IMLebanon

قصة الموقع الأول في الدولة مع غياب دولة المواقع الأولى

قصة الموقع الأول في الدولة مع غياب دولة المواقع الأولى

جمهورية غارقة في منتصف الطريق

وروّاد الطموح أمام أحلام الصعود لا النزول

العالم يتغيّر كثيراً، في فصول عديدة، وهذه هي قصة لبنان مع العالم، وهي قصة جمهورية لا تزال منذ سنتين وأربعة أشهر، من دون وجود رئيس جمهورية، يقودها بين الفراغ والحياة…

هل يعقل أن يسعى الرئيس سعد الحريري الى جمهورية، ولا يجد لها الجمهور الذي يسير بها من الرتابة الى الحداثة.

قبل بضعة أشهر، حاول سعد الحريري أن يتّفق في أوروبا مع الرئيس العماد ميشال عون على ترشيحه لرئاسة جمهورية لبنان، لكنه أخفق، والخلاف والاتفاق هو الآخر حقّ.

حاول الرئيس سعد الحريري ان يطلب من زعيم التيار الوطني الحر أن يقنع الزعماء المسيحيين الآخرين بالموافقة على ترشيحه، لكن المحاولة باءت بالفشل.

ربما لم يحاول العماد عون جسّ نبض، الرئيس أمين الجميّل لتأييده، وربما لم يحاول أيضاً أو لم يسعَ الى اجتذاب الدكتور سمير جعجع اليه. وربما لم يطلب من النائب سليمان فرنجيه الطلب ذاته.

إلاّ أن المرشحين الأربعة الكبار في قاموس بكركي، كانوا أحلاماً لا مجرّد أسماء تطفو على وجه المعركة الرئاسية الأولى.

ثمة كتلتان نيابيتان كبريان، تحمل كل منهما مفتاح الانتخابات الرئاسية في برلمان ساحة النجمة وهما تيار المستقبل بقيادة سعد الحريري والتيار الوطني الحر بزعامة العماد عون، لكن الكتلتين تصنعان رئيساً للبلاد اذا اتفقتا على مرشح واحد.

حاول الرئيس سعد الحريري قرابة ٤٨ مرة ان يجمع تيّاره الى ترشيح الدكتور سمير جعجع، وعندما لم يفلح في ذلك، لجأ الى الخطوة الصعبة وهي محاولة الاتفاق مع مرشح ثانٍ من ٨ آذار، هو النائب سليمان فرنجيه، اعتقاداً منه ان اخفاقه في الاتفاق مع الجنرال قد ينجح مع زعيم تيار المردة. لكن، لا العماد عون تنازل عن ترشيحه، ولا حزب الله أيّد فرنجيه، وبقيت العقدة الرئاسية مُعلّقة وجامدة على أبواب الرابية كما هي معلّقة أيضاً على أبواب بنشعي مقرّ اقامة زعيم المردة.

غاب الرئيس سعد الحريري عن لبنان قرابة الشهرين، لكنه عندما عاد اليه، عاد بأفكار جديدة، وفي نيّته ترشيح النائب عون وقد يغيب مرة أخرى، وتعود اللعبة الانتخابية نفسها.

إلاّ أن هذا الترشيح لاقى تعاطفاً من عدد لا يُستهان به من تيار المستقبل ولا سيما من نواب الشمال الذين يقولون ان النائب سليمان فرنجيه، عندما استشهد الرئيس رفيق الحريري، وكان وزيرا للداخلية اتخذ مواقف شجاعة على صعيد التحقيق، وتعاطف خلال اقامته في طرابلس في حقبة السبعينات مع معظم زعماء الشمال، وفي مقدمتهم الرئيس فريد مكاري الذي كان قريباً منه، الى حدّ انه اشترى منزلاً في بنشعي ليكون قريباً من رئيس تيار المردة الذي تمتد زعامته السياسية الى معظم مناطق الشمال، اضافة الى الوزير السابق النائب الدكتور أحد فتفت، وان ظلّ وزير العدل المستقيل أشرف ريفي معارضاً لترشيح قائد المردة وللجنرال معاً.

