ما من موضوع جدلي في البلد اكثر من ذلك المتعلق برواتب وتعويضات العسكريين، الذي تعاد اثارته بين الحين والآخر، تارة من باب تعويضات الحجز وطورا من باب بعض التقديمات، محاولين دوما دق اسفين في العلاقة بين العسكريين وباقي فئات المجتمع، محملين المؤسسة مسؤولية عجز ارتكبته معاصيهم وفسادهم الذي نخر مؤسسات الدولة بكاملها بعدما حولوها الى مزرعة لتحقيق مصالحهم الخاصة.
فالموضوع الذي اثار ضجة كبيرة في البلد خلال الساعات الماضية انتهى الى نصف حل بعدما وضع المجلس الاعلى للدفاع يده عليه، اذ خلال الاجتماع الذي عقد امس برئاسة رئيس الجمهورية قدم قائد الجيش العماد جوزاف عون شرحا مفصلا ومسهبا مدعما بالوثائق لوجهة نظر الجيش، واستقر رأي الحاضرين على ابقاء الوضع على ما هو عليه حاليا، تزامنا مع اعداد قيادة الجيش دراسة مفصلة واحصائية حول عديد الجيش والرتب والتعويضات والمستحقات والمساعدات، على ان يقدم التقرير في جلسة لاحقة يصار بعدها الى اتخاذ قرار حول الموضوع.
تعود قصة التدبير رقم 3 وما يترتب عليه من تعويضات الى احداث 1975 حيث انه ونظرا للظروف الصعبة التي عاشها الجيش خلال هذه الاحداث من الاشتراك في العمليات الحربية والتضحيات في الارواح التي بذلها ، منح عناصر الجيش ضمائم حربية تعادل ضعفي مدة الخدمة من 1/1/1975 وحتى انتهاء الحالة الراهنة وقتذاك. غير ان تلك الاوضاع استمرت حتى اليوم حيث يقوم الجيش بكل المهمات المطلوبة منه من عمليات حربية وحفظ امن ومكافحة الارهاب. لهذا ونظرا للجهوزية التامة للجيش بجميع قطعه العملانمية والثابتة ما زال مطبقا على عناصره تدبير الاستنفار رقم 3 ومنحهم ضمائم حربية تعادل ضعفي مدة الخدمة عملا بالمراسيم والمذكرات الصادرة بهذا الخصوص.
ففي دراسة لكلفة تدابير الاستنفار للعسكريين وفقا لمفهوم ساعات العمل الاضافية لدى الموظف المدني تبين ان وحدات الجيش تعمل في الايام العادية وفقاً للنمط الآتي :
– تنتشر بعض الوحدات عملانيا على الحدود وفي بعض النقاط الحساسة وتتمركز باقي القوى في المواقع والثكنات العسكرية بحالة جهوزية متفاوتة تتلاءم والوضع الامني والعسكري.
وعليه، يكون من الضروري فرض تطبيق تدابير الاستنفار لتامين الجهوزية اللازمة والتي هي 70% من عديد الجيش حاليا لضمان تأمين تأدية المهام الموكلة، وذلك نتيجة النقص في العديد واجراءات التقشف لجهة التطويع، ما يبين ان الاستنفار ليس من باب تأمين منفعة خاصة وفردية للعسكريين ولزوم ما لا يلزم بل على العكس.
– تطبيق تدابير الاستنفار (1-2-3) على الوحدات المنتشرة عملانيا والمكلفة بمهام عسكرية وفقا لمهمة كل وحدة عسكرية ويتقاضى عسكريو هذه الوحدات بدل تدابير الاستنفار المطبق على كل وحدة.
– ان كل مستوى من هذه التدابير يمنح العسكري تعويضا يساوي نسبة مئوية من اساس راتبه وفقا لكل رتبة.
ان اخذ كل تلك المعطيات في الحسبان يبيّن لنا الآتي :
– اساس راتب الموظف المدني 1200000 ل.ل. وهو يعمل 7.5 ساعة يوميا، اي 225 ساعة عمل شهريا، اضافة الى انه يتقاضى 8000 ل.ل. عن كل ساعة عمل اضافية.
كل ذلك فضلا عن اخرى يتقاضاها: تعويض عن اعمال اضافية، حصص الغرامات، تعويض النقل والانتقال، تعويض المجالس والهيئات، تعويض ساعات الليل.
-اساس راتب العسكري : 120000، الخدمة، 5 ايام خدمة و3 ايام ماذونية خدمته 456 ساعة شهريا بمعدل 231 ساعة اضافية عن الموظف المدني شهريا، ما يجعله يستحق 1848000 ل.ل. اضافية، غير انه لا يتقاضاها.
