IMLebanon

قصة الاشتباك بين أمل والتيار الوطني الحر

يبدو أن اللّهجة عالية النبرة التي غلبت على كلمات بعض الرؤساء في إجتماعات الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، قد وصلت إرتداداتها لبنان وإنعكست توترا لافتا في السجالات بين بعض التيارات السياسية، ما أوحى بان كل الجهود المبذولة لتحقيق «التسوية الموعودة» التي أصبحت على المحكّ، وتهدد بعودة الأمور إلى المربع الأول حين «يتمترس» كل طرف خلف مواقفه السياسية ومطالبه ضاربا بعرض الحائط كل التداعيات الخطرة التي ترافق هذا «التعنت» على الوضع الأمني والسياسي الدقيق.

ولعل السجال العنيف الذي اتى بلا موعد ولا مقدمات بين الحليفين ـ الخصمين، التيار الوطني وحركة أمل على خلفية الإتهامات التي ساقها الجنرال عون لوزير المالية وإتهامه بالتعطيل وعرقلة أعمال المتعهدين، والردّ «الناري» الذي أعقبه من قبل وزير المال، كان كافيا لرفع مستوى التوتر بين الفريقين ـ اللذين يتعايشان بصعوبة في كثير من المحطات ـ وبالتالي خفض منسوب التفاؤل بقرب تنفيذ بنود التسوية التي يُعمل على إنضاجها منذ ما قبل عيد الأضحى، الأمر الذي دفع لطرح السؤال عن مدى جديّة الحديث حول تسوية «تتعسّر» ولادتها يوميا، وإستطرادا ما جدوى الإستمرار بالإجتماع حول طاولة حوار يتفق أقطابها على شيء واحد فقط هو… الا يتفقوا!

مصادر قريبة من قوى 8 آذار تؤكد أن الحديث حول فتح جبهة «إشتباك سياسي» بين العماد عون والرئيس برّي غير مطروح للنقاش، لإن التنازع بينهما لا يخدم كلا الفريقين وهو أمر يدركه الطرفان ويمثّل أولوية مشتركة في مسار الحل الذي ينتهجة برّي من خلال رعايته لطاولة الحوار التي يعمل على إنجاحها بالقدر الأقصى أي من خلال حصر قاعدة الإشتباك بين أطرافها، فكيف يسمح بأن يكون هو طرف في النزاع مع مكوّن أساسي مشارك في الحوار أي الجنرال عون؟ تتابع هذه المصادر أن أوساط عين التينة كما اوساط الرابية تعتبر أن العلاقة بين الطرفين محكومة بالتوافق مهما علا سقف السجالات السياسية بينهما، أو إرتفع مستوى الخلاف على تفاصيل صغيرة على قاعدة «ان الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»… وخاصة أن مصادر مقربة من عين التينة تؤكد مؤخرا أنها أقرب إلى طروحات الجنرال عون تحديدا في مسألة التعينات الأمنية حيث جهد الرئيس برّي لتحقيق مطالب الجنرال بخصوص ملفات كثيرة كانت مسحوبة من التداول ـ أقلّه في هذه الفترة ـ مثل قانون الإنتخابات أو قانون إستعادة الجنسية، وإن دلّ ذلك على شيء فهو يشير إلى عدم نيّة برّي بفتح باب المواجهة مجددا مع جنرال الرابية، وعليه تكون حادثة «الإشتباك الكهربائي» بين الفريقين قد طُويت – وبقرار منهما – عبر ترحيل النقاش إلى الجهات المختصة والإلتفات صوب الموضوع الأساس أي موضوع «التسوية العتيدة» والتي لا تزال لغاية اليوم في علم «الغَيب»، خصوصا في ظل غياب توافق بعض المكونات داخل الحكومة حولها وتحديدا حزب الكتائب وكتلة الرئيس ميشال سليمان.. «كلّ لغاية في نفس يعقوب»، هي عوامل حوّلت مسار التسوية «السداسية» الأطراف التي بُحِثت على هامش أعمال الجلسة الحوارية الأخيرة في ساحة النجمة، يجري محاولة تشويهها من خلال محاولات تمرير البعض ما يمكن وصفه بإنه «دسّ السمّ في العسل»، وهو مسار يرفضه الجنرال بشكل صريح تحت عنوان مواجهة «الإبتزاز السياسي» الذي يحاول ان يدفعه بإتجاه خيارات لم تكن واردة من قبل.