وعرض النائب الحريري فكرة ترشيح العماد عون، بعد مجاهرته أشهراً بأن النائب فرنجيه هو مرشحه، ولاقى هذا الترشيح قبولاً من معظم نواب المستقبل، ولا سيما من المستقلين وفي مقدمتهم الوزير الشيخ بطرس حرب، وتحفظاً من آخرين كالوزير ميشال فرعون خصوصاً بعد اعلان الدكتور جعجع تأييده لترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية.

ويقول العارفون ان اجماع نواب تيار المستقبل على تأييد رئيس حزب القوات اللبنانية، لم يظهر عند زوّار معراب ولا عند سيّدها، لأن الدكتور جعجع فوجئ بقرار الرئيس سعد الحريري بترشيح خصمه الألد سليمان فرنجيه فسارع الى جمع نوابه وأركان حزبه في مقرّه في معراب، ورحّب بالجنرال مرشحاً رئاسياً وصديقاً جديداً له، سواء عندما زاره شاكراً، أو خلال تعاطفهما معاً في المواقف.

إلاّ أن الرئيس سعد الحريري لم يعلن بعد تأييده السافر للعماد عون، لكن زيارة رئيس تيار المستقبل أخيراً للرابية، أكدت تفاهم الرجلين على ان يكونا معاً في المعركة. إلاّ أن هذا كله مجرّد كلام، لا اعلان نيّات، إلاّ أنه عملياً تفاهم وطني، لا يتنازل أحد منهما عن أي من مواقفه، إلاّ أن المعلومات تشير الى ان الحريري سيعلن ترشيحه للعماد عون للرئاسة الأولى بعد أسبوعين.

إلاّ أن العقدة التي ارتسمت في الآفاق تمثلت في مواقف الرئيس نبيه بري وتراجع النائب وليد جنبلاط الموجود الآن في فرنسا، وسط غياهب سياسية جمّة تبعد القرار المرتقب عن الاعلان.

ويقال ان الرئيس بري بادر الى المجاهرة ب سلّة تفاهمات، وضعها في وجه الجنرال وسواه، وجعل البطريرك الماروني بشارة الراعي ينتفض ضدّ وضع شروط على أي رئيس جمهورية قبل انتخابه، خصوصاً بعدما جرّده اتفاق الطائف من بعض هذه الصلاحيات.

مناسبتان لا واحدة

إلاّ أن العماد عون ظهر على الشاشة الصغيرة الأسبوع الفائت، وحرص خلالها على ترميم الجسور المتداعية مع الجميع، وفي مقدمتهم الرئيس بري نفسه الذي أوحى بأن لا مرشح لديه، لا سرّاً، ولا علناً.

وحمل الاجتماع الشهري للسادة المطارنة الموارنة قبل بضعة أيام، دستور ايمان بأن رؤساء الطوائف جميعاً تبنّوا وجهة نظر البطريرك الراعي المتّسمة بالمرونة والحكمة.

ويبدو ان زعيم البرلمان بادر فوراً الى تلقف مواقف السادة المطارنة الأجلاّء، ووزّع الحلوى ترحيباً، ليؤكد فرحه بمواقف بكركي وأوفد في اليوم التالي كبير مستشاريه وزير المال علي حسن خليل، ليحمل الى صاحب الغبطة تحياته وتقديره وحرصه أكثر من سواه على أن يشق المرشح الرئاسي، طريقه الى بعبدا من دون شروط أو حدود.

ويقال ان الرئيس بري، الذي يمارس دوره بحكمة وحنكة نادرتين، يستند في مواقفه الأخيرة، على وحدة تؤازره وتؤيده، ذلك ان الطائفة الشيعية الكريمة، حزمة واحدة، لأن حزب الله احتفظ بتأييده لترشيح العماد عون للرئاسة الأولى، في حين احتفظ الرئيس بري بتأييد الحزب لدعوة رئيس حركة أمل للسلْة، من دوم حاجة الى صدور بيان بذلك.