تعويض العسكري بعد 20 سنة خدمة هو : 20×3 =60 شهراً تحسم منها المأذونيات فيكون التعويض وفقا لتدبير رقم 3 كالآتي : 120000×85%×60=61200000 ل.ل. وعليه، تكون له قيمة مضافة يستحقها ولم يتقاضها اي ساعات اضافية: 1848000×12×20=443520000 ل.ل
مع التذكير ان سن التقاعد للعسكريين لا تتعدى الـ 58 سنة للضباط فيما الموظف المدني 64 سنة، اي الفارق بحدود ثلاث درجات.
من هنا تشير مصادر مطلعة على واقع المؤسسة العسكرية الى ان الطبقة السياسية التي اغرقت البلاد بالديون والفساد تحاول اليوم الاخذ من الجيش تحت حجة عصر النفقات وخفضها، دون ان تدرك خطورة ما ترتكبه ضد الوطن والمجتمع اللبناني، اذ ان المسألة كما بات واضحا تفوق بكثير خفض عجز من هنا او مصاريف من هناك، بل يندرج في اطار خطة مشبوهة يحاول البعض اللعب من خلالها بمصير الوطن عبر ضرب احدى ابرز المؤسسات فيه والركيزة الاولى للامن والاستقرار في الوطن والتي لولا تضحيات افرادها وبذلهم الغالي والرخيص مخاطرين بحياتهم في ظل الامكانات المتواضعة التي توفرها لهم الدولة لما كان استقرار واستقرار دوران العجلة الاقتصادية، مذكرة بانه لولا انتشار الجيش على الحدود وفي المرافئ وضبطه لعمليات التهريب لما ارتفعت واردات الدولة المالية ، مشيرة الى انه من المعيب ايهام اللبنانيين بأن المؤسسة العسكرية مسؤولة عن جزء من هدرهم ، او معاملة العسكريين كموظفين عاديين او كباقي عناصر القوى الامنية او الشرطة البلدية، نظرا لاختلاف المهام، كاشفة كباقي اللبنانيين ان ما يدفع للجيش هو استثمار في النهاية في المجتمع كما في الامن، اذ بينت التجارب ان المنتمين الى المؤسسة محصنون ضد الآفات الاجتماعية من مخدرات وارهاب وغيرهما. وحول الحديث عن الغاء المساعدات المدرسية وجعلها بقرار وزاري، سألت المصادر أوليست هذه الاموال المدفوعة من احد ابرز مصادر المساهمة في تحريك الدورة الاقتصادية، اذ انها كمية الاموال التي يتم ضخها في السوق.
وتختم المصادر بان الحملة القديمة الجديدة التي تستهدف تعويضات العسكريين باتت معزوفة فارغة، يراد بها باطل، وسط الحملات الممنهجة للايقاع بين العسكريين والمواطنين والتصوير بان العجز اللاحق بالخزينة سببه الاساس كما التضخم في الرواتب هو ما يتقاضاه العسكريون من حقوق، فيما الحقيقة غير ذلك تماما، وتكفي نظرة سريعة الى حقيقة اوضاع العسكريين المتقاعدين لتبيان الوقائع الصحيحة، محذرة من ان اي ضرب لما تحقق خلال السنوات الماضية من حقوق سيؤدي الى انهيار كبير على مستوى الوطن والمجتمع ككل، سائلة هل المطلوب من العسكري ان يضحي بحياته في زمن الحرب وفي زمن السلم ان يتم التخلي عنه؟ وهل المطلوب ابعاد المواطنين عن المؤسسة وعن الاقدام على التطوع في صفوفها حماية للسلم الاجتماعي والوطني؟ وهل المطلوب حرمان العسكريين حياة كريمة بحدها الادنى بعد التقاعد؟ اوليس المطلوب العكس اليوم بعد الذي حصل من الضنية الى فجر الجرود مرورا بنهر البارد وعبرا وعرسال؟ اهكذا تكافأ عائلات الشهداء والمعوقين؟ فاذا كان كل ذلك مطلوب هنيئا لتلك الطبقة الفاسدة نجاحها في ضرب العصب الاساسي للبلد وركيزته الاولى، ومبروك للبنانيين الانفلات والانهيار الذي يبشرونهم به.
«خدوا السلسلة وابقوا لنا حقوقنا» انه لسان حال العسكريين. فالسلطة التي اعطت باليمين اخذت بالشمال واكثر، متناسية ان دول العالم المتحضر تستثمر في الامن لما لذلك من اثر في تعزيز الاستثمار والسياحة. اما في لبنان فالعكس حيث سعي الى تخفيض رواتب العسكريين وتعويضاتهم لضرب معنوياتهم. فهل من عاقل يسعى الى خفض موازنة الدفاع في ظل ظروف مماثلة لما يمر به لبنان من تهديدات اسرائيلية وارهابية؟ الا اذا كان المطلوب ضرب معنويات المؤسسة واسقاط الوطن…