IMLebanon

قصة الطموح بين الحكام والحواجز العسكرية

 

ثلاثي السلطة ام الامتحان الكبير:

النظام ام الاستسلام لمشيئة الاحداث؟

كان الرئيس سعد الحريري يتابع زيارته الاوروبية الحديثة، عندما راحت التكهنات السياسية، تصول وتجول، حول وجود ازمة حادة بين اهل الحكم، وان كانت لا تزال في الصدور والعقول، بانتظار عودته من مدريد الى بيروت. وهذا ما جعل الرئىس نبيه بري يطير في تحديد مواقفه من قضية الى اخرى.

وآخر ما شغل به رئيس البرلمان استعداده لتشريع زراعة الحشيشة في البقاع، لاسباب طبية، لا لاغراض تجارية، عندما قررت الحكومة في عهد الرئىس سليمان فرنجيه الغاء زراعة الحشيشة واستبدالها بزراعة اخرى.

والوزير الراحل خاتشيك ببكيان اظهر يومئذ حماسة للفكرة لان الاستغناء عن زراعة حشيشة الكيف لا بد منه باللجوء ال زراعة بديلة حسب القانون.

والرئيس سليمان فرنجيه هو من أهم رواد التغيير على القانون وقد صارح الرئيس صائب سلام بأن التغيير على القانون، هو الذي ينقل لبنان من الفوضى والاطماع الى الانتظام القانوني.

في اثناء تأليف الحكومة الاولى في عهده، نشبت صراعات حادة حول طبيعة تشكيل الحكومة، ويومئذ اتفق الرئيسان سليمان فرنجيه وصائب سلام، على اختيار الدكتور اميل بيطار ليتولى وزارة الصحة العامة. وبعد مدة طلع وزير حكومة الشباب بشعار كبح جماح تجار الدواء، وجعله في متناول المواطنين، ووقفت البلاد، من ادناها الى اقصاها الى جانب بيطار، الذي سارع الى اقفال عيادته في محلة القنطاري، ليجعل الدواء في متناول الناس، وفجأة صعد الوزير بيطار الى القصر الجمهوري في بعبدا وقدم استقالته الى الرئىس فرنجيه.

لماذا، كانت الاستقالة؟

 

الجواب، لان معظم اعضاء حكومة الشباب يقفون ضده، حاول رئيس الجمهورية تهدئة الوزير لكنه وجد قراره نهائي، واوضح وزير الصحة لرئيس الجمهورية بأن رئيس مجلس الوزراء طلب منه العودة عن قراره، ولانه لا يريد خلافا بين اركان الحكم، قرر الرحيل الى عيادته الواقعة على مسافة قريبة من جامعة هايكازيان الارمنية.

بعد عدة اشهر نقل الدكتور اميل البيطار، نجل الزعيم السياسي في بلاد البترون ميكائيل بيطار الى المستشفى، وقيل انه مات بدواء تناوله وبقي منه اسم مستشفى البترون الذي اطلق اسمه عليه، تخليداً للوزير الشاب بعد رحيله.

هل تشهد البلاد ازمة حادة حول تشكيل الحكومة الجديدة، وهل عادت حنه الى عادتها القديمة، وعاد رؤساء الحكومة السابقون فؤاد السنيورة نجيب ميقاتي وتمام سلام، الى تأييد مطلق للرئيس سعد الحريري، مع ان هذا الاخير، رد قبل سفره الى الخارج، انه متفق مع رئيس الجمهورية وهو لن يعتذر ولن يستقيل، وان تفاهمه مع رئيس الجمهورية، اقوى من التباين معه حول طبيعة الحكومة، لماذا يريد رؤساء الحكومات السابقون، العودة الى الاساليب السابقة في العلاقات بين رئيس الجمهورية ، وكل رئيس مكلف بتشكيل الحكومة الجديدة.

في منتصف السبعينات برزت مفاجأة في الانتخابات النيابية، عندما ظهرت المنافسات الانتخابية بين المرشحين وابرزهم القاضي جبرائيل خلاط الارثوذكسي الذي كان يود الانضمام الى لائحة الرئيس رشيد كرامي، وكان منافسه الدكتور عبد المجيد الرافعي يريده على لافتة مع الدكتور عمر البيسار ومصطفى الصيداوي.

ارسل جبرائيل خلاط نجله الى الوزير الشهيد طوني فرنجيه المقيم في طرابلس، ليتشاور معه حول الموضوع، الا ان وزير الاتصالات يومئذ ابلغه بان والده هو الان رئيس للجمهورية ولا يتدخل في هذه المواضيع، وسط سريان اشاعات بان رئيس كتلة نواب طرابلس، قد يتحالف مع المرشح الارثوذكسي الاخر موريس حبيب فاضل، الذي ترشح ضده عدة مرات في المعارك السابقة.

