IMLebanon

قصة الصراع الإنتخابي على النظام النسبي والقانون الأكثري

حرب الكاردينال وطموحات الجنرالات

والمعارك على الأبواب السياسية والإقتصادية

كان طموحاً وأديباً، كما كان عملاقاً في طموحاته والأفكار. لكنه كان يسلب العقول ولا يفقد نعمة الهدوء، وهو يعدد طموحاته والأحلام. هل كان متواضعاً الى حدود الضمور في الأحلام؟ لا أحد كان يفقه الوقوف على أفكاره، لكن الجميع أحبوا التنصّل من الكبرياء، لأنه رحب بما هو عائد الى طبيعته.

هبط العماد ميشال عون الى غرفته الخاصة في الطبقة السفلى في بيته المتواضع في الرابية، قبل الإقامة في القصر الجمهوري. امتشق كتاباً وراح يلتهم سطوره، ويقلب صفحاته الكثيفة بشغف وعناية. هل كان راغباً في المطالعة أم كان تواقاً الى معرفة كل شيء؟

قبل أن يستقر في غرفته تحت الأرض، بادره أحد زواره: هل تحب المطالعة الى هذا الحد – دولة الرئيس – أم انكم تملأون الوقت الضائع لمجرد الهواية؟

وضع العماد عون كتاباً امتشقه بيديه ونظر الى ضيفه نظرة تساؤل، وبادره بانه قارئ نهم، وهذه احدى هواياتي.

سأله زائره ثانية: هل حافظتم على هذه الهوية يوم أبعدوكم الى مارسيليا، أو ساعة فرضوا عليكم الإبتعاد الى قرية لا هوت ميزون القريبة من باريس؟

ظل الرجل صامتاً، ويعود الى كتبه في الرابية، ويتابع مطالعاته، قبل الانتقال الى القصر الجمهوري في بعبدا، بعد انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية.

ظل العماد عون هادئاً، فهو الآن عماد الجمهورية، لكنه التفت الى زائره، وروى له انه تناول أطيب غداء مع الأمير فاروق أبي اللمع.

تشعبت الاحاديث على لسان عماد الجمهورية وتنوعت الأحلام. انها قصة وطن يبحث عن أحلام، والحلم الحقيقي باق في القلب والصدر.

وتسارعت التساؤلات: هل ما يحدث كان يواجه أيضاً الرؤساء فؤاد شهاب وشارل حلو وسليمان فرنجيه وبشير الجميل قبل اغتياله وشقيقه أمين والياس سركيس قبل الإثنين.

ويقول النائب الراحل نصري المعلوف، ان لكل رئيس خصوصيته في التعامل مع التطورات، ويروي ان الرئيس الأميركي ادوار هيغ أوفد الى الشرق الأوسط ومتروبوليت أميركا الشمالية الراحل فيليب صليبا، وحمَّله رسائل منه الى كل من الملك حسين عاهل الأردن والرئيس السوري حافظ الأسد والرئيس اللبناني أمين الجميل. وعندما وصل المطران فيليب الى بعبدا، وهَمّ بتقديم هديته الى رئيس الجمهورية، حاول هذا الأخير الإعتذار عن قبولها. الا ان المتروبوليت فيليب ابن بلدة شرين في أعالي المتن الشمالي بادره بانه لا يحمل هدية اليه، ليطلب بموجبه شفاعة أو مساعدة لأحد ابناء المنطقة. لكن الرئيس الجميل قبلها على مضض، وتبين ان احد عناصر حزب الكتائب في الولايات المتحدة قد أوغر صدره حقداً.

وهذه الأمور تكررت مع الرئيس الأميركي جون كينيدي، عندما زار البطريرك بولس المعوشي الولايات المتحدة، وقدم هدية الى الرئيس الأميركي، وهي عبارة عن غرسة أرزة زرعوها في حديقة البيت الأبيض. طلب البطريرك اللبناني من اول رئيس كاثوليكي أميركي مقابلة عابرة، الا ان سيد البيت الأبيض اعتذر عن مقابلة اي انسان ذي صفة طائفية، لكن البطريرك المعوشي طلب من كاردينال نيويورك، ان يسير الى جانب الرئيس كينيدي ويدس في الصينية التي تنطوي على كوب ماء، ورقة صغيرة يقول فيها ان لبنان يراهن على أميركا هذه الأيام وليس على فرنسا، ولذلك يطلب منه عدم التجديد للرئيس فؤاد شهاب.

ارتاح الكاردينال المعوشي الى موقف الرئيس كينيدي، الذي ارجأ استقبال البطريرك الماروني الى حين حضور السفير اللبناني في واشنطن، وبعد رجوع القائم بالأعمال اللبناني السفير سهيل شماس الى لبنان.

