Site icon IMLebanon

ماذا بعد إنتهاء صلاحية الدولة

 

 

لم نكن بحاجة للعبارات المقتضبة التي وردت في الكلمة الوداعية لسفيرة الولايات المتّحدة إليزابيت ريتشارد لدى خروجها من قصر بعبدا لندرك أنّ لبنان يقف أمام نقطة تحوّل، وأنّ المواطنين الذين خرجوا إلى الشوارع في 17  تشرين الأول 2019 للمطالبة بالأفضل من حكومتهم، هم على حق.

 

لم تكن ريتشارد سابقة لعصرها أو متدخلة في الشأن الداخلي اللبناني أو مجحفة بحق من تسلّموا السلطة في لبنان عندما قالت : «أنّ الجميع يدرك أنّ النظام لم يعد يعمل، وأنّه لا يوجد هناك سبب لهذا البلد المبارك بالعديد من النًّعم، بما في ذلك الموارد البشرية المذهلة، بأن لا يكون لديه في العام 2020 نظام حديث لإدارة النفايات، وكهرباء للجميع لأربعة وعشرين ساعة سبعة أيام في الأسبوع، وكذلك قوة مسلّحة واحدة تحت سيطرة الدولة واقتصاد متنامي».

 

يتلمس اللبنانيون كلّ يوم تلاشي الشخصية القانونية للدولة اللبنانية، لجهة عدم قدرتها على التمتع بالحقوق وتحمّل الإلتزامات بشكل مستقل عن الأشخاص الذين يمارسون السلطة. ويتلمسون تراجع سلطتها على الأفراد والهيئات والكيانات داخل حدودها، وعدم تحملها الإلتزامات الدولية وخضوعها. هم لا يدركون فقط عجز السلطة عن تنفيذ الإصلاحات وإنقاذ الإقتصاد وسداد الديون والتعامل مع تداعيات تفشّي فيروس كورونا، بل ويرون بأمّ العين نموذجاً واحداً موحداً في مقاربة الأمور عنوانه إنتهاء صلاحية أي حكومة ومعه سقوط الدولة برمّتها. قرارات السلطة هي دائماً أسيرة تقييدات حزب الله، سواء في كيفية التعامل مع صندوق النقد الدولي أو في اتّخاذ إجراءات للتعامل مع الوباء الفتاك من جهة، ومن جهة إخرى أسيرة العجز عن الخروج من منظومة المحاصصة التي تفرضها سطوة القوى المهيمنة. وفي غياب أي إدراك لتداعيات عدم سداد سندات اليوروبوند أو للتداعيات الإقتصادية والصحية والتربوية المترتبة على تحويل لبنان الى بلد موبوء، تقف السلطة اللبنانية عاجزة عن إظهار الحدّ الأدنى من الرغبة في وقف الهدر في مرافق، يعلم القاصي والداني أنها إقطاعات لتمويل القابضين على السلطة، فتوكل معالجة مسألة الكهرباء الى لجنة ثلاثية مشكّلة من القوى المستأثرة بالقطاع فيما يذهب الوزير باسيل لإطلاق نظرياته المستحدثة في اللامركزية المالية التي تحاكي أحلاماً تقسيمية دفنها اللبنانيون الراغبون في بناء وطن.

 

الحدود التي وضعتها ريتشارد لمستقبل السلطة والحوكمة في لبنان بالكلام عن «فرصة تاريخية للشعب اللبناني لقلب الصفحة ورسم مسار جديد يجعل هذا البلد يدرك كامل إمكاناته كعضو حديث ومزدهر في المجتمع الدولي» يعيدنا بالذاكرة الى ايلول 1988 عندما كان الموفد الأميركي الى دمشق ريتشارد مورفي يفاوض النظام السوري على إسم الرئيس العتيد، وكانت جملته الشهيرة للرئيس أمين الجميل بالنتيجة «إما مخايل الضاهر وإما الفوضى». اختار المسيحيون متحدين يومها الفوضى رافضين التسوية الدولية التي صاغتها الولايات المتّحدة مع وكيلها الإقليمي الرئيس حافظ الأسد، وكان لوريث عرش المارونية السياسية المتهاوي رهان إقليمي على الرئيس صدام حسين في لحظة إجماع دولي على إسقاطه. أسقط صراع المسيحيين الدولة من الداخل وأسقطها خيارها الإقليمي من الخارج فأنهى الرئيس الأسد وكيل الولايات المتّحدة الإقليمي آنذاك حالة التمرد على الدستور الجديد.

 

الدولة اللبنانية التي تقف الآن أمام نقطة تحوّل والتي أسقطها من الداخل اللبنانيون الذين تجمعوا على حق في الساحات والراغبون في طيّ الصفحة، واختارت السير في عكس موازين القوى  الدولية، يتعرض حليفيها الإقليميين سوريا وإيران لأشدّ الضربات الميدانيّة ولأقسى العقوبات في خضمّ الصراع الدولي المفتوح في شمال سوريا والعراق وظهور شراهة روسية أميركية لإنهاء نموذج الحروب بالواسطة.

 

لقد شارفت فعلاً صلاحية هذه الدولة على النهاية، فهل يغتنم اللبنانيون الفرصة لقلب الصفحة؟؟

 

* مدير المنتدى الاقليمي للاستشارات والدراسات