IMLebanon

قصة الإعتراض على صفقة ترحيل «داعش»

حتى وقت متأخر من ليل الثلثاء ـ الأربعاء الماضي كانت هناك حيرة في «حزب الله»، كون قافلة المرحّلين الدواعش من جرود قارة في القلمون الغربي في اتجاه البوكمال في ريف دير الزور الشرقي، تطبيقاً للاتفاق بين الحزب و»داعش»، لم تصل الى النقطة المتّفق عليها، ما أثار السؤال في حارة حريك عمّا اذا كانت «داعش» أخَلّت بالقسم الأخير من تعهداتها في الاتفاق.

ثم لاحقاً وصلت الاخبار عن أنّ سبب التأخّر الغامض يعود لتنفيذ طائرات التحالف الدولي غارات استهدفت قطع الطريق على القافلة، الأمر الذي وضعه كبير المبعوثين في التحالف الدولي بريت ماكفورت في خانة أنه رسالة اعتراض دولية على صفقة «حزب الله» مع مقاتلي «داعش»، الذين بحسب وصفه يجب قتلهم في أرض المعركة «بدلاً من إبرام تسويات لترحيلهم للقتال في العراق»!..

لم يعد خافياً انّ غارة التحالف لقطع الطريق على قافلة دواعش القلمون الغربي، والتي تمثّل رسالة اعتراض اميركية على صفقة «حزب الله» ـ «داعش»، كان يوجد لها طوال الفترة التي تَلت كَشف نصرالله عن بنود الصفقة، مقدمات من الهمس الدولي الاعتراضي عليها في بيروت، الذي بَدا لافتاً فيه انّ مصدره لم يكن فقط كواليس ديبلوماسية غربية.

ونقطة الملاحظة المركزية التي أبرزتها هذه الكواليس هو اعتقادها بعدم «وجود تناسب او انسجام» بين «صفقة ترحيل الدواعش» وبين احترام تطبيق «معايير الالتزام» بأهداف او شروط الحرب الدولية على «داعش» والارهاب التي ينخرط فيها المجتمع الدولي برمّته تقريباً.

ومن منظار هذه المعايير الدولية الموجّهة للتحالف الدولي في حربه ضد «داعش»، فإنّ الاتهام الموجّه الى «حزب الله» بخرقها، يقع أساساً في نقطتين اثنتين:

ـ النقطة الأولى، إتهام الصفقة التي أبرمها الحزب مع «داعش» بأنها تشكّل خرقاً لـ»مبدأ منع انتقال مقاتلي تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) الى دول لا يحملون جنسياتها»، وهذا ما يفسّر لماذا رَكّز ماكفورت في تصريحه لتبرير عملية قطع الطريق على قافلة الدواعش المرحّلين، على انّ هدفها هو منع وصولهم الى العراق، وتجاهل الاشارة الى منع وصولهم الى البوكمال السورية وفق النص الاصلي للاتفاق بين الحزب وداعش.

وبَدا واضحاً انّ ما قصد ماكفورت التركيز عليه هو انه في النظر الى كون جميع مقاتلي «داعش» المرحّلين تقريباً يحملون الجنسية السورية، فإنّ التحالف الدولي عمل على محاولة منع انتقالهم للعراق، لأنّ في ذلك خرقاً للمعايير المعتمدة دولياً لخطط الحرب الجارية على «داعش» فوق أكثر من جبهة في المشرق.

ـ النقطة الثانية أوضَحتها ردّة الفعل العراقية التي بَدت متجانسة مع الاعتراض الاميركي على صفقة الحزب – داعش، وذلك من زاويتين: الأولى في الشكل حيث تظهر المتابعة لمسار نشأة الاعتراض العراقي أنه انطلق بداية من داخل أجواء في لجنة الأمن النيابية العراقية ذات الصلة الوثيقة بواشنطن، وقدّمت هذه الاجواء ما سمّته معلومات للمستوى السياسي العراقي تفيد أنّ صفقة ترحيل الدواعش من القلمون الغربي تلحظ سرّاً نقلهم الى الاراضي العراقية نظراً الى كونهم غير مرحّب بهم لدى دواعش دير الزور الذين يتهمونهم بالجُبن، وايضاً لأنّ المنطقة المحددة في الاتفاق بنقطة وصولهم اليها وهي البوكمال السورية، تمتاز بأنها مرتبطة بطرق صحراوية مفتوحة وغير مراقبة مع منطقة الصنكرة العراقية جنوب غرب قضاء الحديثة!