وفي العودة الى ترشيح تيار المستقبل للعماد عون للرئاسة الأولى، فقد علم ان الرئيس سعد الحريري، حرص خلال اجتماع تكتل المستقبل الأخير، في بيت الوسط، على عدم صدور أي كلمة أو اشارة الى الموقف السياسي من الترشيح الرئاسي، لأن زعيم التيار حريص على حفظ حقوق ومواقف رئيس الكتلة فؤاد السنيورة، في الاعلان الرسمي عن ترشيح العماد عون، لكن المعلومات توحي بأن الرئيس سعد الحريري حريص علي ان يقترن هذا الصدور بمراعاة كاملة، لوحدة التيار، ولرأي كل نائب من موضوع أساسي، يعبّر بوضوح عن خلاصة تجارب أكبر كتلة نيابية من أخطر موضوع سياسي مطروح على الجميع ولا سيما من خلال وجود حرص كامل من الجميع على وحدة المواقف والآراء السياسية.

والتيار لم يلجأ ولن يلجأ الى الشارع، إلاّ ليؤكد للجميع انهم روّاد وحدة، لا دعاة تجزئة، ولا تقسيم.

أضاف: نحبّ لبنان كما هو، لا كما يريده المتاجرون بالمفاهيم الخاطئة، لأننا نسعى الى توطيد كيان البلد لا الى تجزئته، وهذا ما نأمل ان يتفهمه شركاؤنا في البلاد.

ونحن اذا ما وصلنا الى رئاسة الجمهورية فإننا نتصرّف بهذا الوحي لا بسواه، لأن لبنان المناوئ لهذا الواقع هو نهاية لهذا الوطن.

إلاّ أن طرح موضوع السلّة أعاد طرح موضوع الشراكة السياسية داخل البلاد، وما اذا كان تفكير كل طائفة بحقوقها على حدة يزيد الأمور تعقيداً أو تسهيلاً.

ويقول العماد عون ان المحافظة على الدستور، والتقيّد به دون زيادة أو نقصان، هو الطريق الأمثل للحفاظ على القانون.

ويضيف: أنا شخصياً كنت عند ذهاب النواب الى الطائف، وبعد عودتهم منه، أعارض بعض بنوده. لكن الطائف، عندما أصبح دستوراً للبلاد، بادرت الى الاعتراف به كما وافق عليه البرلمان.

ويتابع: لا يزايدن أحد عليّ، وأنا عندما اجتمعت بالرئيس سعد الحريري أخيراً في الرابية، اتفقنا على احترام الدستور، وعلى الحفاظ على نصوصه، وعندما رشحت الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، قلت انه رئيس أكبر كتلة نيابية ومن حق المجلس النيابي اختياره لتشكيل الحكومة، ولم أقل انني اذا ما وصلت الى الرئاسة الأولى أعيّنه رئيساً للحكومة.

أما الذين يدفعون التيار الوطني الحر الى الشارع، هؤلاء هم أعداء وحدة لبنان، لأن الوحدة لا تكون بين مجموعة طوائف، بل بين كل أبناء الوطن الواحد.

ويتابع: نحن اتفقنا منذ سنوات مع حزب الله لأنه يمثّل فئة كبرى من أبناء الوطن، ولم نسع يوماً، لا الحزب ولا نحن، الى اقتسام لبنان، بل الى توحيده. ونحن لسنا من دعاة الفيدرالية ولا من حماة التقسيم. نحن حماة وطن واحد يحكمه الدستور ويتجسّد التعقل في تصرفات قادته.

وهذا ما نريده مع سعد الحريري والمستقبل، لأن وحدة الوطن لا تتجزأ ولا تنفصم عراها. ووحدة لبنان هي الأساس، ولا يدفعنا أحد الى خيارات لا نريدها.

كان الرئيس كميل شمعون، يقول للنائب والوزير السابق ادوار حنين، ان وزير الخارجية الأميركي هنري كيسينجر، زرع افكاره في السياسة التي تعتمدها واشنطن منذ أكثر من نصف قرن، ولا تزال.

ويروي ان وزير الخارجية فيليب تقلا قال امامه في حقبة الخمسينات، بعد تأليف حكومة الرئيس رشيد كرامي ان البروفسور كيسينجر أوجد سياسة ثانية في الادارة الأميركية، ويصعب على أي وزير سواه تغييرها. وهذا ما يفسّر استمرار معظم وزراء الخارجية في لبنان في مناصبهم، على تعاقب العهود.

