الجو يجعلها تسقط كالبخار وتتحول ذراتها الى أوكسيجين يزيد الحريق».
في غياب الاستراتيجيات وفي ظل أزمة النفايات التي قد ستعود وتتأزم في أي لحظة لتحرق معها البلد سياسياً وبيئياً، يواجه الشعب أزمة خطيرة تهدد بالقضاء على ما تبقى من مساحات خضراء من جهة وتهدد المواطن بحياته وصحته من سمومها المسرطنةمن جهة أخرى، فماذا تنتظر الدولة لتستعين بالخبراء والاختصاصيين لإيجاد الحلول المناسبة، فيما نرى المسؤولين يتقاذفون التهم ويقفون عاجزين حتى لا تحترق جيوبهم؟