Site icon IMLebanon

قصة زيارة جيمس بيكر للبنان العام ١٩٨٩

قصة زيارة جيمس بيكر للبنان العام ١٩٨٩

جمهورية تدور بين المصالح والوقائع والغموض

والقوانين الانتخابية تعرقل إجراءها بسهولة

بعد اخذ ورد جرت الانتخابات البلدية الأخيرة، تاركة نتائج رهيبة على الأوضاع السياسية. لا أحد كان يتوقع إجراءها، لكنها جرت. إلا أن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، بدأ يطرح أفكاراً جديدة، ليس أبرزها إنجاز قانون جديد للانتخابات، بعدما رشَح اعتقاد بأن التمديد للانتخابات النيابية انتهى، وان الرئس نبيه بري أوحى بذلك، وشرع في إعداد قانون جديد يدور بين النظام النسبي والنظام الأكثري. صحيح أن في حوزته عدة مشاريع قوانين، لكنه يدعو ساعة الى نسبية جزئية، وأحياناً الى نسبية محدودة، لكنه يراهن على نسبية معتدلة، أو على نظام مختلط بين النسبية، والأكثرية.

وفجأة طلع الوزير نهاد المشنوق ب المعجزة المطلوبة، أي وجود مشروع قانون في الآفاق لإجراء انتخابات نيابية. وهو لا يشْلح أفكراً في الهواء، بل يطلق معلومات. وعندما يتكلم في أي موضوع، يجعل الثرثرة تتوقف، ويصبح الإصغاء هو السائد.

وأدهش نهاد المشنوق الناس، عندما كشف قصة إقدام الرئيس سعد الحريري على ترشيح الوزير السابق النائب سليمان فرنجيه للرئاسة الأولى. وبكل هدوء خرج على صمته، وقال إن الفكرة أصلاً بريطانية، وان وزير خارجية بريطانيا عرضها على نظيره الفرنسي حتى وصلت، بعد مرورها في باريس، الى السعودية وطرحها بدوره وزير الخارجية السعودي عادل الكبير على أركان المملكة.

سكت الوزير نهاد المشنوق عن الكلام المباح، وشرع الوزراء المعنيون في تبديد الأذهان على فكرته المتداولة وسط معلومات أشاعت أن الجمهورية التي دخلت عامها الثالث في التجميد، دخلت أيضاً في مرحلة الشلل والضياع، بين قديم التأييد السعودي عبر حزب الله، وأركان ٨ آذار.

والناس، لا يمكن أن تنسى كيف تخرج كلمة السر الى العلن، وكيف ترسو على حقائق مجهولة وصعبة في آن.

في هذه الأثناء برزت قصة زيارة وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر للبنان في مطلع الصدور المفاجئ ل اتفاق الطائف في بداية عصر الرئيس الياس الهراوي.

يومئذٍ، وبعد مصرع الرئيس الشهيد رينه معوض أوفد الرئيس اللبناني الجديد مستشاره الى دمشق المحامي فارس بويز، وعقد محادثات طويلة مع الرئيس السوري حافظ الأسد اتسمت بالرصانة ودقة الاطلاع.

وبعد عودة فارس بويز من دمشق، اتصل الرئيس السوري بنظيره اللبناني، وبادره بسؤال أدهشه، مستغرباً أن يكون عنده مستشار من طراز فارس بويز، ولا يعينه وزيراً للخارجية اللبنانية.

ويُقال إن بويز صارح الرئيس السوري بأن الوزير الأميركي جيمس بيكر حاول سبْر أغوار احتمال زيارة بيروت، تمهيداً لمؤتمر سلام للشرق الأوسط، يقود الى كامب دايفيد جديد، وجرى عرض وتقويم للفكرة، الا ان الرئيس السوري ترك لموفد الرئيس الهراوي حرية التصرف.

بعد مدة تشكلت في بيروت حكومة جديدة، وعين فيها فارس بويز وزيرراً للخارجية اللبنانية، وبعد مدة ناقش مجلس الوزراء اللبناني طلب الوزير جيمس بيكر عقد مؤتمر دولي، وأوضح أنه فهم من الوزير بويز استعداده لحضور المؤتمر.

