Site icon IMLebanon

قصة الغزو الأميركي للبنان بعد أحداث العام ١٩٥٨

قصة الغزو الأميركي للبنان بعد أحداث العام ١٩٥٨

خلافات أركان النظام لا يبشّر بنزاعات دامية

وجماعة السلطة ترحّب بالحوار في اطار الخلاف

وقف السياسي العائد من روما بهدوء، أمام حفنة من السياسيين، وقال ان لبنان مقبل على تباينات في المواقف، لا على تفاهمات في السياسة.

كان الأستاذ ابراهيم حلاوي وزيرا في أولى حكومات الرئيس السابق أمين الجميّل، برئاسة شفيق الوزان، لكنه لا يزال يمارس السياسة من باب الفضول السياسي. وعندما قيل له يوم السبت الفائت إن الحكومة الجديدة شهدت خلافات بين وزراء التيار الوطني الحر، وحلفائهم في حزب القوات اللبنانية، وعرفت سجالا حادا بين رئيس الحكومة السيد سعد الحريري والرئيس السابق للوزراء نجيب ميقاتي حول رئاسة الحكومة في قصر بعبدا، قال الوزير المعتكف هذه الأيام عن الأمور السياسية، ان البلاد بدأت تشهد عافية سياسية لا كوارث سياسية، لأن التفاهم بين الرئيس العماد ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري هو بداية توافق لا نهاية وفاق، لأن رئيس الجمهورية سجّل في نهاية اجتماع مجلس الوزراء، الانطلاقة المثلى، لقيام تفاهم حكومي، لا نهاية لتفاهم سياسي.

كان الوزير السابق حلاوي صديقا لرئيس الوزراء شفيق الوزان، وعندما تعذر على هذا الأخير، تأليف حكومة سياسية، اتفق الرئيس أمين الجميّل معه، على حكومة بربارة فعاليات تضم وزراء مقرّبين من الرئيس كامل الأسعد والرئيس الجميّل، وكان ان عرض الرئيس الوزان حقيبة أساسية على صديقه ابراهيم حلاوي فقبلها شاكرا له مبادرته. يومئذ توجه الوزير الجديد الى قمة فاس في المغرب العربي، وهناك، استغل السيد ياسر عرفات غياب ممثل ذي نبرة سياسية قوية الى جانب المقاومة الفلسطينية، وراح يشنّ حملات قاسية على عهد الرئيس أمين الجميّل، إلاّ ان الوزير حلاوي اعترض على كلامه، وانه كممثل للحكومة اللبنانية يدحض معظم أقوال ياسر عرفات المناهضة لأبسط قواعد اللياقة السياسية. ووقف الأمين العام لجامعة الدول العربية الى جانب ممثل لبنان، في الذود عن المواقف اللبنانية الشجاعة، والمتجاوبة مع أدنى الحقوق العربية.

في حقبة الثمانينات مرّت العلاقات اللبنانية – الفلسطينية بين مدّ وجزر لكن مواقف الوزير السابق ابراهيم حلاوي ظلّت المعيار الأساسي لسلامة التوجه اللبناني.

بعد مدة برزت قضية أساسية أمام الحكم اللبناني، ألا وهي اتفاق ١٧ أيار بين لبنان واسرائيل، في رعاية السفير الأميركي، اللبناني الأصل السيد فيليب حبيب، لكن اجتماعات نهاريا وما صدر عنها من مواقف جعلت الرئيس أمين الجميّل، يسعى الى لقاء لبناني عقد في سمار جبيل مع الرئيس اللبناني سليمان فرنجيه. كان اللقاء المقترح صعبا إلاّ بعد مساعٍ بذلها الرئيس شارل حلو، لكن الاتصالات اللبنانية – الأميركية ذهبت أدراج الرياح.

العلاقات متوترة

إلاّ أن العلاقات اللبنانية – الأميركية ظلّت متوترة، مع ان الرئيس السوري حافظ الأسد، ظلّ ودودا مع الرئيس الجميّل، بعد استشهاد شقيقه الرئيس بشير، وعقد معه اثنتي عشر مؤتمر قمة عربيا، من دون ان يتنازل الشيخ أمين عن مطلب لبناني، وكان شعاره يطوّف معه من بيروت الى واشنطن، ومن نهاريا الى نيويورك، وكان مطلبه الأساسي خروج اسرائيل من الأراضي اللبنانية.

