كان ذلك في العام ١٩٦٤.
رنَّ الهاتف، وكان على الخط المقابل الشيخ وجيه سعاده أحد مديري بنك الاتحاد الوطني في طرابلس.
وفي لحظات تمّ الاتفاق على اللقاء.
وبعد لحظات شعرت انني أصبحت من أسرة صدى الشمال لصاحبها يومئذٍ الأستاذ قبلان أنطون.
لكن العقدة، انها جريدة أسبوعية وزغرتاوية، وأنا يساري الهوى، وهي يمينيّة الانتساب.
قال لي وجيه سعاده، لنذهب معاً.
وبعد ربع ساعة كنّا في منزل سليمان بيك فرنجيه المجاور لمقهى النفرسكو في العاصمة الثانية.
كانت الساعة تشير الى التاسعة مساء.
دعا الزعيم الزغرتاوي زواره الى العشاء.
وبعد أحاديث سريعة، بادرني: هل أنت شيوعي يا ابني؟
وأجبته: بأنني لا أزال عند الباب.
وعقب: أدخل، ثم أخبرني عن انطباعاتك.
وأردف: من حق كل انسان، أن يكون له رأيه وموقفه، لكن صدى الشمال أسسها المرحوم فريد أنطون، وكان نقيباً لصحافيي الشمال، ويتابع أصدارها نجله قبلان.
وتابع: أرجو أن تدرك أن الصدى هي صدى لأفكار أبناء زغرتا، لا لآراء بيت فرنجيه، وصدى للشمال كله، للبترون، والكورة وبشري وعكار والضنية ولعاصمتنا طرابلس.
وختم: عندئذ، لا تكون كما أرادها فريد أنطون.
***
بعد مدة طرح اسم سليمان فرنجيه للرئاسة الأولى، في النصف الثاني من العام ١٩٦٤.
ذهبت الى داره، فوجدت عشرات الصحافيين هناك، قادمين من بيروت للوقوف على ما عنده.
وكعادته دعاهم الى الغداء، ثم ودّعهم.
وبادرته: وماذا تريدني أن أفعل؟
وأجاب عدّ إليّ عند المساء.
ورجعت ووضعت نفسي بتصرّفه.
سألته: ما هو برنامجكم الرئاسي؟
ورد بأنه لن يترشح، وقد رشح صديقه الشيخ حبيب كيروز.
وسألته: ما هو برنامجكم لو ترشحتم؟
وأجاب: سأختصر العناوين الثلاثة لعهود الرؤساء الثلاثة: بشارة الخوري، كميل شمعون وفؤاد شهاب.
قلت له: شكراً، وجمعت أوراقي وهممت بمغادرة داره.
إلا أنه استوقفني قائلاً: حذار أن تنشر حرفاً في صحف العاصمة. أُنشر ما قلته لكم بالتفصيل في صدى الشمال أولاً.
سألته مجدداً: لماذا؟
وأجاب: لأن الصدى هي جزء من نفسي، ومن كل زغرتاوي.
ذهبت الى معلمنا الأب ريمون جوهر صاحب الرائد وأخبرته بما حدث معي مع الإقطاعي الزغرتاوي.
وردّ الأب جوهر: صحيح أن فريد أنطون كان طيباً، لكن نجله قبلان أكثر منه طيبة وخُلقاً.
وساعتئذٍ أدركت ان سليمان فرنجيه رجل مبادئ وحوار في آن.
***
ولما اصبح رئيساً للجمهورية في العام ١٩٧٠، بادرني، عندما شاهدني في القصر الجمهوري، وهو يخرج مع حكومة الشباب:
الصحافي جندي للحرية أولاً، وللوطن ثانياً.
وعندما طلب مني قبلان انطون العمل في وزارة الاعلام، مع الاستاذ رامز خازن يوم الأحد، وهو يوم عطلة، وهو المدير الاداري للموظفين، ادركت حقيقة، ان سليمان فرنجيه، ومن استعان بهم، يريدون أن يكونوا جميعاً، رسلاً للدولة، لا موظفين تصرف الدولة عليهم.
وعندما اختار وجيه سعاده رئيساً لمجلس ادارة تلفزيون لبنان، نقلها من تحت الصفر الى فوق الصفر، وجعلها تساهم في كازينو لبنان.
إنها قصة وفاء للدولة، ودعها بالامس قبلان انطون.