ولكن، يقال ان أحداً لم يدر بالورقة التي وضعها الكاردينال للرئيس كينيدي، وهذا ما حدث بعد ذلك عندما مات الرئيس شهاب، واعتذر الكاردينال المعوشي عن تعزيته الشخصية وترك لنائبه نصرالله صفير قراءة الرقيم البطريركي.

العقدة الغامضة

يوم الأربعاء الفائت فوجئ الناس بالرئيس سعد الحريري يطلب من أحد معاونيه أن يطلب من قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون الحضور الى القصر الحكومي، بغية توضيح قصة وفاة أربعة سوريين قبل التحقيق معهم.

ويوم الاثنين فوجئ الناس بوزير الدفاع يعقوب الصراف يحضر مع قائد الجيش، وينتهي اللقاء باشادة رفيعة المستوى من رئيس الحكومة سعد الحريري بقائد الجيش.

هناك قصة غامضة، هل طلب رئيس مجلس الوزراء من قائد الجيش الحضور الى السراي مع وزير الدفاع، أم هل نصحه أحد بالأمر، لانه لا يجوز استدعاء القائد من دون حضور وزير الدفاع. هل حضر وزير الدفاع من تلقاء ذاته؟

المهم، ان القصة تمت على خير، ونجحت تجربة التوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء في غياب رئيس السلطة الإشتراعية نبيه بري في القارة الأوروبية، لقضاء اجازته السنوية فيها.

طبعاً، لا أحد يملك تفاصيل عملية عن القصة، الا ان التوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة قائم على أحسن ما يرام.

وانتهى الموضوع على أحسن ما يكون الحوار والخلاف والتباين والتفاهم بين أركان السلطة.

لا أحد يغيب عن باله، وجود تباينات في مواقع السلطة ولا سيما على صعيد التعاون بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لكن ثمة قناعة بان التوافق بين الرجلين قائم، ولو حاول المصطادون في المياه العكرة ترويج الأخبار غير الدقيقة.

وهذه المعضلة كانت القيادة السورية تستغلها، لإحباط التوافق السياسي داخل البلاد، ولعل حضور السفير السوري علي عبد الكريم علي عند الوزير طلال ارسلان، كان فرصة مقصودة على الارجح، لطي هذا الموضوع في عصر التفاهم القائم بين الرؤساء الثلاثة، أو بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على أسس لا بد من المحافظة عليها من أجل قيامة لبنان من بين انقاض النزاعات القائمة، ولا سيما بعد شيوع الجرائم في بعض المناطق على حساب السلطة الواحدة.

ويقال ان الطريق التي تمت بها تسوية الأمور بسرعة، حافظت على سر قيامة الدولة.

وهذا ما جعل رئيس الجمهورية يؤكد امام المنتدى الاقتصادي اللبناني للشركات المتوسطة والصغيرة الى انه يجب التوصل والتحوّل من المجتمع الريعي الى المجتمع الحقيقي المبني على الإنتاج، وهذه هي الغاية من المنتدى وعلينا متابعة الموضوع مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

وفي رأي رئيس الجمهورية ان هناك مؤسسات مالية وعالمية مشهود لها بوضع دراسات ميدانية لإستنهاض الأفكار الرئيسية لتفادي الأفكار السيئة، خصوصاً اننا إذا لم نعمل بطريقة علمية، تشمل القطاعات كافة، فان النتائج ستكون حتماً وخيمة.

ويوم الأربعاء الفائت ايضاً، كانت مدينة طرابلس، تعيش عالماً آخر، غير الذي عرفته سابقاً، كان زعيم المدينة الرئيس رشيد كرامي في عداد الشهداء الذين ودّعوا العاصمة الثانية، من دون أن يكتبوا تاريخ الفيّحاء بمداد المحبة.

كان على متن طائرة مروحية متجهة به من طرابلس الى بيروت، ليجتمع مع الرئيس كميل شمعون، في ميدان سباق الخيل، لكن المؤامرة كانت تتربص به بين البترون وجبيل، ومعه على متن الطائرة النائب الدكتور عبدالله الراسي.

هذا قبل ربع قرن، لكن قبل خمسة أيام، نُكبت طرابلس بوفاة زعيم آخر في مدينة الزعماء، فقد توفي النائب السابق الدكتور عبد المجيد الطيب الرافعي، عن عمر يقارب التسعين عاما.

لكن زعيم المدينة رشيد كرامي رحل الى العالم الآخر، ورحل بعده زعيم آخر في مدينة الزعماء هو عبد المجيد الرافعي، والإثنان كانا كبيرين في المنافسة السياسية كما في الخصومة الحزبية، وليس غريباً أن يرحل رشيد كرامي الى العالم الآخر، وهو رئيس حزب التحرر العربي، وأن يرحل جده الزعيم الثاني في حزب البعث العربي الإشتراكي، وقد نالا في الإنتخابات النيابية في العام ١٩٧٠، ارقاماً متقاربة لا نظير لها. وهي تقارب الثمانية عشر ألف صوت، الى جانب نواب المدينة الدكتور هاشم الحسيني، الدكتور أمين الحافظ والسيد موريس حبيب فاضل.

