للمرة الأولى يتحدث مسؤول من كردستان العراق عما كان قاله العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قبل أكثر من عشرة أعوام٬ وهو أن إيران تسعى لإقامة قوس أو هلال عنوانه شيعي وحقيقته فارسية٬ يبدأ طرفه الأول باليمن وينتهي طرفه الثاني بالجنوب اللبناني٬ مروًرا بدول الخليج العربي والعراق وسوريا٬ وصولاً إلى لبنان. وحقيقة أنه لولا «عاصفة الحزم» التي اتخذ قرارها الشجاع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لتم إنجاز الجزء الأكبر من هذا الهلال الذي هدفه استعادة ما يعتبره هذا النظام الإيراني: «أمجاد فارس القديمة»٬ والذي لا علاقة له بتاًتا لا بالتشيع ولا بالطائفة الشيعية الكريمة٬ خاصة أتباعها من العرب الذين يعودون بأصولهم إلى أبطال ذي قار والقادسية.
اعتبر هذا المسؤول (العسكري) من قوات «البيشمركة» الكردية أن زج إيران بوحدات عسكرية نظامية٬ إلى جانب فيلق القدس وحراس الثورة والحشد الشعبي الذي يقوده هادي العامري٬ وبعض التنظيمات المذهبية الأخرى التي من بينها ما يسمى: «عصائب الحق»٬ في معركة طوز خورماتو هدفه أن تكون القفزة الأخرى في اتجاه إقليم كردستان العراق لاستكمال هذا الهلال العسكري – الديموغرافي الذي استكمل الإيرانيون بعض أجزائه الرئيسية والأساسية بإحراز كل هذا التمدد الاحتلالي في العراق٬ وفي سوريا٬ وفي لبنان أيًضا٬ من خلال حزب الله الذي كان زعيمه حسن نصر الله قد أعلن بأنه «يفتخر» بأنه جندي في فيلق الولي الفقيه.
وهنا٬ فربما أن كثيرين لا يعرفون أن بدايات محاولات إيران إنشاء ممر عسكري «كاريدور» عبر إقليم كردستان – العراق يربط بينها وبين سوريا يعود لنحو منتصف تسعينات القرن الماضي٬ عندما رتب جلال الطالباني هجوما على مدينة أربيل مع الإيرانيين٬ شاركت فيه قطاعات عسكرية إيرانية «ُمجْوقلة» تقدر بفرقة كاملة٬ لانتزاعها من قوات «البيشمركة» التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة مسعود البارزاني٬ نجل القائد التاريخي الملا مصطفى البارزاني٬ وزير دفاع أول دولة كردية٬ التي هي دولة «مهاباد» التي كانت نهايتها عاجلة٬ بعدما أطبقت عليها أضلاع المؤامرة الدولية في تلك الفترة المبكرة.
وكانت قوات مسعود البارزاني قد استعادت هذه المدينة (أربيل)٬ في بدايات تسعينات القرن الماضي٬ وبادرت إلى الربط بينها وبين مدينتي دهوك وزاخو على الحدود العراقية – التركية٬ وبعمقُمعتبر في اتجاه الشمال يصل إلى منطقة بارزان٬ ويلامس جبال قنديل الشهيرة٬ مع امتداد نحو الحدود الإيرانية يصل إلى حاج عمران التي كانت تشكل أحد مراكز الملا مصطفى البارزاني العسكرية الاستراتيجية٬ وهذا عنى بالنسبة للإيرانيين استحالة إنشاء الممر الأرضي الذي كانوا يسعون إليه منذ بدايات انتصارات الثورة الإيرانية في عام ٬1979 الذي يربط بين إيران وبين سوريا عسكرًيا واقتصادًيا٬ والمعروف أن «القطر العربي السوري» كان قد انحاز إلى الدولة الخمينية٬ إلى جانب جماهيرية القذافي خلال حرب الثمانية أعوام العراقية الإيرانية.
المهم أن مسعود البارزاني كان على رأس بعض وحداته العسكرية في منطقة جبل «حسن بيك» للانطلاق في اتجاه منطقة حرير على الطريق بين داهوك وأربيل٬ عندما تمكنت القوات الإيرانية الغازية من اقتحام هذه المدينة التاريخية والسيطرة عليها٬ ليس بتواطؤ من جلال الطالباني الذي كان يسيطر على مدينة السليمانية وفقط٬ بل ومشاركة عسكرية (وإْن محدودة جًدا منه)٬ مما أكد أن الخطوة الثانية للإيرانيين ستكون الوصول إلى الحدود العراقية السورية بالقرب من:
«معبر إبراهيم»٬ وتحقيق الربط الأرضي بين إيران وسوريا.. هذا الهدف الذي لا يزال منشوًدا حتى الآن٬ والذي يبدو أن طهران غدت تسعى لتحقيقه عبر منطقة طوز خورماتو في اتجاه شمال الموصل وصولاً إلى الأراضي السورية.