ارتفعت ضجة في مجلس الوزراء، على موقف الوزير فارس بويز، وخرج وزير حزب البعث السيد عبدالله الأمين من الجلسة، وأجرى اتصالاً بالسيد عبد الحليم خدام، وصارحه بأن وزير الخارجية اللبناني أبلغ وزير الخارجية الأميركي موافقة لبنان المبدئية على المشاركة في المؤتمر المقترح للسلام في الشرق الأوسط.

استمهله السيد عبد الحليم خدام بعض الوقت، للتشاور مع الرئيس السوري حافظ الأسد فيما كانت ضجة صاخبة تهيمن على المقر الرئاسي الموقت في جوار مركز جهاز أمن الدولة، وبعد نصف ساعة اتصل خدام بالوزير عبدالله الأمين، وأبلغه أن الرئيس الأسد يعتبر فارس بويز هو وزير الخارجية اللبناني وهو المسؤول عن هذا القرار.

وهكذا ساد صمت مكان الصخب، وكان الرئيس الياس الهراوي في مقدمة المفاجَئين من ردود الفعل السورية على الطلب الأميركي، فيما أبدى معظم الوزراء دهشتهم من الدور الذي انتزعه الوزير بويز من السوريين.

في الأسبوع الفائت كان فارس بويز وزير الخارجية اللبناني السابق يتكلم في حفل توقيع الزميل خليل فليحان لكتابه الذاكرة الدبلوماسية.

في العام ١٩٧٢ كان الحكم اللبناني برئاسة الرئيس سليمان فرنجيه، يفاجَأ كل يوم أحد بأن طائرة اختطفت في الأجواء اللبنانية أو سواها، وكان ثمة مسؤول في وزارة الاعلام اللبنانية يشير الى مواقع الطائرة المخطوفة، فيما كانت الأسئلة تطوف في أذهان وزير الخارجية ووزير الاعلام اللبنانيين حول ذلك الموضوع.

وبعد البحث والتحري اكتشف الجميع أن مسؤولاً في الاعلام اللبناني، كان يرصد مواقع الأجواء، ويحرك الطائرة المخطوفة من دون دراسة رسمية. وبعد البحث والتدقيق تبين أن المسؤول اللبناني الذي يُشرف على حركة الطائرة المخطوفة يدعى خليل فليحان، وأنه في ذلك الوقت كان مشهوداً له باتصالاته الواسعة، ولا أحد كان ينازعه أو يضارعه في معلوماته الدقيقة، وتبين لاحقاً أن شقيقاً له كان يعمل في الأجواء اللبنانية ويزوده بالمعلومات. وظلت هذه الأسرار محجوبة، طوال عصر حكومة الشباب التي كان يرئسها الرئيس صائب سلام.

إلا أن الخليل، ظل صديقاً للأسرار الديبلوماسية، ونادراً ما كان أحد يعرف بالأسرار السياسية عبر الطائرات التي تمخر الأجواء وتحجب الأسرار.

إلا أنه في الأسبوع الفائت، وقف وزير الخارجية السابق فارس بويز ليلقي كلمته في كتاب خليل فليحان، ويقول إنه في الأنظمة الديمقراطية تنبع السياسة الخارجية من رؤية وموقف، ومن قرار وطني ينبثق عن وحدة الشعب في نظرته الى مصالح وطنه الخارجية، وتشكل عنصر وفاق مستقلا، من التناقضات الداخلية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

وفي لبنان كانت السياسة الخارجية عبر العقود الأخيرة، عاملاً أساسياً في وحدة البلاد أو في انقسامها، وفي استقرارها أو في تشرذمها، ولم يكن التمحور يوماً حول خيارات اقتصادية أو اجتماعية أو حتى سياسية، بل كانت تتخطاها الى خيارات لبنان وتحالفاته الخارجية.

ولهذا فقد أحب الوزير بويز أن يقول إن الكتاب يضم وثائق ووقائع اجتماعات ولقاءات تدور حول مرحلة مهمة، ولعلها من أهم المراحل وأشدّها أثراً في مصير الكيان اللبناني، وما رافقه من أحداث ومتغيرات من خلال تواجد قوي للسياسات والمصالح الدولية والاقليمية على أرضه مباشرة أو مداورة نتيجة هذه السياسات والمصالح حول أزمة الشرق الأوسط وعبرها القضية اللبنانية.