امّا الزاوية الثانية فتمثّلت بتركيز الاعتراض العراقي على ادانة هدف الصفقة لأنه يؤدي الى إيصال مقاتلين دواعش سوريين، وربما بعضهم لبنانيين، الى منطقة في سوريا تسمح لهم بالانتقال الى مناطق «داعش» في الانبار العراقية.

وكان اللافت انّ مطلقي هذه الجزئية من الاتهام ضد «حزب الله»، إستخدموا مصطلح «مؤامرة» وطالبوا النظام السوري بإجراء تحقيق في شأنها. وتركزت المصادر العراقية التي أصدرت «اتهام المؤامرة» في بيئات الكتلة النيابية لأياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق المحسوب على السعودية، وأيضاً التيار الصدري المعارض لإيران، إضافة الى مجموعات سياسية سنية.

امّا رئيس الوزارء حيدر العبادي فركّز من جانبه في نقده للحزب على معيار آخر اتهمه بخرقه، ومفاده انّ الحرب بنسختها الدولية الراهنة الجارية على «داعش» تحتّم عدم إبرام تسويات مع عناصرها، بل تخييرهم بين الموت في الميدان او الاستسلام كما حصل في الموصل.

وهذا ايضاً أحد المعايير الموضوعة لدى التحالف الدولي في شأن الخطط المعتمدة لمحاربة «داعش»، مع ملاحظة انّ موسكو تشدّد خصوصاً على ضرورة تطبيقه، وذلك انطلاقاً من خشيتها ان تؤدي تسويات ميدانية للسماح سراً بعودة مقاتلي «داعش» الشيشانيين من سوريا والعراق الى القوقاز.

ولكن على أرض الواقع فإنّ تطبيق هذا المعيار يتعرّض لخرق حتى من جانب الاميركيين، بدليل أنه بعد ساعات من محاولة التحالف قطع الطريق على قافلة الدواعش المرحّلين من القلمون، نفّذت 3 طائرات مروحية اميركية إنزالاً لوحدة خاصة في منطقة السوح جنوب غرب ريف دير الزور، واقتادت عناصر من داعش الى جهة مجهولة. تبرّر واشنطن مثل هذه العمليات التي تتكرر اسبوعياً تقريباً، بأنها تهدف الى سحب عملاء الـ«سي آي إي» مزروعين بين صفوف «داعش»، وذلك بعد انتهاء مهمتهم.

وفي مقابل انّ اميركا ودولاً غربية أخرى في التحالف الدولي تقدّم تبريراتها الموجبة لعمليات تسفير او نقل لعناصر «داعش»، تقوم بها في بعض النقاط، فإنّ «حزب الله» قدّم تبريره لاضطراره الى إبرام تسوية تسفير عناصر من داعش في القلمون الغربي، وهي انّ هذه المعركة تتضمن الى جانب هدف تدمير «داعش» فيها، هدفاً إنسانياً وهو الكشف عن مصير جنود لبنانيين محتجزين عند تنظيم «الدولة الاسلامية»، وهو أمر لا يتمّ إدراكه الّا من خلال تسوية تؤدي في الوقت نفسه الى إنهاء المعركة ووجود «داعش» في القلمونين اللبناني والسوري، وتبيّن مصير الجنود.

وبحسب معلومات فإنّ الحزب حاول من خلال مجموعة «داعش» التي سلّمت نفسها إليه في بداية المعركة، الحصول منها على معلومات عن مكان دفن الجنود اللبنانيين، وإخراج هذا الهدف من استراتيجية المعركة، لكن سرعان ما ظهر انّ معلوماتهم كانت خاطئة، وانّ الخريطة المكانية التي قدّموها للحزب كانت مفخخة، وانّ «داعش» في حقل تشريك ملغّم.

وكانت أوّل جولة بحث لمجموعة من الحزب برفقة دليل من العناصر الداعشية المستسلمة، تسبّبت بوقوع الاخيرة في مكمن تشريكي، وذلك حينما وصلت الى المكان الذي افترضت معلومة الأسير الداعشي انه توجد فيه قبور العسكريين اللبنانيين، ما أدى الى استشهاد اثنين من مقاتلي الحزب.

وفي القراءة السياسية لخلفيات الاعتراض على صفقة ترحيل دواعش القلمون، يبرز هدف أساسي وهو نزع الشرعية الدولية عن حرب الحزب ضد «داعش»، وإظهارها انها ليست جزءاً من مجهود المجتمع الدولي العسكري للقضاء على هذا التنظيم، بدليل اتهام الحزب بارتكاب خروقات للمعايير الدولية التي توجّه هذه الحرب العالمية.