لقد كان مسعود البارزاني في تلك اللحظة التاريخية يواجه خيارات صعبة بالفعل٬ فأوضاعه العسكرية في كردستان العراق٬ التي كان قد عاد إليها تًّوا ومعه مئات الألوف من أبناء شعبه الذين كانوا غادروا وطنهم بعد محرقة «حلبجة» الشهيرة وقبل ذلك٬ لم تكن قد استقرت بعد… وهكذا فقد كان عليه أمام كل هذه التحديات والتطورات الخطيرة إما أن يتراجع ويعود إلى خيار المنافي أو يستعين بصدام حسين وعلى أساس أن هذا هو «العدو» الذي ليس من صداقته بد وإن مؤقًتا فكان والتطورات الخطيرة إما أن يتراجع ويعود إلى خيار المنافي أو يستعين بصدام حسين وعلى أساس أن هذا هو «العدو» الذي ليس من صداقته بد وإن مؤقًتا فكان لا بَّد مما لاُبَّد منهُبّد.
وهنا فإن الأمانة تقتضي الكشف عن حقيقة لا بد من الكشف عنها بعد كل هذه السنوات الطويلة وهي أن البارزاني قد أخذ بمشورة أهم قادة المعارضة السورية في ذلك الحين الذي كان معه في الميدان في تلك الظروف الخطيرة والصعبة٬ فتم إجراء اتصال هاتفي بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات٬ رحمه الله٬ لطلب المساعدة العسكرية من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لدحر الغزو العسكري الإيراني الذي كان هدفه٬ بعد احتلال أربيل٬ الوصول إلى الحدود السورية – العراقية وربط إيران بًرا بسوريا وتحقيق ما كان هدًفا استراتيجًيا للإيرانيين منذ انتصار الثورة الخمينية… وحقيقة أن ما طلبه الزعيم الكردي قد تحقق على الفور وإن دحر القوات الإيرانية الغازية قد تم خلال ساعات قليلة وحيث عادت قطاعات الجيش العراقي إلى مواقعها السابقة تحاشًيا لأي ردات فعل إقليمية ودولية.
إن هذا هو ما حصل في أغسطس (آب) عام ٬1996 لكن الإيرانيين ظلوا يحاولون ويضغطون ويسعون لإنشاء ممرهم البري الآنف الذكر لكن مسعود البارزاني بقي يصر على رفض هذا الطلب التعجيزي أولاً لأن تحقيقه سيشكل انتهاًكا للسيادة الوطنية الكردية وثانًيا لأنه سيؤدي إلى إشكالات أمنية كثيرة وبخاصة مع تركيا وبعض الدول العربية التي لن تقبل بأن تحقق إيران كل هذا التمدد العسكري في هذه المنطقة التي ازداد استهداف طهران لها بعد انتصار الثورة الخمينية.
وهكذا فإن السؤال في النهاية هو: لماذا يا ترى تحاول إيران مد «كاريدورها» الأرضي هذا من طوز خورماتو في اتجاه سوريا مع أنها غدت تحتل العراق كله احتلالاً كاملاً باستثناء إقليم كردستان؟ والجواب هو: إنها لا يمكن أن تطمئن إلى المناطق التي أكثرية سكانها من العرب السنة٬ ولذلك فإنها قد لجأت إلى كل هذا التحشيد العسكري والمذهبي في هذه المنطقة العراقية الآنفة الذكر لتحقيق «كاريدورها» الأرضي هذا٬ وهنا فإن ما تجب الإشارة إليه ونحن بصدد الحديث عن هذا الأمر أن جميل الأسد٬ شقيق حافظ الأسد٬ كان قد شكل في سبعينات القرن الماضي ما سمي: «جمعية الرضا» بطلب من وكيل الإمام الخميني السابق في دمشق محمد حسن أختري لتحويل سكان الحدود السورية – العراقية السنة إلى المذهب العلوي الذي بات يرتبط طائفًيا بـ«قم» الإيرانية!!