1) في زمن يحتدم فيه الصراع الأميركي – الإيراني ويتشوّش العقل نتيجة رواسب أفكار سابقة أو مسبقة أو معلومات مضللة، وبغض النظر عن عداوة أميركا للجمهورية الإسلامية في إيران، مشكلة لبنان الرئيسية تكمن في أنه مختطف من إيران عبر حزب الله. ويذكر في هذه المناسبة أن الحركة السيادية لم تتوقف من أجل إخراج الجيش الأسدي من لبنان سابقاً بالرغم أن المجتمع الدولي والعربي بكاملهما وكذلك إسرائيل وافقوا جميعاً على سيطرة النظام السوري بالكامل على كافة مفاصل الدولة في لبنان.
2) تصرّف السيد نصر الله في إطلالته يوم الجمعة كالآمر الناهي في لبنان وكناطق رسمي بإسم إيران. ولا بد هنا من الإشارة أن التسوية – الصفقة بين بعض 14 آذار المتوفية وحزب الله ساهمت، إلى جانب تغيير موازين القوى لبنانياً وإقليمياً لصالح المحور الإيراني، إلى وصول الوضع في لبنان إلى ما هو عليه اليوم.
وقد شتتت هذه التسوية – الصفقة المعارضة تحت شعار إنقاذ البلاد والواقعية السياسية. فكانت النتيجة ان لبنان بات على شفير الهاوية إقتصادياً ومالياً وبات الفاسدون وشركائهم يحاربون فساداً يستشري ويتحاصصون ويستعدّون لاستغلال مما سيتيسّر من أموال سيدر، إذا تحقق، ويستنبطون موازنة ليس فيها أي إصلاح ولا تلحظ وقف تهريب البضائع عبر مرفأ بيروت ومطار بيروت لصالح الجهة المسيطرة ولا تلحظ أي سد لثغرات استنزاف الدولة وهي لا تضرّ بمصالحهم بل تحمّل الشعب تبعات سرقاتهم للمال العام وفسادهم وتمويل زبائنيتهم السياسية.
ولنكن صريحين ونسمّي الأشياء بأسمائها. لم يعد صحيحاً توصيف الوضع في لبنان بأن ثمّة تناقد بين الدولة والدويلة أو أن الدويلة تحاول أن تبتلع الدولة أو تسيطر على قرارها. والحقيقة هي أن دولة لبنان باتت دولة حزب الله.
فبات له الأغلبية البرلمانية كما صرّح الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، عند إنتهاء الإنتخابات النيابية، علماً أن الحزب يشكّل العمود الفقري لهذا الفيلق.
كما أن رئيس الجمهورية اللبنانية هو حليف إستراتيجي وتكتيكي لحزب الله كما هو في الواقع وكما صرّح السيد نصر الله في إحدى طلّاته الإعلامية.
أما الحكومة، فحدّث بلا حرج: له أغلبية 18 وزيراً بالإضافة إلى أن باقي الوزراء خاضعين له أو يسايرونه أو لا يجرأون على مناقدته.
فإلى جانب سطوته على قرار المؤسسات الدستورية الثلاث للدولة اللبنانية، لا يوجد مسؤول في أي إدارة أو مؤسسة مدنية أو غير مدنية في الدولة اللبنانية، لا يسأل نفسه عند إتخاذ أي قرار إذا الحزب سوف يرضى عنه أم لا. وهذا يعني أنه يمارس نوعاً من أنواع من الرقابة الذاتية.
فلا خلاص للبنان طالما هذه الطبقة السياسية الفاشلة بمكوّناتها كافة متربّعة على عرش السلطة تحت سطوة حزب الله.
3) شرح السيد نصر الله بإسهاب نظرية الردع المتبادل بين لبنان وإسرائيل في ظل المعادلة الثلاثية المقدسة (جيش، شعب ومقاومة)، وذلك لـ «يطمئن اللبنانيين» أن لا خطر من إندلاع حرب مدمّرة مع إسرائيل. والحقيقة أن حزب الله لن يقحم نفسه في الحرب مع إسرائيل إلا في حال تعرّض النظام في إيران للخطر. فتتحقق حينذاك نبوأته أن المنطقة كلها ستشتعل.
لا حماية حقيقية للبنان ولغاز لبنان وسمائه إلا من خلال دولة قادرة سيدة حرّة مستقلة بكل مؤسساتها وأجهزتها المدنية وغير المدنية، خارجة عن الإصطفافات الإقليمية، متصالحة ومتناغمة مع الدول العربية وتنفذ القرارات الدولية ذات الصلة، ولا سيما القرارين 1559 و1701.
4) يتبيّن بوضوح أن حزب الله متمسّك بالحكومة وبرئاسة الحريري لها وبمكوّناتها كافة، لما تشكّل هذه الحكومة من حماية له من أميركا وحلفائها وأصدقائها في المنطقة، وقد تحاشى السيد نصر الله من إقحام الدولة في إتخاذ موقف الدفاع تجاه العقوبات الأخيرة. أما بالنسبة لأحداث الجبل، فإلى جانب مسبباتها اللبنانية، فهي شكّلت رسالة من حزب الله إلى من يهمّه الأمر في الداخل والخارج أنه ممسك بورقة الإستقرار الأمني والسياسي في لبنان بمعنى أن بإمكانه تخريبه أو تصليبه حسب ما يشاء.
الطريق وعر وشاق للوصول بلبنان الحبيب إلى شاطئ الأمان، ولكن بالنهاية لا بد من أن ينجح اللبنانيون في إعادته إلى ماهيته الحقيقية وإلى التعافي الكامل.