ويبدو ان انصار الرافعي تسرعوا وحملوا على موريس فاضل الموجود في بيروت، والعازف عن الترشيح مما جعله يقطع ابتعاده عن الفيحاء ويعود الى طرابلس وينضم الى قائمة رشيد كرامي، والدكتور هاشم الحسيني والدكتور امين الحافظ.

ويومئذ ذهب رجل نافذ في المدينة وسأل الرئيس رشيد كرامي عن سبب اختياره للسيد موريس فاضل، واستبعاده جبار الميناء فؤاد البرط عن لائحته، فأجاب بان شعوره وحدسه السياسي يقولان له ان الدكتور عبد المجيد الرافعي سيتفوق عليه ولذلك استبعد البرط واخذ نيابة عنه من ميناء طرابلس مرشحا ينتمي الى عائلة علم الدين وغير معروف سياسيا وبعد انجلاء المعركة نال عبد المجيد الرافعي اصواتا اكثر مما نال رشيد كرامي وسقط المرشح علم الدين.

والعلامة الفارقة في تلك الحقبة، كان ظهور شاب في المدينة صديق للرافعي ويحوز على احترام الجميع هو حسين ضناوي الذي يلتئم حوله افذاذ من ابناء المدينة ابرزهم الاستاذ فايز السنكري وهو مدير احد الفروع المصرفية في العاصمة الشمالية.

وبدأ حسين ضناوي يكتب المقال الافتتاحي في الصحيفة اليومية الوحيدة في طرابلس الا انه احجم عن المتابعة، لانه شعر ان مقالاته لا تروق لصاحب الصحيفة الذي لم يظهر اي ملاحظة سلبية له.

بعد ذلك توجه حسين ضناوي الى القاهرة، وانتسب الى كلية الحقوق، وتعرف هناك الى السيد صدام حسين التكريتي المعارض بشراسة للرئيس العراقي عبد الكريم قاسم الذي صعد الى السلطة في العام ١٩٥٨ بانقلاب عسكري مع العقيد عبد السلام عارف، وحزب البعث العربي الاشتراكي.

وعندما تسلم العسكر القيادة في حزب البعث، العربي الاشتراكي ابتعد حسين ضناوي عن الحزب، لكنه بقي صديقا فيما بعد للرئيس صدام حسين.

كان صدام حسين، كما يقول حسين ضناوي عنده عقدة ملوحة الارض العراقية، وبرزت عنده الرغبة في نقل مليوني مصري الى العراق.

بقي صدام حسين في القاهرة وظل يرسل للاستاذ حسين ضناوي سلامات مع الدكتور عبد المجيد الرافعي، بعد عشر سنوات التقى الرجلان، لكن ضناوي ظل مبتعدا عن الكتابة. ويتساءل لماذا اكتب الان ما اكتب عن تلك الحقبة؟

ويقول في كتابه الجديد: قصة تروى محطات في حياتي:

رضيت ان اكتب.. لأقول بعض الكلمات.. ان في امتنا رجالا وقادة ومفكرين، الظروف قد قهرتهم.. اقول.. صدام التكريتي..الصديق.. كان ضحية وكان في ذات الوقت مستبدا، ان البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية كانت اقوى من الارادات الطيبة الحالمة.. ليس هناك ابيض ناصع ولا اسود مطلق.. الانسان يعيش وهو ابن ظروفه.. كان صدام صادقا في حلمه، كان ودودا وخلوقا.. فكيف استطاع ان يصبح مستبدا؟

هل كان حسين ضناوي المحامي الاول الذي تسلم رئاسة الرابطة الثقافية في طرابلس مرات عديدة، احب ان يعطي الجميع ان الكبير في السياسة يتواضع، ولا يقبل ان يصبح عسكريا لان بين العقل السياسي والذهنية العسكرية بونا شاسعا يستمر في معظم الايام.

هل ما يحدث الان في لبنان، صراع على المناصب، ام صراع على المواقع، وهذا ما يحاول العماد ميشال عون والرئيسان نبيه بري وسعد الحريري تفاديه، فيما البلاد تمر في احلك ازمة سياسية.

والمحامي حسين ضناوي يروي في كتابه قصص الاخطاء التي وقعت فيها المقاومة الفلسطينية يوم جاء عرفات اليها، وخرج منها الى المغرب العربي.

والحقيقة، ان حسين ضناوي المحامي الكبير والسياسي العريق اراد ان يعطي درساً لاصحاب الطموح في كبح جماح اللعبة السياسية، عن الذهاب بعيدا الى ما هو بعيد عن السياسة في البلاد العريقة بحب الديمقراطية.