إنطلاقة الحكومة الجديدة حاجة ماسة لكل الأطراف وحملات التصعيد لن تعيقها
عناوين وشعارات حملة جنبلاط ضد الحريري تخفي وراءها أهدافاً وطموحات أخرى
«العناوين التي يتلطى وراءها جنبلاط لإنتقاد الحريري أو التهجم عليه ليست هي المقصودة وإنما تخفي وراءها أموراً ومسائل أخرى يسعى إليها للحصول على مبتغاه»
ليست المرة الأولى التي تتوتر فيها العلاقات بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بل إنها تأتي في سياق متسلسل من التباينات التي سادت العلاقات بين الزعيمين طوال المرحلة التي أعقبت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط 2005 وتخللها فترات من الصعود والهبوط في هذه العلاقات والتهدئة الظرفية التي لا تلبث ان تعيد التوتر من جديد.
ولكن لماذا تزامن التصعيد الكلامي والتهجم على الرئيس الحريري لدى التحضير لانطلاقة الحكومة الجديدة بعد مرحلة طويلة استغرقتها عملية التأليف أدت إلى إضاعة العديد من الفرص وتأخير البدء بالخطوات المطلوبة لإعادة انعاش الوضع الاقتصادي.
يلاحظ انه منذ حصول التسوية التي أدّت إلى انتخاب العماد عون رئيساً للجمهوري وتأليف حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الحريري قبل أكثر من عامين وجنبلاط لا يوقف انتقاده للحريري باعتباره مسؤولا عن اجراء هذه التسوية التي اوصلت عون للرئاسة، ولولا موافقة الحريري على هذه التسوية لما كان بإمكان عون تبوأ الرئاسة الأولى.
وهكذا لم يتم تطبيع العلاقات بين الطرفين على خلفية انتخاب عون للرئاسة خلافاً لرغبة جنبلاط وفريقه، في حين كانت تتظهر هذه الخلافات في المواقف والتصريحات الجنبلاطية على هامش اجتماعات مجلس الوزراء، وفي بعض الأحيان بداخله، وكانت الانتقادات تتجدد باستمرار ضد الرئيس الحريري للاعتقاد بأنه المسؤول عن هذا الواقع السياسي ولا سيما ما يتخلله من «تسويات» متتالية مع التيار العوني إن كان يخص مسألة الكهرباء مثلا أو التعيينات في المراكز الأولى وغيرها من المسائل والأمور المهمة في الدولة إلى ان تمّ إقرار قانون الانتخابات الجديد الذي اعتبره جنبلاط بأنه يصب في خانة خصومه السياسيين باعتباره يسهل فوزهم بالانتخابات النيابية وهو بالمجمل ليس لصالحه كما كان القانون الأكثري، وهو بالتالي يحمِّل الرئيس الحريري مسؤولية الاتفاق مع الوزير جبران باسيل لانجازه، ولولا هذا التوافق لما كان بالإمكان وضع هذا القانون النسبي موضع التنفيذ العملي.
ومنذ ذلك، لم تهدأ الأمور بين الرئيس الحريري وجنبلاط، وكادت التهدئة التي سادت بعد الانتخابات ان تكون أطول نسبياً بعدما أيد الرئيس الحريري مطلب جنبلاط في الحصول على ثلاثة وزراء دروز من حصته بالتشكيلة الجديدة، باعتباره فائزاً بأكبر عدد من النواب الدروز بالانتخابات، ولكن بعدما اودع جنبلاط الرئيس عون ثلاثة أسماء ليختار واحداً كوزير منهم يكون مقبولاً منه ومن خصومه، على أمل ان تؤدي هذه الخطوة إلى تقارب أكثر مع رئيس الجمهورية من قبل، ولكن ذلك لم يتحقق لأسباب عديدة، عادت العلاقة بين جنبلاط والحريري إلى التوتر من جديد بعد صدور التشكيلة الوزارية بساعات، بعدما اعتبر جنبلاط ان وضع اللمسات الأخيرة على التشكيلة الحكومية حصل بمعزل عنه أو لم يراعِ بعض مطالبه، وهكذا عاد للهجوم على الرئيس الحريري قبل ان يجف حبر مراسيم إصدار الحكومة الجديدة.
وبالطبع فإن العناوين التي يتلطى وراءها جنبلاط لانتقاد الحريري أو التهجم عليه من وقت لآخر ليست هي المقصودة بمعظمها وإنما تخفي وراءها اموراً ومسائل أخرى يسعى للوصول إليها جرّاء ذلك، ويسعى من وراءها للحصول على مبتغاه، إن كان في المطالب، أو مكاسب معينة أو شراكات سلطوية.
وهذه المرة اختار بدء انطلاقة الحكومة الجديدة التي يتعطش النّاس لانطلاقتها بسرعة كي تتمكن من المباشرة في معالجة تراكمات المشاكل والمسائل التي خلفتها مرحلة التسعة أشهر التي استغرقتها عملية تشكيل الحكومة، لعل هذا التوقيت يكون ملائماً لتحقيق ما يرمي إليه.
صحيح ان مثل هذه المناكفات السياسية والتشنج السياسي قبيل انطلاقة الحكومة يشوش على نفوس النّاس، ولكن تأثيره السلبي يبقى محدوداً، لأن انطلاقة الحكومة ومباشرتها بمهماتها أصبحت حاجة ماسة لكل الأطراف الآخرين وللناس عموماً من دون استثناء ولان معظم الأطراف متوافقة مع بعضها لإنجاح مهمات الحكومة الجديدة التي يرمز مؤشر تشكيلها المعقّد في هذه الظروف الصعبة إلى عوامل اقوى من حملات التوتير والتويتر والتهجم السياسي غير المبرر.