Site icon IMLebanon

قصة محاولة تحجيم «القوات اللبنانية» كما ترويها «معراب»

جعجع: لا تنازل إضافياً ومشاركتنا بالحكومة تحفظ التوازن وهو مطلب غربي لتنفيذ «سيدر»

قصة محاولة تحجيم «القوات اللبنانية» كما ترويها «معراب»

 

ثمّة نظرية أن النظام السوري يؤخّر تأليف الحكومة.. ومن المضحك المبكي أن يصدّق الأسد أنه عاد قوياً

ما عاد التنازل بالنسبة لـ «معراب» ممكناً. لم تؤدِّ الـ «تسهيلات» التي قدّمتها «القوات اللبنانية» الى تأليف الحكومة، ما يجعلها تعود إلى المربّع الأول.

بالنسبة إلى رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فإن حجم حزبه – قياساً على نتائج الأصوات التفضيلية التي حصلت عليها في الانتخابات – هو بين 35  و36 بالمائة، ووفق تقديرات رئيس «التيار الوطني الحر» هي 31 بالمائة، بمعنى أن حصة «القوات» هي ثلث المقاعد الـ15 المسيحية في الحكومة الثلاثينية. التوزيع استناداً إلى نتائج الانتخابات بالصوت المسيحي يجب أن يكون ثمانية مقاعد لرئيس الجمهورية والتيار «الوطني الحر»، خمسة لـ«القوات» ووزير لـ «المردة» ووزير لحزب «الكتائب اللبنانية».

يروي جعجع محطات المشاورات التي حصلت معه، ويقول إن التشاور انطلق من خمسة وزراء. اقترح الرئيس المكلف سعد الحريري عليهم أنه بدل خمسة وزراء بينهم وزير دولة، فليكن أربعة وزراء بحقيبة سيادية و3 حقائب خدماتية: أساسية ووسطى وصغرى. سارت «القوات» بالاقتراح. فكانت النتيجة أن تحولت المشكلة إلى «لا للحقيبة السيادية» التي كان مقترحاً أن تكون وزارة الدفاع. ذهب الحريري إلى إيجاد حل، بعدما اعتبر أن حقيبة الدفاع لا تقدم الكثير للقوات ما دام رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وما دامت قيادة الجيش تتمتع بصلاحيات كبيرة، مقترحاً في المقابل استبدال الحقيبة السيادية بحقيبة خدماتية أساسية. وعلى رغم إدراك «القوات» لأهمية معاني الحقيبة السيادية، فقد سارت بالاقتراح لتسهيل التأليف، مع حصيلة حقيبتين خدماتيتين أساسيتين وواحدة وسطى ورابعة صغرى. وقُدّم مشروع التشكيلة على هذا الأساس، لكنها رُفضت. الرفض هنا لا يشمل بالتأكيد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ولا الحريري. وقد وصله من رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر الوزير ملحم الرياشي «أننا لا نعارض تولي «القوات» حقيبة  وزارة الدفاع». وتعبير «أننا» يشمل، في القراءة السياسية، «حزب الله».

طارت الحقيبة السيادية، لتحل تركيبة فيها ثلاث حقائب لـ «القوات» مع منصب نائب رئيس الحكومة، لم يُفاتحه فيها  أحد، بل وصله الاقتراح عبر الإعلام، فكان جوابه بأن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء يجب أن يكون في عداد حصة الرئيس، كما كان يطالب «التيار الوطني الحر».

ويبقى السؤال: من وضع «فيتو وطني»؟ والتعبير لباسيل. لا جواب عند جعجع. فقال له أحد الزملاء في الجلسة الإعلامية المغلقة: ما يقصده باسيل هو أن قيادة الجيش وضعت «فيتو»، ردّ جعجع: هذا منطق غير مقبول. لا يُبدي رئيس حزب «القوات اللبنانية»، المُطالب على الدوام بضرورة حصر السلاح بيد الدولة ممثلة بالقوى الأمنية، قناعة بأن قيادة الجيش وراء مثل هذا «الفيتو»، وإن كان عبّر خلال تطرقه إلى «حادثة الفرزل»، عن خشيته، من محاولة البعض «استغلال الجيش في حسابات سياسية، فيما مؤسسة الجيش واحدة من المؤسسات الوطنية الكبرى الباقية من الناحية الاستراتيجية، والتي يجب أن تبقى بعيدة عن محاولات إدخالها في الزواريب».

لكن ألا توجد إمكانية لفرض «تشكيلة أمر واقع» في نهاية المطاف، ولا سيما إذا ركن كل من الحريري وجنبلاط لحسابات أو ضغوط معينة؟ هذا أمر يراه تهويلاً، ولا سيما الكلام عن حكومة أكثرية، أو حكومة تكون «القوات فيها محجّمة».