والعنصر الجديد الآن، هو حصول تباينات بين حزب الله وحركة أمل من جهة، وبين التيار الوطني الحر من جهة أخرى، حول قضايا فرعية أبرزها دفع أثمان البواخر التركية وحمولتها، من قبل السلطة اللبنانية، وتعاطف حزب القوات اللبنانية مع المعارضة السياسية لكلفة الطاقة الكهربائية في البلاد، وحمل الناس على دفع فاتورتين للكهرباء على حساب جيوب المواطنين. اضافة الى صراع مرير، على التصويت أو التوافق على مجمل القضايا التي كانت عالقة أمام مجلس الوزراء، ولا تزال موضوع نقاش حاد في البلد، وتقول وجوه بارزة، ان هذا الأمر بالغ الأهمية، لأن وجود تباينات أفضل من استحكام الخلافات، ذلك ان الوقوف تحت مظلة القانون أجدى من الصراع على مفاهيم القوانين، أو تفسير القانون الواحد في مجالات متناقضة.

وفي رأي وزير الخارجية ان الصراع على تفسير الدستور، هو بداية جيدة لا سيّئة للواقع السياسي في لبنان، من شأنه تعزيز حكم القانون لا سواه. وهذه علّة أساسية من العلل السياسية في البلاد، تظل عقدة لا مناص منها، ازاء ما يصادف البلاد من عثرات وهنات.

حقبة صعبة

كانت حقبة الخمسينات، حدّا فاصلا بين حقبة كميل شمعون في رئاسة الجمهورية، وحقبة المعارضة السياسية له في السلطة، وفي منتصف تلك الحقبة، وقع الانحياز الكبير، بين مؤتمر قمة عربي وآخر سياسي التأما في العاصمة اللبنانية.

ما هي العوامل التي أدت الى ذلك الافتراق المذهل، بين النفوذ العربي بزعامة جمال عبدالناصر والنفوذ الغربي بقيادة زعماء المعارضة اللبنانية.

ويقول النائب الراحل قحطان حماده لحليفه السياسي في الشوف الأمير مجيد ارسلان، ان إبعاد الأستاذ كمال جنبلاط عن زعامة المختارة، كان بداية الافتراق بين كميل شمعون رئيس الجمهورية اللبنانية وزعماء المعارضة.

في تلك الحقبة غادر كمال جنبلاط وحده عرينه في المختارة، وتوجه الى بلدة دير القمر لحضور مؤتمر دعا اليه الرئيس كميل شمعون ليؤكد للناس ان المعارضة لا تبرّر القطيعة مع الحكم، كما روى عزت صافي في كتابه طريق المختارة في عصر كمال جنبلاط.

في العام ١٩٦٤ وصل كميل شمعون الى دير القمر، مواطنا عاديا، لا رئيسا للجمهورية. بسرعة تهافت الناس عليه، وطلبوا منه أوراقا انتخابية، لم يكن يحملها في حوزته، عند الساعة التاسعة صباحا، أدرك، عندئذ، النائب محمود عمار ان إبن نمر شمعون جاء الى مسقطه، ليكتب مشروع سقوطه في انتخابات الشوف.

وعندما مالت الشمس الى المغيب، كان الناس قد أدركوا ان إبن نمر شمعون رسب في انتخابات الدير على مائة وخمسة وعشرين صوتا. وخرج كميل شمعون من الدير زعيما لبنانيا لا مجرد مرشح عاثر الحظ.

انتقل عدد من السياسيين الى المختارة، فوجدوا كمال جنبلاط يتناول ترويقته بهدوء، وبادرهم بأن إين شمعون يريد ان يبدأ زعامته السياسية في الشوف من انتخابات العام ١٩٦٤.

هل كانت الانتخابات تتم بتلك السهولة، أم انها الطريق الأسهل الى القيادة السياسية.

قبل سنوات ترشح للقيادة زعماء عديدون. لكن، لكل زعيم طريقه الى الفوز. في العام ١٩٥٣، قطع كميل شمعون أوصال الشوف، وجعل مجلس النواب المؤلف من ٧٧ نائبا، مؤلفا من ٤٤ نائبا.