ويرى فارس بويز في الكتاب عملاً مهنياً قبل كل شيء، لا يخرج مؤلفه عن مهمته ابدا كيفما كانت الأمور والظروف، بلا حدود لطموحاته، فخليل فليحان مؤرخ ينقل الوقائع الصادقة داعياً الى إحقاق الحق، والكشف عن خبايا الأمور خلال الأيام والساعات، بكل ما عرف عنه من عناد وصدق في المسؤولية.

ولعل فارس بويز أحب أن يعطي للقارئ حقيقة تتطلب دقة وتفاصيل، ومعرفة لظروف زيارة وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر الى لبنان.

وبعد مفاوضات شاقة، وأزمة علاقات حول هذا الموضوع، وبعد موافقته أخيراً على المجيء الى لبنان، وضعت الامور موعداً وتفصيلاً، على ألا تذهب الأسرار بمرونة التواريخ، والمفارقة الوحيدة أنه لو حصل التسريب لكانت الزيارة قد ألغيت لأسباب أمنية، وكانت قد خلقت أزمة كبيرة في العلاقات بين البلدين، لأنها كانت الزيارة الأولى بعد عدة سنوات لمسؤول أميركي رفيع.

ولعل المحافظة على السر بكتمان مطلق هو سر النجاح.

ويوضح الوزير بويز: كنت أعلم كم كان فليحان يتعذب مهنياً، وكم كانت الاشارة الى ملامحها أبرز خفاياها.

كان صاحب الكتاب، كما يصفه فارس بويز حامل الأسرار الأمنية، الموثوق بمعلوماته ومصادره كأنه يغسل نفسه من الغبار، قبل ان يكتشف بتجرد التحولات الدولية بخبرته القديمة والمتواصلة.

وفي رأي الكاتب انه ما من دولة اخرى، تتأثر بالأحداث التي تدور في جوارها كلبنان، سواء عربية أو اقليمية أو دولية. برضا فريق من سياسييه البارزين. متذرعين بأن وطنهم لا يقع في جزيرة وهو البلد المتوسطي ذي الحدود مع جارين الأولى عربية وهي سوريا والثانية عدوة وهي اسرائيل. ولعل أكثر ما تأثّر به هو القضية الفلسطينية التي نشأت بفعل احتلال الدولة العبرية لفلسطين. وحدث على أرض لبنان حركات سياسية لنصرة تلك القضية وكفاح مسلح مباشر ضد الاحتلال، اعترض عليه فريق من اللبنانيين بقوة نظرا الى انعكاساته السلبية على أمن البلاد وسلامتها. قابله دعم غير محدود من قيادات أخرى لم يقتصر على المواقف السياسية، بل انخرط عدد كبير من الشباب في منظمات فلسطينية للقتال الى جانب الفلسطينيين. وأدت الانقسامات بين مؤيد ومعارض الى حملات اعلامية متبادلة والى تظاهرات مناصرة أو رافضة من هذا الفريق السياسي أو ذاك.

أنهكت الاعتداءات الاسرائيلية لبنان، حيث أوقعت الكثير من الضحايا من قتلى وجرحى ومعوقين من نساء وأطفال وشيوخ وتدمير منازل ونزوح داخلي مؤقت أو دائم وتلف حقول ومزروعات. وأدت الصدامات مع المقاتلين الفلسطينيين الى هجمات متكررة ومن ثم احتلال أجزاء من الجنوب كما أدت الى هزّات اقتصادية.

استضاف لبنان الآلاف من اللاجئين الذين هربوا من ديارهم منذ حلول النكبة من جراء العنف الذي مارسه المحتل الاسرائيلي عليهم. كان النزوح مؤقتا ما لبث ان تحوّل الى ثابت وحتى إشعار آخر. دفع لبنان الثمن غالياً بعد تسلح الفلسطيني ابتداء من مطلع السبعينات وفي أعقاب السماح رسمياً بفتح جبهة للمقاومة الفلسطينية من الجنوب وفقا ل اتفاق القاهرة العام ١٩٦٩. أنتجت تلك الجبهة لغاية تموز ٢٠٠٦ آخر حرب شنتها اسرائيل على لبنان آلاف الشهداء من الجنوبيين والجرحى والمعاقين وتدمير ممتلكاتهم وتهجيرهم داخليا وخارجيا واستهداف العمق اللبناني وإقفال مطار رفيق الحريري الدولي.