وسأله الوزير ادوار حنين، وما هي فلسفة كيسينجر في السياسة الخارجية الأميركية فرد الرئيس السابق للجمهورية انه كان يرى ان من حق أميركا، التدخّل في الشؤون العائدة لأي دولة، وتعتبره حقاً من حقوقها، وواجباً من واجباتها خصوصا اذا كان هذا التدخّل يعود بالقضايا المباشرة الى مصالحها الحيوية.

كان كيسينجر يؤمن في قرارة نفسه ان الديمقراطية عاشت في معظم أنحاء العالم، لأن طبيعة الحوار فيها أساسية، وان النازية التي بشّر بها أدولف هتلر زالت، لأنها عجزت مع ضراوة الحروب عن الرسوخ.

ويضيف الدكتور كيسنجر، كما كان يقول الرئيس كميل شمعون ان الثوابت العربية لا تستدعي اعادة النظر في السياسة الأميركية سواء كانت الأنظمة ثورية أو ديكتاتورية أو ديمقراطية، لأن المهمّ ان تكون سياسة تلك الأنظمة ومواقفها تخدم المصالح الأميركية.

وهذه الأفكار ظهرت خلال المناظرة الأولى بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والمرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون.

وفي رأي البروفسور كيسنجر ان سياسة جامعة الدول العربية، على تعاقب فصولها قد ساهمت في المحافظة على الواقع التقليدي وغير الديمقراطي في المنطقة العربية. لأن الادارة الأميركية ينبغي ان تعمل من أجل ان تتحوّل الحكومات الى التكيّف مع الصراع الاقليمي، ولا سيما مع المناخ الذي تخلقه الأقليات، على الرغم من ضراوة الحزازات الضيّقة في بعض الكيانات السياسية ولا سيما في الشعوب ذات الأفكار الخاصة في بعض المناحي الضيّقة.

ويرى ان المطلوب حركة تصحيحية تعالج وتحسم أمراً أساسياً ألا وهو مستقبل الديانات ومسائل الفقر والعنف والحريات.

ويرى كيسينجر في هذا المجال، لاحقاً، ان الحرية في بعض الديانات، بحاجة الى رجال يحملون بذور التغيير في تحديد معنى الشرف، وهذا يتطلب وجود نظام أخلاقي يطبّق فعلاً، وليس الى ظواهر دينية يختبئ خلفها الكذب والعنف، لأننا نعمل من أجل ان تتحوّل الى نظام اقليمي يخلو من الأقليات ولو من ضمن دول ذات سيادة.

ويرى كاتب أميركي، ان البروفسور كيسينجر جعل أفكاره تتعمّق، اعتقاداً منه ان أميركا دولة ذات سيادة، ولها حق الوصاية على العالم، لأن رجالها الكبار خالدون، وان الآخرين عابرون.

ولبنان دولة اتحادية مؤلفة من أقاليم لها حدود تقع على خط يوافق مجرى النهر الكبير بين وادي خالد ونهر العاصي، ويمتد الى حدود بعلبك الشمالية، من الجهة الشمالية – الشرقية والجهة الجنوبية امتداداً الى حاصبيا وراشيا الشرقية، حتى حدود مرجعيون والبحر المتوسط غربا، ولذلك، فلا يجوز التخلّي عن أي جزء من أراضي الجمهورية اللبنانية.

وهذا ما يدعو الى حماية الملكية الخاصة لأسباب المنفعة العامة، وفي الأحوال المنصوص عنها في الدستور. ولذلك، فان الشعب هو مصدر السلطة والسيادة في الدولة، ويمارس السلطة بواسطة ممثليه عن طريق الانتخاب المباشر، كما هو مفصّل في الدستور.

وفي القانون تعتبر الجنسية اللبنانية حقّ لكل متحدّر من أصل لبناني ولا تعطى الجنسية اللبنانية إلاّ لمن دافع عن لبنان، أو أغنى التراث اللبناني، بأعمال انسانية أو علمية مميّزة.

وبموجب القانون، تنظم مجموعة القوانين على أساس حق الانسان في الانتخاب أو في انشاء الأحزاب السياسية.

وهذه من مميزات الوجود اللبناني في أبرز معالم الحدود غير القابلة للتجزئة.