ويبدو الآن ان زعماء البلاد، يريدون تغيير الخريطة الانتخابية، للوصول الى البرلمان بما يخدم كلا منهم في زعامته السياسية.

في العام ١٩٥٧، أسقط كميل شمعون زعماء البلاد، من كمال جنبلاط وعبدالله اليافي، وصائب سلام، وعلي بزي، وتقي الدين الصلح، وأعطى الفوز الى بيار الجميّل وريمون اده وبيار اده، وترك الأمور تتدهور متكئا على زعامة الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الكتائب اللبنانية، كل من موقعه السياسي، ومن حساسية تحالفاته الحزبية والسياسية.

إلاّ أن الجيش اللبناني كان في موقع الوسط بين هذه الأحزاب والفئات.

كان فؤاد شهاب الرجل المناوئ للرئيس كميل شمعون، ولم تكن العلاقة بينهما على صفاء، لا في الرأي ولا في الرؤية، خصوصا وان المارد العربي جمال عبدالناصر قد أصبح الرجل الأقوى على الساحة الاسلامية، منذ ثورة ١٩٥٨.

يومئذ، خسرت الكتائب أحد أبرز كتّابها في جريدة العمل المعروف بلقب أبو الحنّ، ما جعل العميد ريمون اده يرسل شخصا عزيزا عليه الى الرئيس فؤاد شهاب، ويقترح عليه تشكيل حكومة رباعية تنقذ البلاد من فتنة آتية وتتألف برئاسة رشيد كرامي وحسين العويني عن الطائفة السنية والشيخ بيار الجميّل والأستاذ ريمون اده عن الطائفة المسيحية. وعرفت تلك الوزارة بالحكومة الرباعية، وبأنها حكومة التكميل إذ ان الوزير ريمون اده الذي تولى حقيبة الداخلية كان مشهورا بأنه نفذ حكم الاعدام برجل عاصٍ على العدالة اسمه التكميل. وبعد بضعة أشهر قدّم استقالته الى فؤاد شهاب ورحل عن السلطة.

كان زعماء الموارنة ضد نفوذ جمال عبدالناصر، وكان في صفوفهم أسئلة كثيرة عن دوافع إحجام رئيس الجمهورية، عن اعلان عدم رغبته في تجديد ولايته.

يومئذ، قيل ان فؤاد شهاب رفض طلب الرئيس كميل شمعون ان يعمد الجيش الى احتلال البسطة والمصيطبة المعقل البيروتي للمعارضين وأنصارهم المسلحين.

ويقال أيضا ان رئيس الحكومة سامي الصلح المؤيد للرئيس شمعون قال للجميع ان للجيش عائلات مقيمة في البسطة والمصيطبة ولا يمكن لأي عسكري توجيه رصاصة الى بيته أو الى عائلته.

امتعض سامي الصلح والوزير كاظم الخليل من ردّة فعل قائد الجيش الذي أضاف: تطلبون المستحيل. الجندي اللبناني لا يطلق النار على لبناني آخر، كيف تريدونه ان يطلق النار على أولاده وجيرانه… ينبغي لكم ان لا تنسوا ان الجيش مؤلف من معظم الطوائف والفئات اللبنانية، وان أي أمر كهذا سيعرّضه للانقسام والانهيار، وهذا ما لا أرضى به اطلاقا.

وخلافا لرئيس الحكومة ختم رئيس الجمهورية الحوار قائلا: سأدرس الموضوع مع الجنرال ونتخذ القرار المناسب.

وفي حوار بينهما، قال كميل شمعون لفؤاد شهاب، في حضور كاظم الصلح: ألا توافقني الرأي، على ان من الضروري ارسال قوات الجيش الى الشوف لوقف الأحداث.

وقال كميل شمعون للجنرال شهاب: أخشى ان يذهب الجيش الى الشوف، فيضرب فريقي النزاع معا، وتكون النتيجة مزدوجة.

سكت الرئيس برهة وقال لقائد الجيش: ان الذي يدافع عن لبنان، غير الذي بريد خرابه.