يقارب المسألة من اعتبارات تصل إلى حد القناعات. أولها، يقينه التام بأن الحكومة لا يمكن أن تتشكل من دون «القوات»، ومهما كانت الضغوطات، فإن لا مصلحة للرئيس المكلف سعد الحريري بالدخول في أتون النار. حكومة من دون «القوات اللبنانية» يعني ببساطة «حكومة غزة في لبنان». وثانيها، اقتناعه بأن «أي تنازل إضافي من جانبهم لم يعد يصب في مصلحة البلد، لأنه بات يضرب معادلة التوازن». والتوازن مطلب غربي، وأوروبي تحديداً. أبلغ طرف في مؤتمر «سيدر» مَن يعنيهم الأمر بوضوح لا لبس فيه بأن التنفيذ مرتبط «بوجود حكومة متوازنة». والتوازن، كما يفهمه الأوروبيون ولا سيما الفرنسيون، لا يستقيم من دون مشاركة «القوات» وفق حجمها، وذلك نابع من تعويل على قدرتها تشكيل رأس حربة في مجلس الوزراء. ليس الحديث هنا عن رأس حربة سياسي. التركيز على الملفات الحيوية، وملف الكهرباء نموذج يُحتذى، حيث أخرجت معارضة «القوات» الثابتة أطرافاً أخرى من حال التردد والإحراج في المواجهة. ولولا موقف «القوات» لبقي الآخرون في المنطقة الرمادية.

في معراب، ثمة صورة واضحة، بأن ما يعرقل الحكومة في الجزء الأساسي يكمن في محاولة تحجيم تمثيل «القوات». هي حسابات داخلية وليست عوامل خارجية. يخرج جعجع عن انتقاء الكلمات هنا: «ما بدنا حدن يعطي «القوات»، بدنا يحلوا عنها، وما منقبل حدن يشلحنا حقنا». موقفه يتخلص: «لست متفائلاً وعارف نواياهم. خلّيهم يعطلوا ويتحمّلوا المسؤولية». يخرج بخلاصة أنه لم يعد لديه ما يقدمه، وإنْ كان ذلك لا يعني مطلقاً أن لا حكومة. فهو يعتبر أن كلام الحريري عن عشرة أيام، معناه فترة زمنية قد تصل إلى أسابيع معدودة! وهو «لم يلاحظ أن حركة أمل و«حزب الله» يعرقلان الحكومة، فمطالبهم هي بحدود المعقول والمقبول».

أي مصلحة للعهد في تأخير وجود حكومة؟ سؤال لا جواب واضح عليه لدى جعجع. ينقل نظرية سمعها من أحد المسؤولين الغربيين، يعزو بها أسباب تأخر عملية التأليف إلى النظام السوري الذي أوكل إلى فرقاء في الداخل مهمة عدم التشكيل طالما أن الحريري والأطراف الموجودة معه لا يزالون على موقفهم المعارض لنظام الأسد. المضحك المبكي بالنسبة إلى جعجع أن يكون النظام السوري يُصدّق نفسه أنه عاد قوياً. فحال الأسد مثل حال عصفور جالس على ظهر فيل، يظن أنه قوي بفعل الفيل الذي يُعبّد بقوته الطريق لنفسه، فيظن أنه هو القوي الذي يُعبّدها. يتناسى الأسد أن في سوريا ميليشيات وإيران وتركيا وروسيا وأميركا، ويعتقد أنه اللاعب الكبير، وأن معه لاعبين صغاراً متوهمّين بأن لديهم هامشاً في الوقت المستقطع.

يذهب جعجع إلى إبداء قلق حقيقي على الوضع الاقتصادي في البلاد. يكشف عن أن «القوات» عقدت سلسلة لقاءات مع مجموعة من الخبراء الاقتصاديين بعيداً عن الإعلام، وعكفت على تحضير «خارطة طريق» اقتصادية إنقاذية بخطوات عملية، سيتم الإعلان عنها بعد اجتماع لكتلة «القوات» أواخر الأسبوع أو أوائل الأسبوع المقبل. فإذا تشكلت الحكومة سيتم طرح هذه الخطة لاعتمادها كجزء من برنامجها، وإذا لم تُشكّل، فإنه سيتم اللجوء إلى خطوات دستورية لإقرار الخطوات الضرورية من أجل إنقاذ البلاد من السقوط في الهاوية.

لا يوافق على نظرية «أن ما يحصل في المنطقة يرسم مصير لبنان». يستعير مثال قيام الجمهورية العربية المتحدة بين سوريا ومصر. في رأيه أن أمر حماية لبنان رهن باتفاق اللبنانيين بين بعضهم البعض. ومن هنا كانت مخاطبته «حزب الله» ودعوته له بأن يعود على كل المستويات إلى لبنان، بما يعنيه ذلك، من ضمن ما يعنيه، تخلّيه عن مشروعه العقائدي، الذي لا يستقيم مع لبنانيته.

والحذر المطلوب راهناً يستدعيه استعار المواجهة بين أميركا وإيران، والتي برأيه، هي كبرى وجدّية جداً وتنتقل من مرحلة إلى مرحلة، وستستمر وتشتدّ بعد الرابع من تشرين الثاني، مع بدء تنفيذ العقوبات على النفط. الحذر مطلوب لأن احتمالات التسوية تبدو ضئيلة أيضاً، وقد بدأت الدول الأوروبية تقترب من وجهة النظر الأميركية، وأفضل ما يمكن أن نفعله هو تذكر المثل القائل: «عند حرب الكبار (اختلاف الدول) احفظ رأسك».