كان رشيد كرامي زعيماً سياسياً، برز في السياسة في بداية عهده على أيام الرئيس فؤاد شهاب والرئيس جمال عبد الناصر. يومئذ قامت أول وحدة عربية بين مصر وسوريا، وقامت تحالفات جمعت بين عبد الناصر وفؤاد شهاب، على يد الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور.

عاشت تلك الوحدة ست سنوات، ارتاح خلالها لبنان من الصراعات الصغيرة والخلافات الكبيرة.

في العام ١٩٦٤، اختار فؤاد شهاب العزوف عن التجديد لولاية ثانية. الا أن الخلافات تجددت بين الزعماء الموارنة، خصوصاً عندما تبنى فؤاد شهاب اقتراح العميد ريمون اده، بتأليف حكومة رباعية ضمت عن المسلمين رشيد كرامي وحسين العويني، وعن المسيحيين الشيخ بيار الجميل وريمون اده.

بعد تسعة أشهر استقال ريمون اده وقرر فؤاد شهاب توسيع حكومته واستدعى على الفور المدير العام لرئاسة الجمهورية الأستاذ الياس سركيس، وطلب منه أن يبحث له عن محام، كان يعمل قاضياً في محكمة التجارة اسمه فؤاد بطرس.

واجتمع الإثنان في مقهى يقع في فرن الشباك وطلب منه البقاء في بيروت، وعدم الصعود الى مصيفه في عاليه، لأن الرئىس فؤاد شهاب يريد الإجتماع به مع الرئىس رشيد كرامي.

تساءل فؤاد بطرس عما يريد منه فؤاد شهاب، وهو الآن رئيس جمهورية لبنان، فلم يتذكر. حكّ ذاكرته مرة ثانية واكتشف ان فؤاد شهاب عندما كان قائداً للجيش، حضر مع وزير الدفاع مجيد ارسلان الى المحكمة العسكرية ووجه إليه سؤالاً، كان قد رفضه في السابق. لانه لا يحق له طرحه عليه.

أدرك فؤاد بطرس ان فؤاد شهاب يريده وزيراً، لأنه رفض طلباً قدمه اليه وزير الدفاع الوطني الامير مجيد ارسلان.

في العام ١٩٩٢، كان رشيد كرامي يجلس في منزله عندما استقبل رئيس بلدية طرابلس عشير الداية الذي كان يحظى بمحبته والاحترام والتقدير.

وفي خلوة هادئة سأله عشير الداية: لماذا اخترتم الآن الإفتراق عن فؤاد بطرس والتحالف مع خصمكم عبد المجيد الرافعي.

أطرق رشيد كرامي هنيهة وقال انني أعرف الآن الدكتور عبد المجيد الرافعي سيفوز في الإنتخابات النيابية، وأنا لا أريد رسوب هاشم الحسيني أو سقوط أمين الحافظ. لذلك قررت التعاون مع عبد الغني عبد الوهاب الضعيف سياسياً، لئلا يفوز عبد المجيد على حساب هاشم الحسيني أو أمين الحافظ.

إلا ان انتخابات العام ١٩٩٦ أبرزت وجوهاً جديدة في المعركة حملت شخصيات جديدة أبرزها أحمد كرامي، محمد كباره، عمر مسقاوي، مصباح الأحدب وموريس فاضل وجان عبيد وبرز في المعركة السادة جبران عريجي رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي والمرحوم أحمد حبوس عن العلويين وسمير الجسر نجل النائب الراحل عدنان الجسر، والحليف الأبرز للرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأصبح القاضي جبرائيل خلاط من أهم وأبرز حلفاء الدكتور عبد المجيد الرافعي.

هل رحل عبد المجيد الرافعي، لأنه ابتعد عن المعركة السياسية إبان النفوذ السوري في طرابلس أم إنه اكتفى بتكريم النائب نجيب الميقاتي له قبل بضعة أشهر؟ في الواقع ان قيام تحالف طرابلس يضم في صفوفه الان سعد الحريري ومحمد الصفدي والوزير أحمد كباره، يعتبر الوجه الجديد للمعركة الآتية الى المدينة، على الرغم من بروز زعامة الوزير السابق أشرف ريفي ووزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق، ذلك ان الحوار الخافت بين تيار المستقبل والرئىس الحالي للمجلس النيابي، وحزب الله يخلق منافسة غامضة في معركة يصعب التكهن بنتائجها السياسية في مدينة عامرة بالمفاجآت.

ويقال إن المعركة المقبلة ستكون معركة الحلفاء والأصدقاء لان معظمهم يتناوبون على تزعم معركة مجهولة النتائج حتى الآن.