التوافق الدولي ــ العربي كما اللبناني لم يحصل في ظلّ عالم مُشتعل بحروب
لم يكن يؤمل من «اللجنة الخماسية» التي عقدت اجتماعها الثاني في الدوحة، بعد اجتماعها الاول في باريس في 6 شباط الماضي، سوى بيان هو تكرار لمواقف الدول المعنية بلبنان، والتي جمعها كاطار لما هو مطلوب لحل ازمة انتخاب رئيس الجمهورية، ومعه ايضا الازمات الاخرى التي يمر بها لبنان والمرتبطة بملفات اساسية، كالاصلاح ومواصفات رئيس الجمهورية، وتطبيق القرارات الدولية وتنفيذ اتفاق الطائف.
بيان الدوحة، هو استنساخ لبيان باريس، واستكمال للبيان الثلاثي الذي صدر عن اميركا وفرنسا والسعودية في ايلول الماضي، وشدد على تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الامن الدولي، لا سيما 1559 و1630 و1701 واخرى ذات الصلة، الصادرة ايضا عن جهات دولية واقليمية وعربية.
وتوسع اللقاء من ثلاثي الى خماسي لتنضم اليه كل من مصر وقطر، لادخال عنصر التوازن اليه، في حين ان البعض اقترح ايران لتكون عضوا في «اللجنة الخماسية»، بعد المصالحة السعودية – الايرانية، لكن اميركا تضع «فيتو» عليها، كما انها غير مرتاحة لعمل اللجنة، وفق ما تكشف مصادر مطلعة على الاتصالات الخارجية بشأن لبنان، اذ ثمة تباعد بين الاطراف التي تتحرك لحل الازمة اللبنانية، ولكل طرف مصالحه، تقول المصادر، لان المشكلة هي في توافق اللبنانيين، كما في تفاهم القوى الخارجية، التي لم تنجح بعد في ايجاد قواسم مشتركة فيما بينها، لا على اسم الرئيس كما على البرنامج وما هو مطلوب من لبنان، فقد اتفق على «رئيس يجسد النزاهة ويوحّد الامة»، لكن دون تحديد هويته.
لذلك، فان ما تعانيه «اللجنة الخماسية» من عدم الوصول بعد الى تفاهم، هو نفسه ما يحصل مع القوى اللبنانية، التي تنتظر الخارج للاتفاق على حل للداخل، في وقت ترمي اللجنة حل الازمة على اللبنانيين، وتنذرهم بعقوبات التي سبق وحصل فرضها على شخصيات سياسية، تحت مسميات واسباب عدة، حيث اعاد المجتمعون في الدوحة الكرة الى الملعب اللبناني واللاعبين فيه، اذ قدم كل من شارك في اجتماع «اللجنة الخماسية» مقاربته وتقييمه للازمة في لبنان، وكان الرأي مجمعا بان لا حل لبنانيا، بل سيأتي من الخارج كما حصل في «اتفاق الطائف» عام 1989، وفي مؤتمر الدوحة عام 2008، اذ لم يكن رئيس الجمهورية صناعة لبنانية، بل بمواد صناعية خارجية، وتجميع في لبنان.
من هنا، فان الحل غير منتظر من الداخل اللبناني، الذي فشلت فيه الدعوات للحوار، كما التوافق على اسم رئيس الجمهورية ومواصفاته، اضافة الى ان كل طرف متمترس وراء مرشحه او مطالبه، حيث يستدعي اللبنانيون من يساعدهم من الخارج، وهو ما كان يحصل مع كل استحقاق رئاسي منذ العام 1943 وحتى الانتخابات الرئاسية الحالية. كما تدخل الخارج في اشعال حرب داخلية بين اللبنانيين، الذين ما زالوا مختلفين على هوية لبنان وشكل نظامه، وتُفرض عليهم تسوية بقرار خارجي، فحوّلوا لبنان ساحة صراع دول ومشاريعها.
وما خرج به اجتماع الدوحة هو توصيف للازمة اللبنانية، والتي يرى اعضاء اللجنة الحل بما يتفق مع مشاريعه، اذ تنشط اميركا لتطبيق القرارات الدولية التي تنزع سلاح المقاومة، والسعودية تريد تنفيذ كل بنود اتفاق الطائف، وفرنسا تسعى الى الاصلاح، ومصر تعمل لتوافق بين اللبنانيين، في حين ان قطر تريد استنساخ مؤتمر الدوحة عام 2008، الذي اقام طاولة حوار بين القوى السياسية الاساسية اللبنانية، وانتج اتفاقاً هو اشبه بتسوية اتت بقائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، مع نيل قوى 8 آذار آنذاك الثلث الضامن في الحكومة والاطراف المسيحية، قانون انتخاب على اساس القضاء، وهو كان مطلب بكركي والذي كان معمولا به من العام 1960، وادخلت عليه تعديلات بعد اتفاق الطائف، الذي نص على المحافظات كدوائر انتخابية والوصول الى قانون انتخاب خارج القيد الطائفي.
فالتوافق الدولي – العربي، لم يصل اليه اعضاء «اللجنة الخماسية» بشأن حل الازمة اللبنانية، ومنها الرئاسية التي هي بانتظار حصوله، وهو بحاجة الى ترتيب اوضاع بين الدول المكونة للجنة، ورؤية التحولات التي تجري في العالم المتجه الى تعدد اقطاب فيه، والى اين ستصل الحروب المشتعلة سواء الحرب الروسية – الاوكرانية، او في اكثر من منطقة سواء في العالم العربي او افريقيا كما شرق آسيا، اذ تعيش الكرة الارضية حربا عالمية ثالثة، كما يصفها اكثر من مسؤول دولي، ويخشى ان تتحول الى نووية فتقع الكارثة، حيث يعيش البشر ازمة مناخ وتحول بيئي مع ارتفاع التصحر، اضافة الى ازمة غذاء وازدياد الفقر والجوع.
فلبنان هو نقطة على خارطة العالم، والوقت الذي تعطيه له دول وبعضها كبيرة لحل ازمته، يجب ان يستفيد منه اللبنانيون في تسريع حوار داخلي، يلاقي الخارج بالدستور والاصلاح السياسي والاقتصادي.