أيّد فريق من اللبنانيين الكفاح المسلح الفلسطيني ضد اسرائيل انطلاقا من أراض لبنانية جنوبية وانخرط الكثير من الشباب للقتال مع المقاومين في صفوف المنظمات الفلسطينية على اختلافها. ردّت اسرائيل بأعنف ما لديها من أسلحة لا سيما الجوية منها التي كانت الأكثر إيذاء. لم يكتف الجيش الاسرائيلي بشنّ غارات جوية على الأماكن السكنية والمنشآت الحيوية مصحوبة بقصف مدفعي ثقيل بل طوّرت اعتداءاتها الى احتلال دائم لا تزال آثاره حتى الوقت الحاضر في منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وآخره شمال بلدة الغجر في حرب ٢٠٠٦.

ويقول خليل فليحان ان الذاكرة الديبلوماسية واكبت المعالجات الديبلوماسية لتلك الاعتداءات دولياً وتحديداً الى حين تحرير ما بقي محتلاً من الأراضي الجنوبية.

لم تنه قرارات مجلس الأمن ذلك الاحتلال ولا قرارات جامعة الدول العربية التي تحوّلت الى مواقف نظرية داعمة لعملية التحرير سواء في القمم أو في اجتماعات المجلس على مستوى وزراء الخارجية العرب. كما احتل العمل المقاوم عاملاً فاعلاً في عملية التحرير بحيث تحوّل الى مادة دولية واقليمية وعربية للنقاش والدعوة الى وقفه وتسليم السلاح الى القوات النظامية المسلحة.

ذكرت معلومات ديبلوماسية في بيروت ان سياسة الحكومة البريطانية الجديدة حيال لبنان قد تبدّلت الى حدّ ما عن سياسة حكومة حزب المحافظين السابقة التي كان يرأسها جون مايجر. وأشارت المعلومات الى المواقف الأخيرة التي صدرت عن حكومة طوني بلير في شأن الاعتداءات الاسرائيلية الأخيرة وتأكيدات ابلغها معاون وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية ديريك فاتشيت للديبلوماسيين في لبنان وكذلك للمسؤولين الذين كان التقاهم خلال زيارته بيروت في ٢٩ أيار الماضي. إلاّ أن المصادر أشارت الى ان لندن التي تؤيد تطبيق القرار ٤٢٥ وكذلك معاودة عملية السلام لم تفصح بعد عن تحرك ديبلوماسي مع الأطراف المعنيين بتلك العملية من أجل فكّ الجمود المتحكّم بها لا سيما على المسارات الفلسطينية – الاسرائيلية والسورية – الاسرائيلية واللبنانية – الاسرائيلية. واعترفت المصادر بأن بريطانيا اعتذرت عن القيام بأي مسعى مع الولايات المتحدة الأميركية من أجل إقناعها بأهمية دور أوروبي مساعد في عملية السلام لا سيما مع فرنسا الراغبة في الاضطلاع بمثل هذا الدور والتي تحركت في شكل ديبلوماسي مكثّف في العدوان الاسرائيلي الذي حصل في نيسان من العام الماضي، حيث أوفد الرئيس جاك شيراك وزير خارجيته وقتئذ هيرفيه دو شاريت. وقالت المصادر ان بريطانيا مهتمة كثيرا بالحوار الأوروبي – المتوسطي وبالمقررات التي صدرت عن مؤتمر برشلونة في هذا المجال قبل نحو سنتين إذ في حال تطبيقها سيحصل تعاون سياسي واقتصادي واستثماري وسياحي وبيئي وأمني بين الدول الأوروبية والدول المتوسطية.

وختمت المصادر ان بريطانيا تهتم في الوقت الحاضر فقط بحركة اعادة الاعمار الجارية في وسط بيروت وبكل ما هو متصل بها وان المسؤولين والأخصائيين مندهشون من الورشة الاعمارية في بيروت ومن السرعة المتبعة في اعادة تأهيل البنى التحتية.