تؤكد هذه المصادر انه لن يحدث مزيد من «الشرخ» بين التيار الوطني الحر وبرّي على خلفية السجال الأخير الذي وضعه الطرفان في إطار إتهام تمّ الرد عليه وإنتهى، وبالتالي لا مجال للإصطياد بالماء العكرة بين الإثنين، والدليل ان الرئيس برّي سعى جهده – وتحديدا من خلال الوزير علي حسن الخليل – لتظهير موقف الرئيس سعد الحريري الإيجابي بشأن طرح الترقيات العسكرية التي كانت لغاية الأيام السابقة، موضع ترحيب من الجنرال في إطارسياسة «تَمشية» الأمور بإنتظارالحلّ القادم من خلف الحدود!

يدرك التيار الوطني الحرّ جيدا انه ليس بمقدور اي طرف بمفرده ان يحقق خرقا في بنود تسوية جرت محاولة تسويقها من قبل أطراف فاعلة على الساحة اللبنانية ومهما بلغت درجة الضغوط الإقليمية التي تحدثت عن تدخلات من قِبل سفراء عرب وأجانب دخلوا على الخط بغية إجراء نوع من التعديل او كما يصفه البعض «إنقلاب» على تفاهمات كادت أن تبصر النور، فإذا بكلام الليل يمحوه النهار، وهو ما إستفزّ الجنرال وجعله يلّوح بقلب الطاولة رأسا على عقب في حال سارت الأمور بخلاف ما تم التداول به في الأيام الماضية لإن الجنرال يرفض ان يتحول إلى كبش فداء، يضطر أن يدفع في السياسية اثمان باهظة تتجاوز بكثير المكاسب المتوقعة، حتى ولو كانت تعيين العميد شامل روكز لقيادة الجيش.

في نفس السياق تؤكّد مصادر مقربة من التيار الوطني الحرّ ان الجنرال يدرك أنه محكوم بالتفاهم مع رئيس مجلس النواب من أجل تحقيق ما يصبو له، وبالتالي لا يمكن ان تصل الأمور لدرجة «الكسر» بين الرجلين مهما بلغ سقف السجالات بينهما، وتضع ما يحصل بينهما في سياق «سوء فهم» يمكن تجاوزه، وتنفي ان يدخل في خانة التصويب المباشر، واصفة «التلاسن الكلامي» بانه يندرج ضمن تداعيات الإشكال الذي حصل امام وزارة الطاقة وتلويح المعتصمين بان هذه الوزارة سوف تكون هدفا للتحرك في الفترة المقبلة، وبالتالي محاولة كل طرف رمي المسؤولية وتهمة التقصير على الطرف الأخر يبدو طبيعيا في وزارة تداولها الطرفان على مدى الأعوام الماضية وفشلا في إدارة عجزها او تحقيق اي إصلاحات تحت اسباب وحجج مختلفة.

تختم أوساط سياسية متابعة بالقول، إن ما جرى من «إشتباك كلامي» بين الرابية وعين التينة قد ألقى بظلال سوداء على المشهد السياسي الداخلي المترافق مع التراشق الدولي وتحديدا الروسي -الأميركي تطبيقا لنهج لبناني يتأثر بكل عوامل الطبيعة والسياسة والهزّات الإرتدادية التي لا تزال لغاية اليوم «مضبوطة الإيقاع» – بقرار خارجي- سوف يُترجم على طاولة مجلس الوزراء بعد عودة الرئيس تمّام سلام فإما أن يحمل معه «تباشير» الإنفراج… أو تنجح مساعي البعض في إفتعال التفجير!