ويقال ان السجال نفسه، أدركه فواد شهاب مع كمال جنبلاط العدو اللدود لرئيس الجمهورية، وقد أطلق من الشوف ثورة مسلحة ساعيا في الوقت نفسه، الى إحكام سيطرته على منطقة يتقاسمان النفوذ السياسي والانتخابي الشعبي فيها، أحدهما في دير القمر والآخر في المختارة.

ويروي سياسي بارز انه منذ ان أطلق كمال جنبلاط عصيانا مسلحا رمى الى فصل الشوف عن جواره للامساك به، والحؤول دون انتشار الجيش فيه.

كان فؤاد شهاب قد قطع طريق بيروت – دمشق في ضهر البيدر، بعدما بلغه ان أنصار الزعيم الدرزي يستعدون للهجوم من مواقعهم في عين زحلتا، ذهب كمال جنبلاط الى منزل فؤاد شهاب في جونيه طالبا اليه سحب الجنود من طريق عين زحلتا – ضهر البيدر، وقال له انه يخشى نتائج وجود الجيش على تلك الطريق، وقد يؤدي استمرار هذا الوضع الى عواقب وخيمة. ولتفادي تلك الحوادث من الأفضل ان تكون الطريق في حماية أنصاري.

ردّ فؤاد شهاب باستغراب: سحب الجيش من طريق عين زحلتا – ضهر البيدر هو الذي يؤدي الى عواقب خطيرة: أنا لست ثائرا معكم. أنا مسؤول في الدولة، ومن واجبي حماية لبنان وحماية الشرعية.

لم تكن تلك المرة الأولى التي يختلف فيها الرجلان، على موقع الجيش من الصراع الدموي الناشب بين الرئيس ومعارضيه، ويقال في جملة ما يقال، ان قائد الجيش قمع بالقوة محاولة الزعيم الدرزي الاستيلاء على مطار بيروت، من طريق حشد مسلحيه في شملان بغية فرض أمر واقع جديد، على الرغم من ان كميل شمعون له موقف مغاير.

تطورات غير متوقعة

فجر الاثنين في ١٤ تموز، قاد الزعيم العراقي عبدالكريم قاسم انقلابا دمويا أطاح بالعائلة المالكة، وقتل الملك فيصل ورئيس حكومته نوري السعيد والوصي على عرش العراق الأمير عبدالله.

عند السادسة فجرا تبلّغ كميل شمعون نبأ الانقلاب، بعد ساعتين قرر تنفيذ الاتفاق الأميركي – اللبناني باطلاق يد رئيس الجمهورية في تحديد حماية لبنان والدفاع عن استقلاله.

قبل أسابيع في ١٤ أيار، مع تصاعد حدّة الاشتباكات، كان الجيش اللبناني قد تبلّغ من السفير الأميركي روبرت ماكلينتوك بأن الأسطول السادس سوف يقوم بمواجهة الاضطرابات في بيروت.

عند التاسعة صباحا، استدعى الرئيس كميل شمعون السفير الأميركي وطلب منه تنفيذ وعودهم بالتدخل العسكري لانقاذ لبنان من انهيار محتوم في وجه الناصرية.

في اليوم التالي فوجئ اللبنانيون بقائد الجيش فؤاد شهاب، باجراء مراقبة على برج المطار.

فوجئ اللواء فؤاد شهاب بالانزال الأميركي الذي لم يحطه أحد علما به، فتناول سماعة الهاتف ليبلغه الرئيس شمعون بأن التدخل العسكري الأميركي تمّ بقرار من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سامي الصلح.

عندما فاجأته الخطوة، طلب اللواء فؤاد شهاب توجيه مدافع الجيش الى القوات الغازية الأمر الذي دفع الجنود الى التراجع لتفادي صدام عسكري مأساوي في الدقيقة الأخيرة.

كان قد دار حوار بين فؤاد شهاب، مفاده ان الأميركان اعتقدوا بأن ثورة شيوعية بدأت في لبنان، وليس انقلابا عسكريا في العراق.

إلاّ ان فؤاد شهاب تنبّه الى تلك المواقع، بعدما عزم الجيش اللبناني على مواجهة الغزو الأميركي.