امتناع الدولة عن تسديد عائدات الصندوق البلدي المستقل لا تفسير له إلا إمعاناً من الدولة في تحميل الفئات الأكثر ضعفاً وتضرراً من السياسات الاقتصادية مسؤولية فاتورة «الإصلاح» لخفض عجز الخزينة. وإذا كان المسّ برواتب موظفي القطاع العام لا يزال «قيد النوايا»، فإن حرمان موظفي البلديات وعمّالها من رواتبهم أمر واقع منذ 14 شهراً
يفتتح موظفو البلديات الأسبوع المقبل بالإضراب عن العمل للمطالبة بتحويل عائدات الصندوق البلدي المستقل التي لم تدفع منذ عامين. في ساحة رياض الصلح، الحادية عشرة قبل ظهر الاثنين المقبل، سيعتصم الممسوسون بلقمة عيشهم، ممّن يحملون تصنيفات وظيفية هجينة، من «مياومين» و«أجراء» و«متعاقدين» و«عالفاتورة»… مطالبين الدولة بالإفراج عن أبسط حقوقهم: راتب آخر الشهر.
أواخر عام 2016، تلقّت البلديات آخر دفعة من عائدات الصندوق البلدي المستقل… وبعدها «كان وجه الضو». وكان وزير الداخلية والبلديات السابق نهاد المشنوق قد وقّع مشروع مرسوم توزيع عائدات الصندوق لعام 2017، وقبل أسبوعين، أعادت وزيرة الداخلية الحالية ريّا الحسن توقيعه وأحالته إلى وزارة المال، التي أحالته بدورها إلى مجلس الوزراء. إلا أنه في المحطة الأخيرة احتجز، ولا يزال. في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، عندما سأل النائب آلان عون عن سبب عدم صرف أموال الصندوق المستقل للبلديات، أجيب بأنه ليس ضمن الأولويات. هكذا، فإن حقوق 50 ألف موظف يعملون في حوالى 1100 بلدية ليس ضمن أولويات الدولة. الأولويات نفسها التي من بينها المسّ برواتب موظفي القطاع العام وشرعنة سرقة المال العام من خلال مشروع قانون يقضي بإعفاء 14 من كبار مكلّفي الضرائب من دفع الغرامات المتراكمة عليهم والتي تصل إلى نحو 115 مليون دولار.
700 مليار ليرة لبنانية هي قيمة عائدات الصندوق البلدي عن عام 2017. كان من المفترض أن تسدّد خلال شهر أيار من عام 2018، على أن يلحقها تلقائياً السير بمشروع مرسوم العائدات لعام 2018، إلا أنه لا شيء سار وفق الصيغة القانونية. وهو ما دفع الكثير من البلديات، ولا سيما البلديات في المناطق الصغيرة والقرى ــــ التي لا تملك مورداً ثابتاً كالجباية ــــ إلى المقاومة باللحم الحي. لكن، ثمانية عشر شهراً كانت كافية لرفع الراية البيضاء. بلدية بدنايل في بعلبك، مثلاً، توقفت عن دفع رواتب موظفيها منذ أربعة عشر شهراً، فيما أقفلت بلدية كفرحمام (قضاء حاصبيا) أبوابها بعدما توقفت عن دفع رواتب موظفيها أيضاً. كما أقفلت أبواب اتحاد بلديات المتن الأعلى أيضاً لعدم قدرته على سداد حقوق الموظفين. ثلاثة نماذج، لكنها ليست الوحيدة. ثمة بلديات «على الطريق»، يقول فادي نصر الله، أحد مؤسسي تجمع العاملين في البلديات وأحد المنظمين لاعتصام «صرخة حق» الاثنين المقبل. هكذا، يأتي الاستسلام بالتدريج. كلما ماطلت الدولة في دفع عائدات الصندوق للبلديات، تسقط بلدية أخرى، حتى لا يبقى سوى بلديات المدن الكبرى التي يمكن لأصابع يدٍ واحدة أن تحصيها.
بلديات واتحادات أفلست وبعضها أغلق أبوابه أو على طريق الإقفال
أكثر من 20 ألف موظّف وعامل من الخمسين ألفاً، حتى اليوم، بلا رواتب بسبب احتجاز الدولة مستحقاتهم… والحبل على الجرّار. بعضهم لا يزال يداوم على أمل تحصيل راتبه الذي لم يدفع منذ أشهر، ومنهم من سيكون آخر راتب له نهاية هذا الشهر، ومنهم من استسلم. بالنسبة إلى هؤلاء، وفي ظلّ هذا الواقع المأسوي، «الراتب يعادل الكرامة»، يقول نصر الله. وليس في الأمر مبالغة لمن لا يملكون سوى راتب آخر الشهر لسد حاجات عائلاتهم. لهذا، يحضّر هؤلاء لـ«صرخة حق» في ساحة رياض الصلح للمطالبة بتحصيل عائدات الصندوق، علماً بأن هذا الأخير ليس سوى بداية أزمتهم التي تمتد لتطاول الغبن الذي لحقهم من القانون 46 (إقرار سلسلة الرتب والرواتب). إذ إن تحصيل موظفي البلديات للدرجات الثلاث التي أقرها القانون يرتبط بقرارات المجالس البلدية، وهو ما يعد بمشكلة قادمة. ثمة مطالب أخرى أيضاً تتعلّق بتقديمات الدولة الغائبة عن هؤلاء الذين يأتون في أسفل السلّم الوظيفي، وهي التقديمات التي لا يزال أمامهم نضال كبير لتحصيلها. كل ذلك متروك إلى ما بعد الاثنين الذي «سيحسم الوجهة، وما إذا كنّا سننجح في مطالبنا». وهذا رهن بطبيعة الحال بمن سيشاركون، وبحجم المشاركة؟ وهي أسئلة مشروعة في ظلّ الحديث عما لا يقل عن 80% من الموظفين غير الثابتين في موقعهم الوظيفي، والمرهونة قراراتهم لرؤساء بلدياتهم وللأحزاب من بعدها.